اللواء محمد حسين الحاج علي
اللواء محمد حسين الحاج علي

التقتْ شبكة درعا 24 اللواء “محمد الحاج علي” الّذي يُعدّ من أبرز الرتب العسكرية التي انشقت عن النظام في سوريا منذ العام 2012. ينحدر من بلدة خربة غزالة في ريف محافظة درعا، من مواليد عام 1954. درس الابتدائية في بلدته والإعدادية والثانوية في مدينة درعا، ثم تطوع في الكلية الحربية، وتخرج منها برتبة ملازم اختصاص مشاة، حيث تم تعيينه في الكلية الحربية مدرباً للطلاب الضباط. 

اتبع بعدها عدّة دورات، من أبرزها دورة رئيس فرع توجيه سياسي لمدة عام في موسكو ما بين عامي 1984 و1985. وتنقل من موقعٍ لآخر، إلى أن ساهم في العام 2000 بإنشاء كلية الدفاع الوطني، وكان مدرباً فيها حتى عام 2005، والتي يصف مهمتها بأنها: “إعداد رجال الدولة ممن يتولون المناصب العليا، من عسكريين مدنيين. ومدة الدراسة فيها عام كامل، والدارسين فيها من كبار الضباط ومدراء عامين في وزارات الدولة”. وفي العام 2005 تسلّم قيادة اللواء 87 ميكانيكي حتى عام 2008، حيث عُيّن مديراً لكلية الدفاع الوطني، وبقي مديرها حتى تاريخ انشقاقه عن الجيش بتاريخ 2-8 -2012.

تحدثنا معه في هذه المقابلة حول قرار انشقاقه وجهوده التي بذلها بعد ذلك والتجارب التي حاول العمل عليها. كما أوضح وجهة نظره حول التدخلات الخارجية ودور القوى الإقليمية والحلّ في سوريا، وكذلك حول الأوضاع الأمنية في محافظة درعا، ودور الفصائل المحلية في المحافظة والخيارات المتاحة بين يديها. 

1- اتخذت قرار الانشقاق مبكراً، وتعتبر أبرز رتبة عسكرية انشقت عن النظام في سوريا، ما الذي دفعك لاتخاذ قرار الانشقاق؟ هل كان هناك لحظة أو موقف معين جعلك تتخذ هذا القرار؟ وكيف أثرت تجربة الانشقاق عليك شخصيًا؟  

لقد تابعت إجرام النظام بحق أهلنا وشعبنا عن كثب منذ اليوم الأول للثورة، وأنا على رأس عملي، وبالصدفة كنت في درعا حين انطلقت الثورة في درعا يوم الجمعة 18 آذار، وكنت أتوقع أن يقوم النظام بتغيير سياسته ويستجيب لإرادة الشعب السوري بالتغيير، وكنت اتابع الاخبار والجرائم في مختلف المناطق السورية حتى وصلت الى مرحلة عدم المقدرة على النوم نهائيا، وبعد صياغة الدستور الجديد وإقراره لم أجد فيه أي تغيير عما سبقه أيقنت أن هذا النظام ماضٍ في سياسة القمع والإرهاب وحاولت الانشقاق في شهر اذار 2012 لكن لم أعرف إلى أين سأذهب، وبعد تفجير خلية الأزمة التي كانت تضبط عمليات القتل والإجرام بنسبة ما، بدأ النظام باستخدام الطيران والمدفعية والدبابات بقصف المدنيين الثائرين عليه، عندها قررت الانشقاق والذهاب إلى الأردن ولم يكن هذا القرار سهلا علي، وقد تم تأمين انشقاقي من قبل ثوار خربة غزالة وعلما بالتنسيق من قبل اقربائي. وصلت الأردن في الثاني من الشهر الثامن 2012 وتم استقبالي وعائلتي بكل حفاوة وتكريم من قبل الأردن.

