عبد المؤمن الصلخدي

بمعدل 85.6%، حصل الشاب “عبد المؤمن الصلخدي” من مدينة إنخل في الريف الشمالي من محافظة درعا، على المرتبة الأولى في كلية الآداب – قسم اللغة العربية، بجامعة دمشق العام الماضي، ليُسجل بذلك إنجازاً في مسيرته العلمية. ولِد الشاب بمرض في عينيه، وفقد بصره بالكامل في الصف الثامن، ولم يمنعه هذا من التفوق الأكاديمي وتحقيق أحلامه وأحلام عائلته.

يدرس “عبد المؤمن الصلخدي” اليوم ماجستير دراسات لغوية في جامعة دمشق، ويطمح إلى دراسة الدكتوراة أيضاً. يقضي وقتاً بالقراءة، وهي شيء مهم بالنسبة له، لأنها تعزز ثقافة الإنسان وتزيد معارفه، ليس فقط على علوم اللغة، بل يقرأ في التاريخ والجغرافيا، والفلسفة وعلم النفس، ويسعى لأن يعلم شيئا عن كل شيء، يقول: “يجب على الإنسان أن لا يحصر معرفته في أمرٍ واحدٍ أو في تخصّصٍ واحدٍ وإنّما يأخذ من كلّ علمٍ بطرفٍ”.

تحدثت شبكة درعا 24 إلى الشاب عبد المؤمن بمقابلة مطوّلة سرد خلالها قصته من الطفولة والدراسة وتجاربه إلى أن وصل إلى تفوقه. وحول قدوته أكادمياً وحياتياً، والتحديات والعقبات التي واجهته  وتواجهه، وكذلك حول تلك اللحظات الجميلة في حياته، ولا سيما التي شعر حيالها بالفخر. 

أخبرنا عن نفسك وعن حياتك وطفولتك، وعن المراحل الدراسية الأولى؟

ولدت و معي مرض يسمى بأزرق الولادي في عيني، أجريت في صغري أكثر من عمل جراحي، وأستقر وضعي الصحي حتى الصف السادس، كنت أذهب إلى المدرسة وأقرأ وأكتب وكل شيء على ما يرام. في الصف السادس فصلت الشبكية في عيني اليمين، وفقدت الرؤية فيها، وأجريت أكثر من عمل جراحي، ولكن في نهاية المطاف ضَمُر العصب البصري وفقدتُ الرؤية بكلا عيني، هذا الكلام في الصف الثامن. تقبلت الأمر بمساعدة الأهل وقبلها بالإيمان بالله عز وجل.

درست الابتدائية في مدينة إنخل في المدرسة 11 الابتدائية، كان طموحي طموحي منذ الإبتدائية أن أكون طبيباً، وهذا ما كان يتمناه والدي، ويحثني عليه، ويطلب مني الدراسة باجتهاد. في المرحلة الإعدادية، وفي التاسع كانت أول سنة أدخلها وأنا مكفوف، وكانت الدراسة صوتية، كانت أمي وأختي – جزاهم الله عني كل خير – يُعيناني في القراءة. يقرآن وأنا أحفظ. طبعاً والدي هنا هو أيضاً لا يقصر، ولكن لديه واجبات البيت وتأمين المال، فأنا كنت أرفض أن يساعدهما. جزاهم الله عني كل خير جميعاً. في الصف التاسع حافظت على المرتبة الأولى في المدرسة والمنطقة المحيطة بنا، كان في العام 2015 كان في ظل ظروف صعبة جداً، الظروف المحيطة، وزادها أني فقدت البصر.

درست العاشر والحادي عشر في مدينة إنخل، وأما البكالوريا درستها في مدرسة التفوق الخاصة في مدينة جاسم، وحققت المركز الثامن على المحافظة والأول على المدرسة والمنطقة. 

