قصة امرأة واجهت الحياة والمجتمع في ريف محافظة درعا الشرقي، وحققت أهدافها رغم معارضة من حولها
يحتفل العالم في 8 مارس/ آذار من كل عام باليوم العالمي للمرأة، تقديراً لها على جهودها وتضحياتها وتسليط الضوء على إنجازاتها، وبمناسبة هذا اليوم التقت درعا 24 مع إحدى السيدات من محافظة درعا للتعرف على قصتها وانجازاتها خلال سنوات الحرب الطويلة وكسرها للصورة النمطية عن النساء، وضعف قدرتهن على تجاوز الصعوبات وحدهن.
في بيت متواضع في احدى قرى ريف درعا الشرقي التقت مراسلة درعا 24 مع السيدة رحاب 50 عاماً وهي أم لثمانية أطفال، وإحدى السيدات اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب، كانت وما زالت تحارب لأجل أطفالها في ظل حرب أثقلت عاتقها وأجبرتها على التعايش مع واقع جديد، فُرض عليها.
إقرأ أيضاً: المرأة السورية تحديات وصعوبات .. وإرادة لا تُكسر
قالت رحاب: “بعد فقدي لزوجي أصبحت الأب والأم لأطفال أكبرهم 11عاماً، وأصغرهم يبلغ الشهرين من عمره آنذاك، وقد استطعتُ القيام بأمور لم أكن أعرف أني قادرة على فعلها”.
أضافت “بأن زوجي كان يعمل على سيارة لنقل البضائع بين المحافظات، وقد انقطع عن عمله في بداية المظاهرات وتصاعد الأحداث، ولكنه وتحت ضغط الحياة المعيشية وكون عمله على السيارة هو العائد الوحيد لنا، اضطر لمعاودة العمل رغم خوفه من الحواجز التي انتشرت وقتها في كافة المناطق”.
انتظرت رحاب زوجها في ذلك اليوم ولكنه لم يعد، حاولت التواصل معه دون جدوى، تقول: “بعد ليلة طويلة لا أعرف كيف مرت، ولا أعرف من أين أبدأ بالسؤال عن زوجي، توجهت لأخيه الأكبر ليسأل عنه في المستشفيات والأفرع الأمنية وبعد بحث امتد لأشهر، واستغلالنا من قبل السماسرة والمحامين، عرفنا انَّ زوجي في سجن صيدنايا، ولكن لم نعرف تهتمه، محاولات عدة وتوكيل محامين ودفع مبالغ طائلة لإطلاق سراحه على مدار عام كامل لكن كلها باءت بالفشل، حتى فقدت الأمل من عودته، في ظل ما كنت أسمع بما يحدث في هذا السجن”.
من جانب آخر، أخذت تنظر لأولادها دون أن تعرف كيف ستكمل هذه الحياة مع غياب المعيل الوحيد ولا يوجد لدي أي مصدر دخل بهم غيره: “مع تصاعد وتيرة الأحداث أصبح من الصعب مساعدة الناس لبعضها البعض، فكان اهلي يساعدونني ببعض الاحتياجات الأساسية، لكن الأطفال بدأت تكبر وتزداد احتياجاتهم يوم بعد يوم” .
إقرأ أيضاً: العنف ضد المرأة: المجتمع يهاجمها والقانون لا يحميها
قررت رحاب الاعتماد على نفسها والبدء بمشروع تُعيل من خلاله أولادها، فالتحقت بأحد دورات الخياطة التي أقامتها أحد المنظمات في بلدتها، خاصةً وأن لديها بعض الخبرة فيها: “كانت علمتني أمي مبادئ الخياطة عندما كنت صغيرة”.
بعدها بدأت مشروعها الخاص حيث أقامت مشغل للخياطة في منزلها مع إحدى الفتيات، وتوسّع المشروع ليشمل العديد من السيدات المعيلات لعوائلهن. تشرح رحاب للمراسلة: ” لا أستطيع أن أصف لكِ فرحتي برؤية مشروعي يتوسع والبدء بتحقيق الأرباح منه، وقدرتي على تلبية احتياجات أُسرتي”.
تُضيف السيدة رحاب : “بعد أن حققت هدفي من المشروع، وتحسَّن وضعي المادي، قررت أن أحقق حلمي بإكمال دراستي التي حُرمت منها بسبب زواجي المبكر، لا أنكر اني تلقيت الكثير من الانتقادات والرفض حول خطوتي هذه في البداية، وأن الدراسة (على كبر ما بتفيد، الأفضل أن تعتني بأولادك وعندك شغل خاص شو بدك أكثر من هيك) لكني لم أهتم لتلك الانتقادات وكانت أول خطوة هو التحضير للشهادة الثانوية (البكالوريا)، وكانت هي الخطوة الأصعب كوني منقطعة عن الدراسة لوقت طويل وهناك تغيرات كبيرة في المنهاج، ولكن وبمساعدة الدروس الخصوصية استطعت تجاوز الأمر”.
بعد عام من التعب، ومع اقتراب النتائج، استطاعت رحاب النجاح في الشهادة الثانوية: “لا أخفي أنّي لم أستطع النوم في تلك الفترة، وما زاد توتري أكثر -ربما- سؤال الناس الدائم، وخوفي من كلام الناس إذا رسبت، وبعد صدور النتائج لم تسعني الفرحة بنجاحي وحصادي لثمرة تعبي”.
إقرأ أيضاً: نساء في محافظة درعا، يؤسسن مشاريع صغيرة لإعالة أسرهن
قررت رحاب الاستمرار ودخول الجامعة وعلى الرغم من معارضة محيطها لذلك الأمر “الشهادة الثانوية بتكفي كما قالوا وطلاب الجامعات صغار، وأنتِ كبيرة، وكيف رح توازني بين حياتك وعيلتك، وبين دراستك، ويلي درسوا شو طلع منهم…”.
إلا أنها كانت مصرّة على المضي وإكمال دراستها في الجامعة، فاختارت فرعاً أدبياً لا يحتاج للدوام الإلزامي، فكانت تُدرس في المنزل وتذهب للجامعة وقت الامتحانات فقط.
تختم رحاب حديثها: “مرت الأربع سنوات وتخرجت من الجامعة بتقدير جيد، وحققت حلمي الثاني، واليوم وبعد 13 عاماً من الحرب، واختفاء زوجي، أعيش انا وأبنائي، أكبرهم 24 عاماً، وأصغرهم 13 عاماً في بيتي نفسه، لكن بظروف أفضل، سنوات لم تكن سهلة واجهت خلالها كل أنواع الصعوبات من الفقد إلى الفقر والحاجة، والانتقاد المستمر من المجتمع المحيط، لكن النتائج الإيجابية تخفف من آثار تلك الصعوبات”.
إقرأ أيضاً: بداعي “الشرف” مقتل سيدة في ريف درعا الغربي
الرابط: https://daraa24.org/?p=38406