2- دخل اللواء محمد الحاج علي العديد من المحاولات لتوحيد الجيش الحر، هل كان هناك نجاح تم تحقيقه وهل تعتقد أن فشل محاولات التوحيد كان بسبب عوامل خارجية، أم بسبب الانقسامات الداخلية بين الفصائل أم كان هناك عوائق منعت من استمرارها وتحقيق أهدافها؟

بعد انشقاقي عن الجيش حاولت أن أقوم بتنظيم العمل العسكري للثوار في الجنوب، وطرحت على المجلس الوطني فكرة تشكيل الجيش الوطني واجتمعنا عدة اجتماعات من أجل ذلك، وتم الإعلان عن تشكيل الجيش الوطني من مخيم الضباط في تركيا بحضور 300 ضابط بحيث يكون جيش منظم وبقيادة الضباط المنشقين، الأمر الذي أثار غضب العديد من الدول وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة.

وتم الإيعاز لدول المنطقة بمحاربة هذا الجيش وعدم السماح له بالتكوين، ولست هنا للحديث عن اعتراض العديد من السوريين على هذا الجيش وعلى رأسهم الإخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية الأخرى، وكذلك قادة الفصائل الذين حاربوا تشكيل الجيش بشدة لأنه لا يتوافق مع مصالحهم ومكاسبهم، قد يكون للتأخر في الانشقاق أثر في ذلك لأن الفصائل قد تكونت والدول والأشخاص الداعمين ماديا قد تكونوا قبل أن أنشق، وقد تواصلت مع العديد من الداعمين لتوحيد الدعم المادي دون جدوى لأن توحيد الدعم يوحد الفصائل ويساعد في خضوعهم لقيادة واحدة، لكن هذا ما جرى لا يريدون ذلك وكان يعتقد كل داعم أن هذا الفصيل الذي يدعمه سيكون رافعة له عند عودته، ولي في ذلك معاناة كثيرة لست بوارد الحديث عنها.

لم أيأس من محاربة الدول لتأسيس هذا الجيش وحاولت كثيرا وخاصة في الشمال السوري، أن أساعد في تنظيم العمل العسكري وإنشاء ولو قوة عسكرية صغيرة، وبالتعاون مع المرحوم رائد الفضاء اللواء محمد فارس رحمه الله، لكن للأسف من وعدنا بالدعم المادي (رجال أعمال سوريين) انسحب من وعده.

وهناك العديد من المحاولات والتشكيلات التي عملت عليها وعملت معها إلا ان الجميع كانوا يربطون الاشتراك بالعمل بوجود المال الذي لم نستطع أن نؤمنه من أي جهة كانت سورية أو أجنبية، وبقيت أسعى رغم كل الإحباطات حتى منعتني تركيا من دخول أراضيها نهاية عام 2016، وكنت قد مُنعت من دخول الأردن منذ نهاية عام 2012 أيضاً، وأصبحت لا أستطيع التواصل مع زملائي الضباط إلا عبر وسائط التواصل.

بعد ذلك حاولت العمل بالمجال السياسي لتوحيد العمل السياسي وتشكيل رافعة وطنية لتوحيد جهود السياسيين، لكن للأسف أقولها بصراحة أن السوريين لا يستطيعون العمل مع بعض بشكل منظم وموحد رغم كل الويلات التي نمر بها، وهناك الكثير الكثير من الحديث عن ذلك، لا تسعفني هذه المقابلة في كتابة الكثير فيها، وهذا مرور سريع على الجهد المبذول في الثورة السورية العظيمة من قبلي.