كيف كانت تجربة عبد المؤمن الصلخدي في جامعة دمشق؟

درست في جامعة دمشق في كلية الآداب – قسم اللغة العربية، أربع سنوات، وتخرجت بمعدل 85.6 الأول على القسم. وفي المرحلة الجامعية استطعت أن أستغني عن مساعدة أمي وأختي، لأن في هذه المرحلة تعلمت على برنامج الناطق، الذي استطعت أن أحصل عليه، وهو عبارة عن قارئ الشاشة، هو يقرأ لك مثلاً المبصرين ينظرون إلى الشاشة، ونحن نعتمد على السماع، مثلاً أنا أضغط على الجهة العليا من الشاشة فيقرأ على سبيل المثال ملفاتي تحت أسفل قليلاً الرسائل، يقرأ كل شيء حتى لوحة المفاتيح يقرأ الأحرف، ساعدني كثيراً.

بالنسبة للمحاضرات كان هناك أكثر من فريق من المتطوعين يسجل المحاضرات والمقررات الجامعية، وأحصل عليه بطريقة معينة وأنا أستطيع أن أستعمل الجوال فأسمع وأحفظ وأفهم وأقرأ وهذا كله مدعم بالحضور، وأنا أتلذّذ بالحضور لأن العلم ليس حفظ فقط، يستطيع الإنسان بالحضور أن يفهم طريقة التفكير وهو المهم في العلم، فهم المنهجية والتفكير، أن تستطيع أن تحلل وتناقش وتنقد وتفكر وتقدم رأيك وهذه الأمور كلها، لا تحصرها إلا من خلال قراءتك والحضور عندما تنظر كيف الأستاذ يقدم المعلومات ويناقشها ويحللها ويستخلص النتائج، خاصة في علوم الآلة كالعروض والبلاغة والنحو والصرف وما يتعلق بالقرآن الكريم والحديث الشريف.

ما الذي دفعك لاختيار دراسة اللغة العربية؟

الذي دفعني لدراسة اللغة العربية هو شغفي بالعربية وحبي لها. وبعد فقدان بصري، اتجهت للدراسة في معهد شرعي، كنت في صف العاشر والحادي عشر حينها، فأحببت اللغة العربية، أصبحت تسري في دمي، وشعرت بأهميتها، وعلوم اللغة كلها تطورت خدمةً لكتاب الله عز وجل. ولا تتوقع من شخص يريد أن يعلم الناس شيئاً من كتاب الله عز وجل وهو لا يجيد لغة العرب ولا يعرف تفاصيلها أو شيئاً عنها.

في البكالوريا احترت بين اللغة العربية والشريعة والتاريخ، وبعد تفكير وبعد أن كنت أستطيع أن أدخل أي فرع حيث حصلت على 190 درجة صافي، من الإعلام – كونه أعلى الفروع في المفاضلة الأدبية – إلى العلوم السياسية إلى الحقوق إلى كذا، بينما معدل اللغة العربية كان معدل أقل، والتاريخ أقل وأقل. ولكن هذه الثلاثة التي أحبها، بعد تفكير عميق اخترت اللغة العربية. أنا أدرس اللغة العربية بالتحديد، لأن من يملك العربية يملك الأداة لفهم القرآن الكريم والدفاع عنه، وهي تُفضي إلى التاريخ وعلوم الشريعة ومن يملكها يملك الخير الكثير.

ما هي التحديات التي واجهتها خلال دراستك الجامعية، وكيف تمكنت من التغلب عليها، وتحقيق المركز الأول في اختصاصك؟

أول تحدي كان هو الانتقال من مدينتي إلى العاصمة دمشق. بعد أن كنت بين أهلي وأصدقائي، مخدوماً في بيتنا، ولا أعتمد على نفسي اعتماداً كلياً. سكنت في المدينة الجامعية، وفقدت زملائي هؤلاء الأشخاص الذين كنت أعتمد عليهم، فاضطررت أن أعتمد على نفسي، وأن أتعرف على أشخاص جدد وأصدقاء وزملاء. فهذا كان أول تحدي، هو الشعور بهذا الانتقال من المدينة بين الأهل والزملاء والإخوان، والانتقال إلى العاصمة.

كان عليّ أيضاً أن أتقبل أنّي مكفوف أكثر وأكثر، حيث بعد فقد الأصدقاء والزملاء السابقين، اضطررت أن أستعمل العصا، التي كنت أستحي أن أحملها بيدي ولكن اعتدت على هذا. العصا أصبحت الآن بمثابة الروح منّي، هي صديقي الصدوق. أخرج وآتي وأذهب ولا أستحي منها، بالعكس أمسكها بفخر، فخر وإيمان بقضاء الله وقدره. 

