عمالة الأطفال

هذا التقرير هو التقرير الأول من بين ستة تقارير، خصصتها درعا 24 للحديث حول عمالة الأطفال في محافظة درعا.

تُشكّل عمالة الأطفال تهديداً خطيراً لأي مجتمع، لما لها من آثار سلبية على صحة وسلامة وتكوين الطفل، فهي سرقة لأحلامه ومستقبله وتعدٍ على طفولته. تعرّف منظمة العمل الدولية (ILO) عمالة الأطفال بأنها أي عمل يؤديه الأطفال دون سن الخامسة عشرة، سواء كان هذا العمل مدفوعاً أو غير مدفوع، ويؤدي إلى إحداث ضرر لصحتهم أو تعليمهم.

بينما تعرّفها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) على أنها “أي نشاط يؤدي إلى إحداث ضرر على صحة الطفل أو تعليمه، ويتضمن ذلك العمل الذي يؤثر على سلامته وصحته النفسية والاجتماعية”.

تفاقمت ظاهرة عمالة الاطفال بعد العام 2011 حيث ازدادت أعداد الأطفال المنخرطين بالعمل في سوريا، وقد كشف تقرير لمنظمة اليونسف في مطلع عام 2021 أن أكثر من 2,4 مليون طفل في سوريا، لم يلتحقوا بالمدارس، وأن قرابة 1,6 مليون آخرين معرضون لخطر التسرب وفقدان التعليم. 

الأستاذة في علم الاجتماع في جامعة دمشق “هناء برقاوي” في حديث لموقع سناك سوري في سبتمبر / أيلول 2022 قدرت ارتفاع نسبة عمالة الأطفال في سوريا خلال أعوام الحرب بنحو 20- 30 ضعفاً.

لا إحصائيات رسمية

لا تتوفر إحصاءات رسمية عن حجم عمالة الأطفال بالجنوب السوري، إلا أنه من المؤكد أن الإحصاءات لعموم سوريا تعبر عن الواقع في الجنوب إذ يمكن تصنيف عمالة الاطفال في الجنوب السوري على أنها ظاهرة فأينما حلّ ناظرك في محافظة درعا ستجد أطفالا يعملون على الأرصفة وفي محطات الوقود وورش الحدادة وغيرها من المهن.

(حمزة 15عاما) من ريف درعا الغربي قال في حديثه مع مراسلة درعا 24:”بدأت العمل منذ 4 سنوات تقريبا بعد وفاة والدي، وانا الأكبر بين أخوتي الستة، ولا يوجد معيل في عائلتي، تركت المدرسة في الصف الخامس، لصعوبة العمل والدراسة معاً، لم أجد عملاً يناسب عمري في البداية، لكن بعد ذلك وجدت عملاً في محل لبيع الألبان والأجبان لكن في قرية مجاورة، ولبُعد العمل عن بيتي، كنت أنام في مكان عملي وأذهب بين الفترة والأخرى لرؤية عائلتي”.

أكدت أم حمزة للمراسلة أنها غير راضية عن هذا الأمر لكن لم تكن أمامها أي خيارات أخرى، وهي تخشى الآن على أخوة حمزة أن يتركوا المدرسة، ويذهبوا إلى العمل بسبب ازدياد الأوضاع المعيشية صعوبةً.

 أضافت: “في البداية رفضت عمل حمزة في قرية مجاورة، لكنه لم يجد عمل قريب، وبعد سوء الوضع الأمني وانتشار خطف الأطفال بكثرة، وقصص المخدرات، طلبت منه ترك العمل والعودة لقريتنا وبدأنا جميعاً العمل في الزراعة”.

إقرأ أيضاً: عمالة الأطفال حرمان من البراءة وحقّ الحياة الكريمة

عمالة الأطفال ليست فقط موسمية، وأشكالها متنوعة

لم تعد عمالة الأطفال ظاهرة موسمية كما كانت في الغالب قبل العام 2011، حيث كان الأطفال يلتحقون بالعمل لاكتساب مهن محددة في فصل الصيف، أما الآن فالأطفال يعملون بكل المهن وعلى مدار السنة، بهدف إعالة أسرهم، وهذا ما أكدته الدكتورة «هناء برقاوي» في حديثها لموقع سناك سوري.

لا يقتصر التغيير في ظاهرة عمالة الاطفال في درعا على الازدياد الكبير في نسبة دخول الأطفال إلى سوق العمل، بل يتعداه إلى انخراطهم في السنوات العشرة الأخيرة في اشكال جديدة من الأعمال ومهن لم يكن الأطفال يعملون فيها من قبل. 