3- بالنسبة للوضع الحالي في درعا بعد تسوية 2018، ما الأسباب برأي اللواء محمد الحاج علي وراء الانفلات الأمني المستمر؟ وهل يمكن أن يكون هناك تهدئة في الجنوب السوري في ظل الانفلات الأمني وانتشار عمليات القتل والاغتيالات اليومية؟ 

من الصعب الإجابة على هذا السؤال، كوني بعيد عن هذه الأحداث بالرغم من معرفتي بما يحصل من عمليات قتل واغتيال ومواجهات بين قوات النظام وما تبقى من الثوار، وباعتقادي أن السبب في هذه الجرائم مجموعة من العوامل أهمها:

 – سلوكيات أجهزة النظام الأمنية باغتيال من لا يزالون يشكلون خطرا على النظام في المنطقة وتعدي هذه الأجهزة على سكان المنطقة والإساءة لهم.

 – هناك إساءات كثيرة حصلت وتحصل لأخلاقيات المواطنين وقيمهم وعاداتهم والتعدي عليها مما يخلق ثارات بين المواطنين. 

– الانفلات الأمني وغياب السلطة والقانون وعدم مقدرة المظلومين الحصول على حقوقهم.

– الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنين والفقر الشديد للبعض.

4- كيف تنظر إلى الدور الذي تلعبه الفصائل المحلية التي خضعت للتسوية والمصالحة في منتصف 2018، كيف ترى دورها اليوم في الجنوب السوري، ولا سيما اللواء الثامن واللجان المركزية؟ هل تعتقد أنها قادرة على لعب دور إيجابي في إعادة الاستقرار ضمن وضعها الحالي؟ 

إن الفصائل المحلية في الجنوب السوري في عام 2018 كانت أمام خيارين الأول التسوية والبقاء في مناطقهم والأخر هو التهجير، وأنا أرى أن التسوية أفضل من التهجير.

 أما بخصوص دورها في الجنوب فهو مقيد ولا تستطيع لعب دور أكبر مما تم الاتفاق عليه أثناء التسوية، لكن من وجهة نظري وجودها أفضل من وجود النظام، على الأقل هم أبناء المنطقة ويعرفون قيمها وعاداتها، لا يمكن أن نطلب من هذه القوات أكثر من إمكانياتها أو خارج ما تم التوافق عليه مع الجانب الروسي والنظام، لأنها مرتبطة أو مربطة باتفاقيات.

إقرأ أيضاً: الشيخ عصمت العبسي رئيس دار العدل السابق ورئيس مجلس محافظة درعا الحالي في مقابلة خاصة مع شبكة درعا 24

5- كيف ترى تأثير التدخلات الخارجية على الوضع في درعا بشكل خاص وسوريا بشكل عام؟ سواء إذا تحدثنا عن إيران، روسيا، أو الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا؟ أو الأردن وعلاقتها مع الفصائل المحلية وخاصة في عمليات اغتيال المتعاملين في المخدرات وخاصة في الريف الغربي.

التأثيرات والتدخلات الخارجية كبيرة جدا، وأصبحت كامل سورية تقع تحت التأثيرات والتدخلات الخارجية، وعلى وجه الخصوص إيران وأذرعها وما تقوم به من إفساد المجتمع وموجة التشيع وشراء الذمم وتجارة المخدرات. أما الدور الروسي فهو أكثر إيجابية وأقل إساءة لكنها أكثر سيطرة من الناحية الرسمية وهذا لا ينطبق على الجنوب فقط بل يشمل كامل الأراضي السورية. أما الأردن بعد أن أعادت علاقاتها مع النظام أوقفت مساعدة فصائل الجنوب وأبقت على تعاونها مع البعض لمحاربة تهريب المخدرات عبر أراضيها والإخبار عن العاملين في هذا المجال واغتيال البعض منهم بتوجيه منها. 

أما تركيا فقد سيطرت سيطرة كاملة على فصائل الشمال السوري، وأصبحوا في خدمة السياسة التركية، كما قامت تركيا بربط كل المؤسسات المدنية والخدمية بالولايات التركية المقابلة لكل منطقة في الشمال السوري، وما يسمى بالمناطق المحررة فهي محررة من النظام ومحتلة من تركيا.