أيضاً عندما خرجت إلى الجامعة لم أكن أملك الإمكانيات للدراسة. أنا في المرحلة الإعدادية والثانوية، كانت أمي وأختي تقرآن لي، أما في هذه المرحلة هما في المنزل وأحتاج أن أقرأ وأتابع المحاضرات وما يُعطى في الجامعة. فهنا، الحمد لله حصلت على برنامج الناطق، قارئ الشاشة، واستطعت أن أستعمل الجوال وأقرأه. طبعاً أنا لم أعتد على الناطق فوراً، بقيت مدة شهرين أستكشف به حتى اعتدت عليه واستطعت أن أستعمله بشكل جيد وأن يعينني في الدراسة.

كنت اتجاوز التحديات من خلال حبي للعلم، أذكر أحياناً كنت أفكر كيف سأخرج غداً إلى الجامعة، كيف سأذهب! وعندما تصبح الساعة السابعة ونصف صباحاً خوفي من أن افقد المحاضرة أخرج سريعاً، والحمد لله كنت أصل. ما كان يخلو الأمر من أن أضرب حائطاً أو عاموداً. كانت مرحلة صعبة، والحمد لله استطعت أن أن أتخلص من هذه الأمور. وأيضا لا أنسى دور عائلتي، دورهم في التغلب واجتياز هذه العقبات. والدي كان دائماً يحثني على طلب العلم ويحثني على الجد والاجتهاد، وأيضاً عائلتي عموماً وأصدقائي كان لهم دور كبير.

 كيف تسير الأمور بالنسبة لدراسة الماجستير، وما هي المواضيع التي تنوي التعمق فيها خلال دراستك، وما هي طموحاتك بعد إتمام درجة الماجستير؟

أولاً، بعد أن تخرجت في الكلية، قدمت إلى امتحان اللغة الإنجليزية وللامتحان المعياري، ومنّ الله عليّ بالنجاح في الامتحانين. ثم دخلت إلى مرحلة الماجستير، وبدأنا بالدوام والأمور جيدة. هناك بعض الصعوبات ولكن إن شاء الله لن تكون عائقاً. هناك بعض المواد التي لم نكن في الكلية نتوسع بها كثيراً، طبعاً هذا أمر ليس بيدنا، هذا أمر يرجع إلى الدكاترة والمناهج التي يضعونها. 

والأمر الآخر بالنسبة للصعوبات مما تتعلق بي، مثلاً بعض منها لم أتقن ما يتقنه الأشخاص المكفوفين منذ الصغر. مثلاً، أنا لم أدرس في مدرسة المكفوفين، يعني بعد أن فقدت بصري لم ألتحق بها، والتحاقي بها كان سيهوّن الأمر كثيراً، حيث سأرى فيها أشخاص مكفوفين، سأتعلم فيها ربما طريقة البرايل، وهذه طريقة اللمس هي عبارة عن رموز وإشارات معينة، مثلاً ثلاث نقاط فوقية، هذا حرف الألف، وعندما يضع المكفوف أصبعه على الورقة تكون الورقة مثقبة بهذه الرموز، أشكال معينة كل شكل يدل على حرف، ويستطيع قراءة هذه الأحرف وقراءة الجمل، ولكن أنا لم أدخل في حياة المكفوفين إلا بعد دخولي الجامعة، إلا في السنة الأولى في الجامعة. 

بعد أن اجتزت امتحان الإنجليزي والمعياري، كنت أرغب بالتسجيل في الماجستير النقد والبلاغة، ولكن هذا القسم معلق، الكلية قد اكتفت من الطلاب في هذا القسم، فبقي قسم الادبيات وقسم اللغويات. أنا سجلت في قسم اللغويات، أنا الآن أدرس في ماجستير دراسات لغوية.

الأمور التي أرغب أن أتعمق بها، علوم العربية علوم كثيرة وهي علوم مترابطة. ولكن العلوم التي أرغب أن أدرسها بتعمّق، هي علم البلاغة وعلوم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والنحو والصرف. وقد بدأ مؤخراً يستهويني فقه اللغة، وهو يتحدث عن المخارج، الحروف، وصفاتها واللهجات.

