‎⁨مدرسة-ضاحية-اليرموك-الثانية-حلقة-أولى⁩

تعاني معظم المدارس في محافظة درعا من نقص كبير في كوادر التدريس، وخاصة في الاختصاصات الأساسية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغتين الإنكليزية والفرنسية، رغم وجود أعداد كبيرة من خريجي الجامعات في المحافظة. يعود النقص إلى هجرة عدد من المدرسين خارج البلاد، وعزوف آخرين عن الالتحاق بالتدريس ولجوئهم إلى عمل آخر، نظراً لتدنّي الرواتب والأجور وغلاء المعيشة.

وفق ما رصدت درعا 24 فإن المدرّس من داخل الملاك (أي يعمل بعقد ثابت، ويأخذ أجره شهرياً، وليس بالساعة)، يتلقى أجر شهري لا يتجاوز الـ 130 ألف ليرة سورية (حوالي 20 دولار أمريكي.

 ودفع تدهور المعيشة أغلب خريجي الجامعات، للسفر والهجرة خارج البلاد، ومن بقي لم يلتحق بوظيفة، ويحاول البحث عن عمل يعطي مردوداً أفضل.

 ‏ يوضح (محمد الأسعد، وهو اسم مستعار لأحد المعلمين من ريف درعا الشرقي)، أن راتب المعلم الحالي غير كافي لتأمين أبسط مستلزمات الحياة الأساسية، في ظل الغلاء. فالراتب لا يكفيه لدفع أجور التنقلات، إذا تم تعيينه خارج منطقته.

 ‏ ‏وتابع: “لا أبالغ إذا قلت إنه لا يكفي سوى ليومين على التوالي في أحسن الأحوال، وهذا ما دفع بالعديد من خريجي الجامعات للامتناع عن العمل في قطاع التعليم، والبحث عن فرص ومصادر عمل أفضل”. ‏وذكر الأسعد أن النقص في كوادر التدريس كبير وموجود في جميع المراحل الدراسية.

عوائق في العملية التعليمية

 ‏بدوره (رامي .ك، مدير مدرسة سابق) يقول : “هناك عوائق كثيرة تواجه العملية التعليمية في محافظة درعا، وأهمها نقص الكوادر والموظفين في المدراس، وغياب الخبرة العلمية لدى معظم المعلمين، حيث تم  تعيين عدد من حملة الشهادة الثانوية، وبعضهم من طلاب الجامعات الذين لم ينهوا تحصيلهم العلمي، ولم يتلقوا أي تدريب على المناهج الدراسية الحديثة، وذلك  لسد النقص الحاصل”.

وأضاف أن هناك اكتظاظ في الغرف الصفية، حيث يصل عدد الطلاب في الغرفة الواحدة لـ 40 و45 طالبا، مما يسبب ارباك للمعلمين الذين يواجهون صعوبة كبيرة بالتعامل مع الطلاب، وهذا ترك أثراً واضحاً وملموساً على الطلبة، وأدى إلى تدهور ملحوظ بالعملية التعليمية، مما بات يهدد مستقبل ملايين الطلاب المثقلين بمخرجات تعليمية متدنية، وهذا سينعكس حتماً بشكلٍ سلبي على التعليم في الجامعات كنتيجة حتمية، لتراكمات سابقة أهمها غياب الاهتمام بتعويض نقص الكوادر التدريسية.

وأوضح أن الحل الوحيد لهذه المشكلة يكون برفع أجور المدرسين، بشكلٍ يوازي ما يقع على عاتقهم من مسؤوليات، وما يقومون به من مهام بشكلٍ يمكنهم من متابعة معيشتهم والتفرغ لعملهم.

