الحصاد بالمنجل أو ما يُسميه أهل حوران (الحاشوشة)
الحصاد بالمنجل أو ما يُسميه أهل حوران (الحاشوشة)

وتصيح ماحلُّو وتصيح ماحلو       شعر البنية مرس راجود ماحلو

يا رجَّادين الزرع خففوا من حالو قلبي من الفرقة لوى من يوم ماشالو

على صدى الأغاني والأهازيج التي تبث العزيمة، وتشحذ الهمم في نفوس من يقومون بالحصاد، على امتداد السهول الزراعية في حوران من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، هناك عاشق ومعشوق بارزين لهذه السهول، وهما الفلاح وأرضه. 

يعتبر موسم الحصاد مسؤولية جماعية، يتشاركها كل أفراد الأسرة بصرف النظر عن الفوارق العمرية، حيث يستغل الفلاح عودة مواسم الخير ونزول قطرات الندى، ليسارع عند نضج الحبوب ويباس سنابله لاقتناص الفرص والبدء بـ “الحصيد والرجيد”، وبقيت مواسم الحصاد تحافظ على أصالتها وعاداتها التي توارثها المزارعون عبر الأجيال.

إقرأ أيضاً: المأكولات الشعبية في حوران

ومن بين المحاصيل ما يُحصد بالأيادي وبعضها بالمناجل. وفور وصول أفراد الأسرة إلى الحقل يصطفون على نسق واحد خلف سنابل القمح أو الشعير أو الحمص أو العدس، ويكون بينهم “الشقّاق” الذي يكون صاحب الكلمة الأولى في عملية الحصاد، ويحدد مكان الحصاد والكميات المراد حصادها، ويتميز دائماً بالسرعة التي يحصد فيها. هكذا تبدأ طقوس الحصاد منذ الفجر وتنتهي قبل الظهيرة عند زوال الندى (الرطوبة)، ويضل هذا الحال بشكل يومي حتى الانتهاء من الحصاد، وبعد انتهاء عملية الحصاد يأتي دور استخدام أدوات الحصاد المتعددة في العمليات المتبقية كالرجاد والدرَاس وغيرها.

 ومن هذه الأدوات التي كانت تستخدم في الفترة الزمنية السابقة وبعضها مازال مستخدماً ليومنا هذا:

“الحلاّشيات”: وتستعمل لتغطية الأصابع عند الحصاد باليد.

“المنجل أو الحاشوشة”: ويستعمل في حصاد القمح والشعير وغيره، وهو أداة صغيرة مكونة من الفولاذ المطروق والمسنن على شكل هلامي، يمكن العمل به وقوفاً أو مقرفصاً، ويتكون المنجل من عدة أجزاء أهمها القبضة، وتكون من الخشب، والساق وتكون من الحديد، إضافة إلى السيف ويكون مقوّساً والحافة الخارجية سميكة والحافة الداخلية حادة.

“الشاعوب”: وله مكانة خاصة لدى الحصادين فلا يوجد منزل يخلو منه، وكان يستخدم في عملية جمع المحاصيل بعد الحصاد على شكل مجموعات مثل الحمص والقمح والشعير وغيرها، وكان يستعمل لتحميل الحصاد في الجرار، وهذا ما يسمى بالـ “الرّجاد”، ويستعمل أيضا لقلب القش وتعريضه للشمس ووضعه موضع الدرس، إضافة إلى استخدامه في عملية “الدراس” وهي عملية التقاط المحاصيل، وإدخالها في الماكينة الخاصة بإنجاز تلك العملية، ويتكون الشاعوب من عصا طويلة من الخشب تثبت بها قطعة حديدية تتكون من أربعة أصابع طويلة.

“النورج”: أو ما يسمى “اللوح” توضع فيها حجارة حادة الأطراف تقطع القش وتهرسه وتنعمه، وهو مصنوع من الخشب المصقول، طوله متران وعرضه متر، وأسفله مجوف بثقوب صغيرة.

“المدراس” أو “لوح الدراس”: وهو يعمل على هرس المحصول وإخراج الحبوب منه، ويتكون من لوح خشبي عريض، مثبت على أحد أسطحه قطع قاسية، تجره “الدواب” فوق المحصول المراد دراسته.

 “المذراة”: وهي أداة خشبية تشبه “الشاعوب” ومهمتها فصل الحب عن التبن ومشتقاته، وهي قطعة على شكل الكف تماماً، وتتكون من خمسة أصابع متصلة بيد طويلة، وتتم “الذراوة” عادة عندما يهب الهواء الغربي المعتدل، من خلال إلقاء المزيج في الهواء لكي تبعثر الرياح القش الخفيف وتسقط الحبوب الثقيلة على الأرض من جديد.

“الغربال”: ويستعمل لفرز القمح عن “القصل” الذي ينتج عن مخلفات التبن.

“الرّحت”: يستعمل لتنظيف الأرضية بعد انتهاء الدراس.

ولابد من الإشارة إلى أجمل وقت في الحصاد وهو مصطلح “الجورعة” والذي يعني انتهاء أعمال الحصاد، حيث تكون تعابير السعادة والهناء واضحة على كل فرد من أفراد الأُسرة والمزارعين، حيث يتم بهذا الوقت توزيع الحلويات مثل “الراحة والبسكوت وغيرها”.

السليقة موسمٌ شعبيّ وحدثٌ سنويٌّ

بالرغم من التطور الحاصل في مجال الحصاد، لاتزال العديد من الأدوات التراثية القديمة تستخدم حتى اليوم، حيث هناك محاصيل لاتزال تعتمد على أغلب الأدوات التي ذكرناها مثل محصول “الحمص”. وتضل هذه الأدوات جزءاً أساسياً من تقاليد الزراعة والحصاد في حوران، فالشاعوب والغربال والمنجل مثال على ذلك. فتلك الأدوات لا تمثل فقط وسائل فعالة للحصاد، بل تحمل أيضاً قيماً ثقافية وتاريخية تتجذر في تراث الشعوب.

الرابط: https://daraa24.org/?p=32789

Similar Posts