بعد مرحلة الماجستير أرغب بالتقدم إلى امتحان اللغة الإنجليزية لنيل درجة الدكتوراه، – إن أتم الله عليّ واستطعت أن أجتاز مرحلة الماجستير -. أنا قلت أنني عندما فقدت بصري في الصف الثامن، أن والدي كان دائماً يرغب أن أصبح طبيباً، دكتور. ووالدي رجل محب للعلم، فإن شاء الله بعد أن فقدت بصري تماماً، وربما بدا هذا الأمر صعب المنال، إن شاء الله أن يكون هذا الطريق الذي سلكته فيه العوض عن الطب. فكلمة الدكتور التي فقدتها من طريق الطب قد فتح الله عز وجل لي طريقاً آخر لأحصل عليها إن شاء الله، وأنا سأكمل هذا الطريق إلى النهاية حتى أحصل على هذه الدرجة العلمية.

 كما أن جدي وهو خريج جامعي، وأعمامي وعماتي وهم 11 مع والدي، ولكن منهم من درس في كلية الهندسة، ومنهم من درس في التربية وفي الآداب وكذا وكلية العلوم. هم أساتذة بين المهندس والأستاذ، فلا يوجد منهم أي أحد دخل في كليات الطب، فكان أيضاً جدي يتمنى لو أن أحد أبنائه درس في كلية الطب، فأيضاً والدي بدوره كان دائماً يرغب بهذا. 

من هم الأشخاص الذين كان لهم تأثير كبير على مسيرة عبد المؤمن الصلخدي التعليمية؟ ومن هو قدوتك في الحياة أو في المجال الأكاديمي؟ ولماذا؟

أولهم والدي ووالدتي. أنا لولا والديّ لم أستطع أن أصل إلى هذه المرحلة بعد الفضل لله عز وجل. في فترة مرضي والعمليات الجراحية، لم يقصر والدي، لا مادياً ولا معنوياً، في الخروج إلى المشافي والأطباء. وفي الفترة الأخرى من الصف السادس إلى الصف الثامن منذ العام 2011 – 2014.وأمي الحنون كانت دائماً لا تقصر في تعليمي، تقرأ لي بالرغم من انشغالها، وما يترتب عليها الكثير من أعمال المنزل ومسؤوليات أخوتي الآخرين. بالرغم من هذا كله، كانت لا تكسر بخاطري ولا تشعرني بتعبها.

طبعاً القدوة الأولى في هذه الحياة هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الصحابة رضوان الله عليهم. ثم الإمام الشافعي، قرأت سيرته ودعوت الله أن أصل إلى جزء من ما وصل إليه في الأمة. ومن الشعراء وأهل اللغة، هناك كثير من علماء اللغة الذين أعتبرهم قدوة لي، مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي والمتنبي. دائماً كنت استحضر قول المتنبي: 

“على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الكرام المكارم، وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم”.

  وقوله: “إِذَا غَامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومٍ فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ، فَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ حَقيرٍ كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عظيم”.

 وقبل هذا قوله صلى الله عليه وسلم، وهو قدوتنا الأولى، قبل أن نستحضر هذه الأشعار في علو الهمة والجد والاجتهاد، قوله: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكرَهُ سِفْسَافَهَا”

في الحياة الأكاديمية يوجد أساتذتي هنا في الجامعة، أساتذتي هم القدوة. مثل الدكتور إبراهيم عبد الله، الدكتور محمد قاسم، الدكتور أيمن الشوى، وكثير من الأسماء.

