على الرغم من التحسن النسبي في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، لا تزال أسواق درعا تشهد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار السلع الأساسية، مما يزيد من معاناة المواطنين الذين يكافحون لتلبية احتياجاتهم اليومية. بينما تتحدث الأخبار عن تحسن اقتصادي، يعيش السكان واقعًا مختلفًا، حيث تتفاقم الأزمة المعيشية وسط غياب رقابة فعّالة على الأسواق وارتفاع تكاليف النقل والمواد الأولية. هذا الوضع يطرح تساؤلات كبيرة عن أسباب استمرار الغلاء رغم التحسن
انخفاض مؤقت للأسعار وعودة الارتفاع في أسواق درعا
بعد سقوط النظام بفترة قصيرة، شهدت الأسواق انخفاضًا في الأسعار وخاصةً المواد التموينية والسلع الأساسية، مما خلق تفاؤلًا لدى المواطنين الذين كانوا يأملون في تحسن مستدام في الأوضاع المعيشية. إلا أن هذا الانخفاض لم يستمر طويلاً، حيث عاودت الأسعار إلى الارتفاع بعد فترة قصيرة، مما أدى إلى إحباط الكثيرين.
يعزو الخبراء هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، منها عدم استقرار سوق العملات، ورفع الرسوم الجمركية على بعض المواد من قبل حكومة تصريف الأعمال، مما أثر على الأسعار في كافة المحافظات.
دخلت الكثير من المواد بعد سقوط النظام بشكل رئيسي من محافظة إدلب، حيث كانت الجمارك المفروضة وقتها منخفضة نسبيًا، مما ساهم في انخفاض الأسعار خلال الفترة السابقة. لكن مع تغير الظروف ورفع تكاليف الجمارك، عادت الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع تكاليف النقل وضعف الرقابة على الأسواق إلى تفاقم الأزمة، مما جعل المواطنين يعانون من صعوبة تلبية احتياجاتهم اليومية.
إقرأ أيضاً: الوجود الإسرائيلي يهدد المواسم الزراعية في حوض اليرموك غربي درعا
بينما لم يشعر محمد أبو شنار، الموظف الحكومي وأب الأسرة المكونة من خمسة أفراد في مدينة نوى غربي درعا، بأي تغيير يخفف من معاناته اليومية بما يتعلق بالحياة المعيشية حتى اليوم. يقول في حديثه لشبكة درعا 24: “الأسعار بعدها نار، وما شعرنا بأي تغيير بالسوق. المواد الأساسية، أسعارها ما نزلت، مع إنه الأخبار عم تحكي عن تحسن بسعر الصرف وتحسن الوضع الاقتصادي”.
تعكس كلمات أبو شنار واقع الكثير من المواطنين في محافظة درعا. حيث تحسنتْ الليرة السورية أمام الدولار بعد سقوط النظام، ما أعطى أملاً لدى السكان بانخفاض أسعار السلع الأساسية. لكن الواقع في الأسواق يشير إلى استمرار ارتفاع الأسعار، وانخفاض القليل منها فقط. يثير ذلك تساؤلات كثيرة، وبينما يبرر التجار بأن البضائع المتوفرة لديهم تم شراؤها بأسعار مرتفعة سابقاً، يرد كثيرٌ من المواطنين المُرهقين أساساً من الوضع المعيشي، بأن استمرار ارتفاع الأسعار يعود إلى ضعف الرقابة على التجار، وقلة الدوريات التموينية.
أسعار درعا لم تتغير
يعود محمد أبو شنار للحديث عن معاناته اليومية بأنه يُجبر هو والعديد من الأسر التي في مثل حاله، على تقليل المشتريات. يقول: “صرنا نختصر حتى بالحاجات الأساسية. يعني إذا كنت تجيب 3 كغ سكر بالشهر، اليوم صرت تجيب كيلو واحد، وكله بسبب غلاء الأسعار مقارنة بالراتب اللي ما بيغطي شيء، والذي لم يتم رفعه حتى اليوم”.
وينوه إلى أن المشكلة ليست فقط في الأسعار المرتفعة، بل أيضاً في غياب أي رقابة حقيقية لضبط الأسواق، يقول: “ما في رقابة واضحة، والتجار يستغلون الوضع. كل واحد يضع السعر الذي يريد، وما في حدا يحاسبهم. وحتى مع التحسن بسعر الصرف، التجار يحتجون بالمخزون القديم وبارتفاع التكاليف. الناس بالنهاية تدفع الثمن، والوضع يصبح أصعب يوم عن يوم”.
ويختم حديثه قائلاً: “نحن بحاجة لرقابة جدية من الحكومة الجديدة، وليس وعود. لازم ينزلوا عالسوق ويشوفوا حال الناس، لأنه الوضع ما عاد يُطاق، خصوصاً بعد كل السنوات الصعبة اللي مرينا فيها”.
