تنامي تجارة المخدرات وترويجها في محافظة درعا

أصبح تعاطي المخدرات والاتّجار بها ظاهرة منتشرة في كافة مدن وأرياف محافظة درعا، وقد تنامت هذه التجارة لعدم وجود ضوابط، في ظل غياب دور الدولة القانوني والمدني، وتعد الظاهرة من أخطر الظواهر التي تعصف بجسد المجتمع في محافظة درعا مهددة حاضر المنطقة ومستقبلها.

يؤكد الناشط السياسي من محافظة درعا أمجد الحوراني في حديثه مع مراسل درعا 24 أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المحافظة تتفاقم بشكل كبير يوماُ بعد يوم، وكذلك الأمر بالنسبة لانتشار تجارة المخدرات التي باتت تباع على الأرصفة وفي المنازل، وفق تعبيره. يقول: “هناك إقبال شديد على تعاطيها وتعتبر فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 15 والـ 25 سنة هي الأكثر تعاطياً للمخدرات”.

“المخدرات على عينك يا تاجر”

تتضاعف المؤشرات التي تدل على ارتفاع نسبة المدمنين في محافظة درعا، حيث أصبحت هذه الظاهرة أوضح من أن يتم تجاهلها. لم تكن محافظة درعا سابقاً تشتهر ببيع وترويج المخدرات، إلا في حالات نادرة جداً، ولكن بعد العام 2013 وحالة الفوضى والفلتان الأمني التي شهدتها درعا، سهّلت كافة الطرق لرواجها وانتشارها بشكل أوسع، إلا أن إعلان النظام سيطرته على المنطقة الجنوبية في منتصف العام 2018، كانت محطة الانطلاق لتفاقم وتنامي ظاهرة تعاطي وتجارة المخدرات في درعا.

وفقاً للناشط السياسي الحوراني، فالمخدرات منذ ذلك التاريخ صارت تباع في العلن، و “على عينك يا تاجر”، فقد تم إغراق المحافظة بالمخدرات والحشيش، وأصبحت سوقاً حقيقياً لمعامل المخدرات، و تحوّلت من البيع السري إلى العلني، وأصبح الحصول على المخدرات والحشيش يسيراً دون أي عوائق أو معاناة تذكر.

ويضيف : “أصبحت تجارة المخدرات رابحة ومربحة في درعا، ففي ظل عدم وجود رادع حكومي لهذه الظاهرة، نرى زيادة في عدد المتعاطين والمروجين بكثرة، في ظل ظروف أمنية واقتصادية سيئة يعيشها أهالي درعا”. ويوضح أن تجارة المخدرات أدت إلى انتشار الكثير من الآفات الاجتماعية والجرائم، التي لم تكن مألوفة سابقاً، وأنها تخطت ظاهرة الاتجار بها لغايتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بتدمير الطاقات الشابة والسيطرة عليها، أما الأخرى تتعلق  بخلق اقتصاد بديل لاقتصاد النظام المتهالك .

وكانت كشفت درعا 24 في أكثر من تقرير لها عن وجود عصابات تقف وراء تهريب المخدرات في مناطق المحافظة، كان من ضمنها عصابة في مدينة طفس لشبّان في العشرينيات، عملها الأساسي الترويج لهذه التجارة، إضافةً إلى تورطها في عمليات سرقة وسطو مُسلح، وكذلك عصابة أخرى في مدينة نوى وثالثة في خراب الشحم. وقد تبيّن ارتباط هذه العصابات بالأجهزة الأمنية التي تؤمن الحماية للعصابات، وتُسهّل حركة أفرادها وعبورهم من خلال الحواجز والنقاط العسكرية.

إقرأ أىضاً: مدير الإعلام العسكري في الجيش الأردني: عمليات تهريب المخدرات تضاعفت في الأعوام الأخيرة، فما دور المليشيات الإيرانية؟

المخدرات لم تعد حكراً على الذكور

 لم يعد تعاطي المخدرات والاتجار بها حكراً على الذكور فقط، بل تعداه إلى الإناث، حيث تشهد محافظة درعا تزايداً ملحوظاً في أعداد النساء اللاتي يعملن في ترويج المخدرات، كون المرأة بعيدة عن الاشتباه في هذا المجال، وكان قد كشف مدير مشفى ابن رشد للأمراض النفسية في دمشق العام الماضي عن ازدياد حالات الإدمان، بمختلف أشكاله بين معظم الفئات العمرية في مناطق سيطرة النظام في سوريا، لاسيما فئة الشباب والمراهقين وعلى مستوى الجنسين.

 وقد أكدت (سوسن، 16 عاماً) أن والدة إحدى صديقاتها هي من كانت تتكفل بمهمة تأمين المخدرات من أحد معارفها، حيث كان يتم ذلك عن طريق مجموعات يترأسها شخص يقوم بجلب المواد المخدرة وإعطائها لها، لتعمل هي بدورها على توزيعها عبر شبكة من الفتيات داخل المؤسسات التعليمية، ويطلب منهن توسيع دائرة أصدقائهن داخل تلك المؤسسات وخارجها، بهدف إدماجهن ضمن تلك المجموعات.