كيف كانت ردود فعل عائلتك وأصدقائك على إنجازاتك الأكاديمية؟ هل يمكنك أن تشاركنا لحظة شعرت فيها بفخر كبير خلال رحلتك التعليمية؟ 

 عندما دخلت إلى الجامعة في عام 2020، متحمساً لتعلم العربية. لم يكن يجل في خاطري أن أسعى إلى المرتبة الأولى بقدر ما كان يهمني أن أحصل على أكبر قدر من العلم والمعرفة. وكانت هذه النتائج تلفت إلي الأنظار، فبدأت أسمع عبارات أنه ربما أنت الأول أو أن يكون لك ترتيب من الثلاث الأوائل. وعند التخرج كان هناك مادة قدمتها، ولكن بعد أن خرجت النتيجة قد ظلمت فيها، فأيضاً توقعت أن ربما لا يكون لي ترتيب، لا أكون من الطلاب الأوائل، ولكن، الحمد لله، عندما ذهبت إلى الامتحان، ونزلت قائمة الخريجين، لم ينزل اسمي، فارتعبت، خشيت أن يكون هناك خطأ تقني، وذهبت هذه المادة ويجب علي أن أعيدها في العام المقبل. فخرجت إلى الجامعة، كنت في المنزل، ففي اليوم الذي بعده خرجت من المنزل إلى الجامعة، وعندما سألت، ذهبت إلى قسم الامتحانات وسألت، فأخبرتني الموظفة أن اسمي لم ينزل خطأً. وأنّي الخريج الأول. 

كانت لحظة جميلة جداً جداً جداً، لا أستطيع أن أصفها، كانت لحظة رائعة تفوق الوصف. وكانت ردود عائلتي هي الفرحة، التي ليس لها مثيل. لم أرَ والدي وأهلي يعيشون هذا الفرح والسرور كما رأيتهم في ذلك الوقت. نعم، فرحة كبيرة وسرور ليس كمثله سرور. وأصدقائي أيضاً قد فرحوا لي وسروا كثيراً بهذا الإنجاز، وحتى أن بعضهم صار يناديني بالدكتور.

يوجد موقف شعرت فيه بفخر ليس كمثيله، في السنة الأولى في الفصل الثاني، فقد كان لدينا امتحاناً شفهياً في المركز التقاني أو مركز المعلوماتية للمكفوفين. هذا مركزه عبارة عن غرفة للانتظار وقاعة كبيرة، يأتي الطلاب المكفوفون ومن كل الأقسام للامتحان فيها. ويأتي الدكتور حسب البرنامج الامتحاني، وبورقة الامتحان نفسها التي يقدم بها الطلاب المبصرون. لا يوجد لنا أسئلة خاصة أو شيء. وهذا الأمر أصعب. أنت عندما تكتب لوحدك تأخذ وقتك لتفكر ولست أمام الأستاذ الذي يدرسك، أمر مربك، عندما تكون أمام الدكتور أمر فيه توتر، وهو فوراً يريد الإجابة. في إحدى المواد كنت وحدي في هذه المادة، فجاء الدكتور وقال كم طالب لدينا؟ قالوا له طالب واحد، هذا عبد المؤمن، وأنا أحضر عندهم يعرفوني فقال لهم الآن نزلت أنا من أجل طالب واحد، هو دكتور كبير في السن عمره زاد على السبعين، ثم ابتسم. فأنا هنا شعرت بالتوتر. أنا واثق من دراستي وأن الدكتور كان يقول هذا يقوله ملاطفة، التمس له العذر، والذي زاد الطينة بالله أن الأسئلة تأخرت، فأخذ الدكتور يحدثني عندما رأى توتري. ثم جاءت الأسئلة، وبدأوا يسألوني وأجيب، وكانت المادة مؤتمتة، وعندما أنهيت الأسئلة، والتوتر كله ذهب. قال لي ألا تريد أن تعلم ما هي النتيجة؟ قلت له كم؟ قال لي ثمانية وتسعون ثمانية وتسعون، وقال لي أحسنت، كانت لحظة جميلة.

وعند بدء الدوام في الفصل الأول من السنة الثانية وفي المحاضرة الأولى قال أباركتم وهنأتم صديقكم عبد المؤمن أمام الطلاب جميعاً فقد حصل عندي 98 في الامتحان، وهنا كان اسمي لم ينزل في النتائج، ورآني الدكتور بعدها وقال لي لماذا لم تنزل علامتك، وأمسك بيدي وأخذني إلى قسم الامتحانات، وقال لهم هذا الطالب حصل عندي بـ 98 درجة، لماذا لم تنزل علامته، ودخلنا إلى رئيسة قسم الامتحانات، وكان الأمر عبارة بس عن خطأ أن العلامة موجودة ولكن فقط لم تنزل على القائمة، فصححوا الخطأ.