ليس هناك أمل بالعودة لأسعار طبيعية
تحدثت درعا 24 إلى “محمد الزعبي” وهو أحد تجار مدينة طفس غربي درعا، والذي أرجع السبب الرئيسي لعدم خفض الأسعار إلى تكاليف النقل المرتفعة وعدم استقرار أسعار المواد الأولية. مؤكداً أن البضاعة التي في محله اشتراها بأسعار مرتفعة، إضافةً إلى أن تكاليف النقل ارتفعت بسبب ارتفاع أسعار المحروقات.
يشرح الزعبي: “الناس تلومنا، لكن الوضع معقد أكثر مما يظهر عليه. إذا استمر الوضع الاقتصادي بالتحسن واستقرت التكاليف، عندها نتكلم عن خفض الأسعار بشكل حقيقي. حالياً ما زال الوضع صعب كثير”.
تشرح أم محمد، وهي ربّة منزل من مدينة درعا: “بصراحة، لم نشعر بأي تحسن. حتى لو سعر الصرف نزل، الأسعار بالسوق بعدها نار. المواد الأساسية حلم للكثير من العائلات. الناس تعبت. نحتاج تدخل من الجهات المسؤولة. إذا استمر الوضع هكذا، ما بعرف كيف الناس بدها تعيش!”.
إقرأ أيضاً: استغلال متكرر للعمال في الزراعة: شهادات من بساتين درعا
تموين درعا: ضبط الأسواق أولوية
من جانبه مصدر في مديرية التموين بدرعا، شرح للشبكة أن الحكومة الجديدة تعمل بشكل جدّي لضبط الأسواق ومكافحة المخالفات: “نحن نعيش مرحلة جديدة مع تغييرات اقتصادية؛ تحسن سعر الصرف وانفتاح الأسواق أمام التجارة الخارجية، وهذا يتيح لنا فرصة أكبر لتحقيق استقرار الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين”.
مشيراً إلى أن العمل يتركز حالياً على تكثيف الرقابة الميدانية لضمان التزام التجار بتعديل الأسعار بما يتناسب مع التحسن الاقتصادي. لافتاً إلى أن التحدي الآن هو ترجمة التحسن في سعر الصرف إلى انخفاض فعلي في أسعار السلع، خاصة الأساسية منها، لتخفيف العبء عن المواطنين.
وفي إشارة منه إلى المجتمع المحلي، أكد المسؤول بأن المرحلة الآن هي إعادة بناء الاقتصاد، والحاجة الأبرز الآن هي تكاتف الجميع، من مواطنين وتجار ومؤسسات، لضمان استفادة حقيقية من هذا التحسن، مع تطبيق القوانين بحزم والتعاون المجتمعي سيكونان المفتاح لتحقيق استقرار اقتصادي ينعكس إيجابياً على حياة المواطنين.
تأثير الحوالات المالية الخارجية
بدوره يونس الرفاعي، الذي يعمل في صرافة العملات، أكد أن الانخفاض الأخير في سعر الصرف يعكس زيادة الحوالات المالية القادمة من المغتربين في الخارج، وأنها كانت أحد عوامل تحسين سعر الصرف بالفترة الأخيرة، خصوصاً خلال فترة الأعياد والمناسبات.
أشار الرفاعي إلى أن معظم هذه الحوالات تُستخدم لشراء أصول كبيرة مثل العقارات والسيارات، وليس لدعم القطاعات الإنتاجية أو تحسين السوق المحلية. موضحاً أن ذلك يتمثل كداعم مهم للعملة، لكن أثره مالا يظهر بشكل كبير على حياة الناس اليومية، لأن استخدامها ليس موجّه للمواد الأساسية.
محذراً، أن المشكلة في هذا التحسن أنه ربما يكون مؤقتاً، طالما هناك استثمارات حقيقية بالاقتصاد الداخلي، ويلفت إلى أن الحوالات وحدها لن تكفي، إذا لم يكن هناك دعم أكبر للإنتاج المحلي. مؤكداً أن استقرار سعر الصرف يجب أن يترافق مع إجراءات تضمن استدامته، مثل تحسين السياسات المالية وتخفيف تكاليف الاستيراد، كي ينعكس بشكل مباشر على الأسعار بالسوق.
تبقى أسواق درعا عالقة بين تحسن سعر الصرف واستمرار الغلاء، في ظل تحديات اقتصادية معقدة أمام الحكومة. ومع ذلك، يتمسك معظم الناس بالأمل بتحسّن الأوضاع خلال الفترة القادمة بعد توطيد الأمن ورفع العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على البلاد، وتثبيت أركان الدولة من جديد، وعودة دوائرها للعمل بطريقة أفضل.
الرابط: https://daraa24.org/?p=47827