ذكرت البافعة أن صديقتها هي من دفعتها للحصول على الجرعة الأولى للهروب من الألم والقلق الذي تعانيه بسبب عدم الاستقرار العائلي والتفكك الأسري.

فيما تقول (ربيعة . ك، مرشدة اجتماعي من قرى الريف الشرقي من محافظة درعا): “تسقط الفتيات في مستنقع المخدرات عبر مجموعة من الفتيات المروجات، وبسبب علاقات الصداقة التي تجمعهن يندفعن تدريجياً إلى التعاطي”.

وتوضح بأن ترك الأبناء فريسة للصحبة السيئة والروابط الأسرية المفككة، تعتبر من المشكلات الرئيسية التي تدفع الإناث إلى الإدمان أو العمل في تجارة المخدرات، للهروب من مشاكل وصعوبات، لا قدرة لهن على مواجهتها، وتتابع : “من أبرز تلك المشكلات الظروف المادية الصعبة للأهل، وانفصال الآباء والأمهات الذي يؤثر في الفتيات المراهقات، لذلك يُصبحن فريسةً سهلةً، حيث يتم استغلالهن ودفعهن لارتكاب السلوكيات الخاطئة ومن بينها الإدمان على المخدرات وترويجها”.

ومن وجهة نظر الأستاذة ربيعة، فإن الوضع يكون أكثر صعوبة مع الفتيات فالخوف من الوصم المجتمعي بالعار، يحوّل بين الفتيات وبين الإعلان عن مشاكلهن مع الإدمان والتوجه للعلاج، بسبب الخوف على سمعتهن في حال اكتشاف تعاطيهن للمخدرات. تقول: “إن السكوت عن هذا الموضوع والتستر عليه سواء في المؤسسات التعليمية أو داخل الأسر التي ترفض الاعتراف بوجود فتاة في العائلة بهذه المواصفات، ينذر باتساع رقعة المتورطات ويعتبر تهديداً مباشراً على الأخريات”.

المؤسسات التعليمية بيئة خصبة لانتشار المخدرات

لم تعد المؤسسات التعليمية في منأى عن مروجيّ المخدرات، بكل أشكالها بل أصبحت وجهة مفضلة لهم، لأنها تُشكل بيئة خصبة لبيع وبث تلك السموم، حيث أصبح كل طالب وطالبة مُهدد بخطر التعاطي، ما يُشكل تهديداً حقيقياً للمجتمع ومعاناة كبيرة لأسر الطلاب.

كشف مدير برنامج اليونسكو لمكافحة المنشطات في سوريا صفوح سباعي، عن انتشار العديد من المواد المخدرة بين طلاب المدارس والجامعات في مناطق سيطرة النظام في سوريا. وأكد في تصريحات نقلتها إذاعة ميلودي إف إم شبه الرسمية، أن هناك انتشاراً كبيراً ومخيفاً لتلك المنشطات والحبوب تحت مسميات حب السهر بين طلاب المدارس والجامعات، التي تصل إليهم من خلال طرق ومصادر عديدة.

وأشار إلى أن سعر الحبة حوالي 500 ليرة سورية فقط، ويتم الترويج لها تحت أسماء مثل الأرنب والعنكبوت وغيرها من الأسماء، كما يجري الترويج لاستخدام أدوية النهايات العصبية والتي تكون الطريق لبداية الإدمان.

وكانت درعا 24 خلال العمل على تقرير سابق حول وصول المخدرات للمدارس قابلتْ معلّمة من مدينة نوى، والتي أكدت بأنها لاحظت أن بعض الطالبات في إحدى المدارس بدا عليهن الخمول بشكل غريب، فشكّت في أمرهن وأخبرت مدير المدرسة الذي استدعى أهلهن، وقد تبين بأن أحد الطالبات وزّعت عليهن حبوباً، وقالت بأن هذه الحبوب تساعدهن على الدراسة، ويستطعن السهر دون أن يشعرن بالنعاس.

وأظهرت التحقيقات حينها، بأن هذه الحبوب هي حبوب مخدرة ويسمونها محلياً (يا مسهرني)، حيث يشعر المتعاطي بالنشاط في بداية الأمر ثم يظهر لاحقاً تأثيرها السلبي على كامل أعضاء الجسم، ويدمن الإنسان عليها. وقد تبين بأن أخو الطالبة (وهو متعاط ومروّج للمخدرات) يقوم بإعطاء أخته الحبوب لتوزيعها على زميلاتها، وبعد إدمانهن عليها يتم استغلالهن وأخذ النقود منهن.

وتبقى آفة المخدرات في محافظة درعا دون أي حلول جذرية أو توعية لا من قِبل الجهات الفاعلة والمؤثرة في المنطقة ولا من قِبل السلطات التي تمارس بشكل مُستمر دور المُنكر، حيث نفتْ في وقت سابق أن تكون المخدرات منتشرة في المدارس في درعا عن طريق وسائل الإعلام التابعة لها. في حين يستمر المروّجون للظاهرة بعملهم بلا حسيب ولا رقيب، في ظل وضع أمني ومعيشي غاية في السوء.

الرابط: https://daraa24.org/?p=34359

إذا كنتم تعتقدون بأن هذا المقال ينتهك المعايير الأخلاقية والمهنية يُرجى تقديم شكوى

Similar Posts