حرمان-المرأة-من-الميراث

تعاني النساء في محافظة درعا من ضياع معظم حقوقهن، ومنها حقها الشرعي والقانوني في الميراث، الذي يُسلب منها بالالتفاف على القانون والشرع تارةً وبالإجبار تارةً أُخرى.

يتّبع العديد من الآباء حيلًا متنوعة لمنع بناتهم أو شقيقاتهم من الحصول على حقهن في الإرث متمسكين بأعراف بالية، وذلك خوفاً من استيلاء زوجها أو ابنها على الميراث، وبالتالي ينتقل ملك العائلة الى أشخاص غرباء، -حسب تعبيرهم- فهم يعيبون على المرأة أن تقاسم أخوتها وذويها الميراث، متمسكين بهذه العقلية المتخلفة.

ثقافة العيب والحقّ في الميراث

 (فاطمة 38 عاما) تقول: “بعد وفاة والدي لم نجرؤ أنا او أي من شقيقاتي على المطالبة بأي شيء مما ترك أبي بعد وفاته ، بل إنّ والدتي أجبرتنا أن نوقع على تنازل  نهائي عن كامل حصصنا لإخوتنا الذكور، على الرغم من أنّ أوضاعنا المادّية سيئة جداً، وإحدى شقيقاتي تعاني الأمرّين بسبب مرض عضال اٌبتلي به زوجها، وهي تضطر للعمل لتأمين احتياجات أسرتها وأطفالها ،ولم يكن بمقدورنا الكلام او المطالبة بحقنا خوفاً من كلام الناس، و أن يتم وصفنا بالبنات العاقّات، فنحن للأسف، نعيش ضمن بيئة اجتماعية تعيب على المرأة أن تطالب بحقها من الميراث أو أن تواجه أهلها في المحاكم”.

تواجه النساء العديد من الإشكاليات والعقبات في حصولها على هذا الحق، وأبرزها ما هو مرتبط بالثقافة المجتمعية والنظرة النمطية السائدة (ماجدة سيدة في الخمسين من العمر) تقول: “إنّ والدي عمل على تقسيم كافة ممتلكاته على أخوتي الذكور وهو على قيد الحياة، وقام بحرماني أنا وشقيقاتي الثلاث من حصتنا من الميراث، بحجّة أنّهم لا يريدون أن تذهب الأرض لأزواجنا وأن أخوتنا الذكور لن يتركونا وسوف يكونون أكبر مُعين وسند لنا في هذه الحياة، على الرغم من أن أوضاعهم المادية جيدة جداً، ولكن ما باليد حيلة لأنّ والدي قسّم كل شيء قبل وفاته وعمل على تسجيل كل شيء باسم أخوتي بدوائر الدولة، لكي لا نستطيع اللجوء للقانون مستقبلاً وكان دائماً يردد على مسامعنا (الورثة لا تذهب للغريب)”.

أحد الأخصائيات الاجتماعيات قالت لمراسلة درعا 24 بأنّ العامل الاجتماعي الناجم عن الثقافة الذكورية السائدة دوراً كبيراً في حرمان المرأة من ميراثها، فقد تُجبر المرأة لاعتبارات الحفاظ على العائلة بالتنازل عن ميراثها مقابل ترضيتها بمبالغ مالية زهيدة، على الرغم من أنّ نصيبها يساوي أضعاف ذلك المبلغ. لكن العامل الأهم في استمرار هذه الظاهرة هو جهل المرأة بحقوقها الشرعية والقانونية، وخوفها من فقدان الترابط الاسري مع العائلة، وهذا ما يمنع العديد من النساء بالمطالبة بالميراث، إضافةً الى أنّ كافّة الأمور القانونية بما يخصّ موضوع الإرث هي أمور معقدة وتحتاج إلى وقت وجهد كبير بالمحاكم، ناهيك عن التكلفة المالية المرتفعة، مما يجعل المرأة تقف حائرة ومترددة امام رسوم المحاكم، و نفقات حصر الإرث وأتعاب المحامين لتجد نفسها مجبرة على القبول بأي عرض يقدمه لها أخوتها مقابل التنازل عن كامل حقوقها.

الميراث حقّ شرعي وقانوني

بدوره أحد أئمة المساجد تحدث لدرعا 24 بأنّ ما نشهده من ممارسات يتم تبريرها بتقاليد المجتمع تؤدي لحرمان المرأة من ميراث زوجها وأبيها لا يمسّ للإسلام بشيء، وكل الأديان والشرائع تؤكد أن الميراث حق لها، يقول الله تعالى في سورة النساء: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}. 

يضيف، بعض الناس لا يعرفون من الإسلام إلا الصلاة والصيام، ويتّبعون في الأمور الأُخرى العادات والتقاليد على الرغم من مخالفتها لشرع الله، ويسود ذلك عندما يستشري الجهل والتخلف والطمع لدى البعض، وعدم الالتزام بشرع الله، والابتعاد عن تنشئة الأولاد تنشئة دينية، وعدم غرس التعاليم الدينية في قلوبهم والتي تحض على هذا الأمر وأمور كثيرة أُخرى لا يطبقها الكثيرون للأسف.

إن حرمان المرأة من الميراث والغُبن الذي لحق بها بصوره المختلفة، من المشكلات المنتشرة في مجتمعنا التي تؤدي إلى الظلم والقهر وأكل أموال الناس بالباطل، ويزيد من أعداد النساء الفقيرات والمهمشات وغير القادرات على إعالة أنفسهن وأسرهن، ويفقدن القدرة على مواجهة أعباء الحياة المادية، ويتعرضن للاستغلال بكل أشكاله، فالأم والزوجة والابنة والأخت لهن حق شرعي من الإرث، فلا يجوز لأحد أن يحرمها حقها الذي أقره الشرع  ومن حق المرأة المطالبة بنصيبها من الإرث الذي فرضه الإسلام وكفله لها.

أحد المحامين أوضح بأنّ العادات والتقاليد تتفوق على القانون والشرع معًا في بعض المجتمعات الريفية، فنظرة المجتمع للمرأة التي تذهب للقضاء وتطالب بحقوقها تبقى تلازمها كل الحياة فهو (عيب اجتماعي) حسب الثقافة المجتمعية السائدة، على الرغم من أن القانون ساوى بين المرأة والرجل في الميراث عند لجوئها للقانون. وأضاف بأن هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير للأسف في محافظة درعا، وعامل الوعي هو العامل الأكثر أهمية لحصول المرأة على حقوقها، ولا سيما في قضايا الميراث.

هناك العديد من العائلات تُعطي البنات والأخوات حصتهنَ من الميراث بعد موت الأب، وذلك يكون سببه غالباً وعي الأبناء الذكور الديني أو الأخلاقي، وتبقى ظاهرة حرمان المرأة من ميراثها هي الأكثر وضوحاً، وقلّ ما تتوجه المرأة للمحاكم خوفاً من شبح العادات والتقاليد الاجتماعية، ولمعرفتها بطول ذلك في المحاكم وكثرة تكاليفه، فيضيع حقها بين هذا وذاك.

https://daraa24.org/?p=17009

Similar Posts