إقرأ أيضاً: الكتب المدرسية أعباء مادّيّة جديدة، هل مازال التعليم مجاني؟

نقص المدرسين يرهق الأسر مادياً

 ‏لقد دفع النقص المتزايد بأعداد الكوادر التدريسية في مدارس المحافظة، الكثير من الأهالي إلى اللجوء إلى تسجيل أولادهم في دورات ومدارس خاصة، أو التوجه للدروس الخصوصية، لتعويض الفاقد التعليمي في المدارس الحكومية، وهذا ما أثقل كاهلهم وحملهم مصاريف إضافية، في ظل الظروف المعيشية البالغة الصعوبة.

 ‏ ‏وفق ما أفادت به مراسلة درعا 24 فإن أسعار الدروس الخصوصية تتراوح بين الـ 10 والـ 15 ألف ليرة سورية، وترتفع أيام الامتحانات لتصل إلى 25 ألف ليرة سورية للجلسة الواحدة، وخاصة لطلاب الشهادتين.

إقرأ أيضاً: من المدارس العامة إلى الخاصة، والواقع التعليمي من سيء لأسوأ 

 ‏تقول ‏(أم عدي 33 عاماً ربة منزل، وهي من الريف الشرقي لمحافظة درعا) في حديثها مع المراسلة: “على الرغم من مضي أكثر من شهر على بدء الفصل الدراسي الثاني، إلا أن ابني الطالب في الصف الرابع الابتدائي، لازال بدون معلمة لغة إنكليزية، وكافة الحصص المخصصة للغة الإنكليزية أصبحت حصص للعب والتسلية، لعدم وجود بديل للمعلمة السابقة، التي حصلت على منصب إداري في احدى مدارس البلدة”.

تضيف: “طلاب الصف السادس أيضاً في ذات المدرسة يعانون من عدم وجود معلمة لغة عربية، منذ أكثر من شهر”. وتساءلت مستغربةً: “كيف يمكن تعويض هذا الفاقد التعليمي للطلاب، على اعتبار هذا المراحل هي أهم مراحل التأسيس للطفل؟”

 وتتابع بأن هناك عدد كبير من أهالي الطلاب عملوا على تسجيل أولادهم في معاهد خاصة، وهناك من اتجه للدروس الخصوصية لتعويض ذلك النقص، وهذا ما سبب ضيق مادي كبير للعديد من الأسر، التي بالكاد قادرة على تأمين قوت يومها.

 ‏وختمت قائلة: “معاناة كبيرة تعاني منها أغلب الأسر، فطالب المرحلة الابتدائية، بات بحاجة للدروس الخصوصية أكثر من طلاب الشهادة الثانوية والإعدادية. إنه أمر محزن للغاية، ومرهق للأسر التي باتت مجبرة على العمل ليلاً ونهاراً، لتوفير ثمن تلك الدروس التي تحتاج لمبالغ مالية باهظة، حتى يتمكن الطالب من متابعة دراسته بشكلٍ جيد”.

إقرأ أيضاً: صعوبة المنهاج في ظل ضعف الإمكانيات ونقص الوسائل التعليمية في المدارس

 ‏أما (سلام، الطالبة في الصف الثالث الاعدادي في ريف درعا الشرقي) فتروي معاناتها : “مدرس مادة الرياضيات في مدرستنا طالب جامعي في السنة الثانية، وهو يواجه صعوبة كبيرة في المنهاج وطريقة شرحه وإيصال المعلومات لنا، لذلك وجدنا أنفسنا مجبرين على الاستعانة بمدرس خصوصي لهذه المادة، لأن العام الدراسي أوشك على الانتهاء، ولا بد لنا من تعويض ما فاتنا من معلومات، ولكن ليس بالأمر السهل تأمين ثمن الدروس الخصوصية، لأن والدي يشقى جاهداً لتوفير مستلزماتنا اليومية، ولم يكن بالحسبان ثمن تلك الدروس التي زادت اسرتي قهراً وتعباً”.