وكان يوجد جزء ثاني لهذه المادة في هذا الفصل فصل الأول من السنة الثانية، وأيضا درست وحضرت عند الدكتور، وجاء وقت الامتحان، نفس الأمر، بعد الامتحان قام الدكتور وقال باركوا لعبد المؤمن فإنه قد حصل على العلامة التامة حصل على مئة في هذه المادة، في حياة الجامعية حصلت مرتين على درجة المئة، بينما في التسعينات علامات كثيرة جداً.

هل توفر الجامعة الدعم الكافي للطلاب ممن لديهم أوضاع خاصة، وماذا عن الجمعيات هل تم أو يتم مساعدتك منها خلال رحلتك التعليمية؟ وماذا عن المجتمع بشكل عام، هل يقدم الدعم للناجحين والمميزين من أمثالك؟ 

بالنسبة للطلاب المكفوفين، توفر الجامعة لهم مركز المعلوماتية للمكفوفين، وهذا المركز مزود بحواسيب ويوجد فيه موظفون وانترنت، ومهمته أن يساعد الطلاب المكفوفين في توفير المقررات الجامعية، وتجري فيه العملية الامتحانية، ويساعد الطلاب المكفوفين الموظفون الموجودون في الداخل، وهم أيضاً مكفوفون، ويوجد فيه طابعة برايل أيضاً لطباعة المحاضرات، من أجل أن يستعملها الطلاب المكفوفين ويوفرون أيضاً المحاضرات الصوتية، بالإضافة أن تيسيير المعاملات كإخراج بيان وضع أو حياة جامعية. والتعامل جيد، وتعامل الموظفين جيد في أكثر الأوقات.

أنا أعتب على الجامعة في تخرجي، فأنا لم أرَ مثلاً تكريم من عميد الكلية أو رئاسة القسم كوني أنني طالب مكفوف وحصل على هذه المرتبة أما في الأمور الأخرى الإنسان يجب أن يكون منصفاً تقدم هذه الأشياء.

بالنسبة للنقطة الثانية، الجمعيات، حقيقة لا أنا لم أتلقَ أي دعم. أذكر في السنة الأولى سجلت في جمعية المكفوفين في دمشق، ربما أخذت مرتان أو ثلاث مرات في عام 2020 مبلغ زهيد كان 5 ألاف ليرة في ذلك الوقت، وبعدها انقطعت عن الجمعية ولم أخذ شيء حتى السنة الرابعة، أخبروني في الجمعية أن هناك كفيل يقدم لي 100 ألف في كل شهر، هذا كل ما تلقيته من دعم الجمعية، فوراً أحول فيها رصيد للجوال باقة نت. 

 بالنسبة للجمعية، هم يقولون أنه لا يوجد إمكانيات، هي جمعية رعاية المكفوفين في دمشق، وأنا سجلت فيها بناء على أني أسكن في المدينة الجامعية، ويعتبروني من سكان دمشق. أما بالنسبة لدرعا، فإن كان هناك جمعية للمكفوفين أو لم يكن لا أدري. 

كرمت في المحافظة بعد أن نشرت العديد من الصفحات حصولي على المرتبة الأولى، وفي النقابة كون والدي مهندس. بالإضافة إلى من جاء يهنئنا، بالنسبة للمجتمع كان هناك تفاعل كبير وكانت الناس فرحة أنا صراحة فرحت كثيراً ووالدي أيضاً.

أنا درست لنفسي ولوالدي وبما أملاه علي ضميري، وامتثالاً لقول رسول الله: من عمل عملاً فليتقنه. فأنا لا أنتظر شيء من أحد، إن أجري إلا على الله، الحمد لله.

حاليا وبعد أن تخرجت لا أذكر أحداً قدم لي شيء وقال مثلا تعال أنا سأعينك في الماجستير أو أقدم لك مثلاً مبلغاً معيناً أو حاسوباً. وأنا اشتريت لابتوب. وجزى الله عني كل من ساهم وفرح وقدم ولو شيء ولو كلمة واحدة من شخص سواء كانت في مواقع التواصل أو بالحضور إلى البيت والتهنئة، وهذه عندي بأموال الدنيا كلها وفرحة والدي.