وقد رصدت درعا 24 من خلال المراسلين في مدن وبلدات المحافظة أن هناك العديد من الأمثلة لهذه المهن ومنها بيع المحروقات والسجائر على الطرقات والحدادة والنجارة وأعمال الدهان وتصليح وتغسيل السيارات وحمل مواد البناء والعمل في البقّالات والمطاعم.

فيما غالباً ما تفتقر بيئات العمل الى معايير الصحة والسلامة، كما يتعرض الأطفال العاملين في هذه القطاعات لشتى أنواع الإساءة الجسدية والنفسية والاستغلال.

في حين كانت صحيفة الوطن شبه الرسمية نشرت في 24 أكتوبر / 2022 تقريراً سلّطت الضوء فيه على تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في المهن التي وصفتها بالسيئة كنبش القمامة ومسح السيارات على إشارات المرور. وفي تصريح لنفس الصحيفة قال معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل السوري “محمد نبهان” أن ظاهرة وقوف الأطفال على الإشارات المرورية وفي الطرقات تندرج تحت باب التسول.

ماذا عن عمل الأطفال الإناث؟

تنخرط الأطفال الإناث أيضاً في سوق العمل، ولكن بنسبة أقل من الذكور بسبب العادات والتقاليد السائدة في المنطقة، والتي لا ترحب بعمالة الإناث عموماً، بالإضافة إلى أن قرار الالتحاق بالعمل بالنسبة للإناث يرجع الى الأهل، الذين يعتبرونه آخر الحلول الممكنة لمواجهة الظروف المعيشية القاسية وغياب المعيل، بينما ينتقل كثير من الأطفال الذكور من محيط الأسرة والمدرسة، إلى محيط العمل بقرار منهم وأحياناً دون رضا الأهل.

الدكتورة هدى علي الخبيرة الاجتماعية في ريف درعا أكدت للمراسل أن عمالة الأطفال الإناث في جنوب سوريا اقتصرت سابقاً على مشاركتهن في الأعمال الزراعية مع أسرهن وبعض الانشطة المنزلية. وقالت: “هذا لم يكن يشكل خطورة كبيرة لأنه لم يكن يترتب عليه تسرب الفتيات من التعليم أو تعرضهن لأي شكل من أشكال الاستغلال والإساءة، إلا أن السنوات العشر الأخيرة، شهدت انخراط البنات في أعمال جديدة خارج نطاق الأسرة نتيجة غياب المعيل، سواء بالهجرة أو الاعتقال أو القتل، ومن هذه الأعمال الخياطة والحياكة والتنظيف المنزلي والزراعة وتربية المواشي”. كذلك تلفت الانتباه إلى قضية مهمة، وهي قيام بعض الأهل بتزويج بناتهم القصر نتيجة لسوء الظروف المعيشية.

تجنيد الأطفال

يعد تجنيد الاطفال من اسوأ اشكال عمالة الأطفال لأن فيه تهديد مباشر لحياتهم، حيث وقع العديد من الأطفال ضحايا في المعارك التي حصلت قي الفترة ما بين 2011 و2018 علماً أنه لا يوجد أرقام دقيقة لمن فقد حياته من الأطفال في هذه المعارك.

وغالباً ما تكون المهام الموكلة إلى الأطفال المجندين الحراسة وتصوير المعارك ونقل الذخائر بالإضافة إلى الأعمال القتالية المباشرة. 

إضافةً للثمن الأكبر لتجنيد الاطفال وهو فقدان عدد منهم لحياته في المعارك أو الاعتقال، فان بعضاً من الأطفال المجندين الذين نجوا من المعارك والاعتقال قد تعرضوا لاضطرابات نفسية أثّرتْ تأثيراً عميقاً في حياتهم. 

يقول أحمد ياسر وهو مرشد نفسي في حديثه مع مراسل درعا 24: “هناك ظاهرة واضحة وهي أن كثير من الشباب الذين شاركوا في معارك وجبهات قتالية عندما كانوا أطفالاً، يعانون اليوم من مشاكل وعدم استقرار في حياتهم، وهم بحاجة (وبشكل ملح) للدعم النفسي”.

واقع قاسٍ يعاني منه الاطفال في درعا، طفولة سرقتها المعدات الصناعية في الورشات، وأحلام غيبها ضجيج الآلات الزراعية في الحقول، وشفاه صغيرة اختارت أن تحرم نفسها ضحكات الأطفال، لتؤمّن كسرة خبز لبقايا أسرة سلبها الموت والزنازين والهجرة معيلها وسندها.

الرابط: https://daraa24.org/?p=30489

Similar Posts