أما الولايات المتحدة فهي تسيطر وتدعم قوات قسد في شمال شرق سورية وتتحكم بها، كما تتمركز في قاعدة بمنطقة أبو الشامات على مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، وتنتظر تغير الظروف، وتمنع أي محاولة من قبل الروس والإيرانيين والنظام من اقتحام شمال شرق سورية.

6- ما هو الحل الأنسب في سوريا، كيف تنتهي المأساة الحالية، هل برأيك سيكون الحل عسكري أم سياسي هل تتوقع تغييرات جذرية أم أن الأمور ستستمر في التعقيد؟ 

هذا السؤال من أعقد الأسئلة ولا نستطيع تقدير آليات الحل المستقبلية في سورية بسبب كثرة المحتلين لها، وتضارب أهدافهم ومصالحهم فيها، فالحل العسكري غير ممكن والحل السياسي مرفوض من قبل روسيا وإيران حامين هذا النظام، والولايات المتحدة الأمريكية ليس لديها أي إرادة في فرض حل سياسي أو حتى عسكري ومثلها الاتحاد الأوروبي، وتركيا تمد يد المصالحة للنظام، فالأمور معقدة والحل العسكري مرتبط بسياسات هذه الدول ورغبتها في الحل العسكري، واستنادا إلى ذلك فلا أستطيع التنبؤ بما هو قادم.

اللواء محمد الحاج علي
اللواء "محمد الحاج علي" في مقابلة مع درعا 24: الحلّ العسكري في سوريا غير ممكن 3

7- هل تتوقع أن يكون هناك تطورات على الساحة الدولية بخصوص الملف السوري، وهل تعتقد أن هناك حلولاً سياسية يمكن أن تخرج البلاد مما هي فيه؟ وكيف يمكن أن يكون للمعارضة دوراً فعالاً في المرحلة الانتقالية؟

بالتأكيد التطورات قائمة ومستمرة على الساحة الإقليمية والدولية، وكذلك بالتأكيد سيكون هناك حل لإخراج سورية مما هي فيه، لكن لا نستطيع التنبؤ بالزمان الذي سيحدث فيه ذلك، فالوضع الحياتي للشعب السوري تحت سلطات الأمر الواقع لا يمكن أن يستمر، وبالنسبة للحلول السياسية التي تخرج البلاد من هذا الواقع المتردي فهذا بيد السوريين أولا، من خلال وحدتهم ورفضهم لهذا الواقع وبالدرجة الثانية لاتفاق الدول المتحكمة بالوضع القائم في سورية.

أنا لا أرى أي دور للمعارضة الحالية، وقد تنشأ قيادات ميدانية جديدة أو قد تصنع معارضات بحسب إرادة الدول المتحكمة.

8- ما رأيك في المرسوم الأخير حول العفو عن الفرار من الخدمة العسكرية؟ هل هو إجراء عملي فعلاً أم أنه مجرد خطوة إعلامية؟ وهل تثق في أن النظام سيلتزم بهذا العفو؟ ولماذا تصدر هذه المراسيم بين الحين والآخر، ما الغرض منها؟ وهل هناك مستفيدين يعودون للجيش بسببها؟

بخصوص المراسيم التي يصدرها النظام هي مرتبطة بأخلاق هذا النظام الإجرامية والذي لا عهود أو مواثيق له، أما لماذا تصدر هذه المراسيم، فهي سياسة يتبعها النظام من أجل إعطاء انطباع أن هذا النظام يغير من سلوكياته، وبدأ ينفتح على السوريين ويريد أن يستقطب الشباب السوريين لنقص اليد العاملة ومن أجل الفوائد المادية. 

أما من هم المستفيدون من هذه المراسيم فهم الأشخاص الذين لا يشكلون أي تأثير على هذا النظام وأنا لم أعلم أن هناك ضابطا منشقا صدّق هذه المراسيم وعاد إلى النظام.

رابط المقابلة: https://daraa24.org/?p=44589

موضوعات ذات صلة