الشاب عبد المؤمن الصلخدي في مقابلة مع شبكة درعا 24

كيف ترى تأثير تجربتك على نظرتك للحياة والناس من حولك؟ وما هي النصيحة التي تقدمها للطلاب الذين يواجهون تحديات مشابهة؟

بعد هذه التجربة في الجامعة وبعد أن توسعت مداركي وزادت معارفي واطلاعاتي، أصبحت نظرتي للحياة أكثر جدية والتزام وشعور بالمسؤولية تجاه نفسي وأمتي ولغتي ومجتمعي وديني.  

وأود أن أوجه نصيحة للأهل، إذا أصيب أحد في عائلتهم بالعمى، ليس فقط أن عليهم أن يأخذوا بيده ويشجعوه ويعتنوا به، ولكن في الوقت نفسه يجب عليهم أن لا يُفرطوا في ذلك، ويدعوا مساحة صغيرة له، يعتمد فيها هذا الشخص على نفسه، لماذا؟ لأنه أولاً وآخراً سيواجه هذه الحياة، سيخرج من المنزل فأنا عندما خرجت من المنزل ربما لم أكن معتاداً على الخروج لوحدي، فكان الأمر صعباً. لذلك أتوجه لهم بهذه النصيحة. 

الأمر الآخر الشخص نفسه، أقول له: كن واثقا بالله ومؤمنا بقضائه وقدره، وأعلم أن الله لا يأخذ من أحد شيئاً، إلا يعوضه بأحسن، فالله ما أخذ منك هذا إلا ليعوضك بأحسن، إن أنت صبرت واحتسبت وتوكلت عليه. 

كيف تقضي وقت فراغك وما هي هواياتك؟

 أحب أن أقضي وقت فراغي بالقراءة، وهي شيء مهم، تعزز ثقافة الإنسان وتزيد معارفه وإطلاعه ليس فقط على علوم اللغة والشريعة ولكن أيضا بالنسبة للعلوم الأخرى، أقرأ في التاريخ والجغرافيا، وأحيانا بعض المعلومات في الفلسفة وعلم النفس. كما يقال أن تعلم شيئا عن كل شيء، خير من أن تعلم كل شيء عن شيء واحد. يجب على الإنسان أن لا يحصر معرفته في أمر واحد أو في تخصص واحد وإنما يأخذ من كل علم بطرف. 

أقضي وقتاً مع العائلة ومع الأصدقاء، اطمئن عليهم، كوني أقضي فترات طويلة هنا في دمشق ربما أنزل كل شهر مرة أو كل شهرين. ممكن أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي، الإنسان يجب أن لا ينفصل عن واقعه وعمّا يجري من حوله من مشاهدة الأخبار والتلفاز وهذه الأمور. 

هل لديك أشياء أخرى ترغب بالحديث عنها أو إضافتها؟

الأمر الأخير الذي أود أن أنوه عليه هو واقع ذوي الاحتياجات في الجنوب السوري، وفي درعا خصوصاً، لا يوجد شيء يقدم لذوي الاحتياجات ولا سيما ذوي الإعاقة البصرية.

 على سبيل المثال لا يوجد تنسيق في مديرية التربية لإنشاء مدرسة للمكفوفين، يكون فيها سكن داخلي  على غرار المدرسة الموجودة في دمشق وفي حلب. يجب أن يتم إنشاء مدرسة على غرار هذه المدارس في المحافظات الجنوبية. وأن يتم تزويدها بالتقنيات اللازمة لكي يستعين بها المكفوف على حياته وتسيير أموره كدراسته وتعلم الابرايل والناطق والكثير من الأمور. 

أرجو أن يتحسن هذا الواقع وأن تتوفر هذه الإمكانيات في الجنوب السوري وفي محافظة درعا، طبعاً ليس فقط للمكفوفين بل لجميع ذوي الاحتياجات أن تكون هناك مراكز مدارس تُعنى بذوي الاحتياجات وتقدم لهم كل ما يلزم، وأن يتولى هذه المراكز أو المدارس أو الجمعيات.

الرابط: https://daraa24.org/?p=41916

Similar Posts