‏كيف عالجت الحكومة هذه المشكلة؟

 ‏‏ لم تتمكن وزارة التربية من حل مشكلة نقص الكوادر التدريسية، التي تركت أثراً واضحاً وسلبياً على الطلبة  وأهاليهم أيضاً. ففي نوفمبر / تشرين الثاني  2022  أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً، ينص على رفع سن التقاعد لكوادر الجامعات والهيئات التدريسية إلى 70 عاماً، وتمديد التعيين للمتقاعدين في المؤسسات الحكومية لمدة خمسة أعوام. إضافةً إلى أن النظام كان قد فتح باب التسجيل على دورات تعيين بالوكالة لحملة الشهادة الثانوية، أو تعيين مدرسين وكلاء أغلبهم طلاب في المرحلة الجامعية في السنوات الدراسية الأولى، وذلك في سبيل تعويض النقص الحاصل في كوادر المؤسسات التعليمية.

إقرأ أيضاً: وزير التربية: الدروس الخصوصية أصبحت موضة يتباهى بها الأهالي!

 ‏ ‏وفي وقت سابق كان قد حمل وزير التربية دارم طباع بعض الأهالي المسؤولية بإعطاء أولادهم دروساً خصوصية، واصفاً تلك الدروس بأنها موضة يتباهى بها الأهل. وقال : “إن الضابطة العدلية في مديريات التربية تلاحق من يقوم بإعطاء دروس خاصة في منزله، وسيتم التغاضي عن بعض الحالات في حال اقتصر الإعطاء على طالب واحد، من منحى إنساني، ولكن في حال كان هناك عدد من الطلاب يتم اتخاذ إجراءات وفرض غرامة كبيرة بحقه”. فبدلاً من رفع أجور العاملين في القطاع التعليمي، واتخاذ تغييرات تساهم بإنقاذ ما تبقي من قطاع التعليم وحمايته من الانهيار، تلجأ الحكومة إلى اتخاذ إجراءات بعيدة كل البعد عن حل تلك المشاكل والأزمات التي تهدد قطاع التعليم.

ماذا عن المدرسين المفصولين؟

أُجبر العديد المدرسين على الانقطاع عن عملهم في المدارس في محافظة درعا، خلال السنوات الماضية، بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم، فاعتبرتهم التربية بحكم المُستقيل، بعد خروج بلداتهم عن سيطرة السلطة. وإلى اليوم ما زال العديد من هؤلاء خارج عملهم.

وفق ما رصدت درعا 24 في تقارير سابقة فإن المدرسين المفصولين بعد تطبيق اتفاقية التسوية والمصالحة في منتصف العام 2018 سارعوا إلى إجراء التسوية، وتلّقوا العديد من الوعود بالعودة للعمل، ولم يرجع منهم سوى عدد قليل منهم، وفي بعض القرى والبلدات لم يرجع سوى واحد أو اثنين منهم.

حسب العديد من المدرسين الذين تحدثت درعا 24 إليهم فإن عملية العودة للتعليم مُتعسّرة، حيث يتطلّب ذلك عشرات الموافقات الأمنية، وبعضهم على الرغم من مرور ثلاث سنوات من بدء تسيير أوراق عودتهم للمدارس لم يحالفهم الحظ حتى اليوم بسبب كثرة الموافقات الأمنية المطلوبة.

إقرأ أيضاً: ظاهرة التعنيف في المدارس (ضرب التلاميذ)، أسبابها ونتائجها

جدير بالذكر أن قطاع التعليم يعاني إضافةً إلى نقص الكوادر التدريسية من العديد من المشاكل، كاكتظاظ الصفوف بالطلاب، وعشرات المدارس ما تزال خارج الخدمة بشكل كامل أو بشكل جزئي بسبب تضررها نتيجة القصف. كذلك غالبية المدارس تعاني من نقص التدفئة اللازمة للتلاميذ ومن نقص الكتب والمستلزمات المدرسية.

الرابط: https://daraa24.org/?p=29270

Similar Posts