الخبير الاقتصادي زياد الغزالي لشبكة درعا 24: “تُختبر العملة السورية الجديدة بقدرتها على الصمود أمام تقلبات السوق”

الخبير الاقتصادي زياد الغزالي
الخبير الاقتصادي زياد الغزالي

الخبير الاقتصادي: حذف الأصفار لا يوقف التضخم إذا استمرت الطباعة بلا إنتاج

أطلق المصرف المركزي في سوريا يوم أمس العملة السورية الجديدة بعد حذف صفرين، في محاولة لإعادة تنظيم التداول النقدي وتخفيف العبء اليومي عن التعاملات المالية.

وقد فتحت هذه الخطوة نقاشًا وتساؤلات متعددة. وللإضاءة عليها وعلى خلفيات القرار وتداعياته، تحدثت شبكة درعا 24 إلى الخبير الاقتصادي الدكتور زياد الغزالي، المتخصص في الاقتصاد والمضاربة المالية، والمنحدر من بلدة قرفا في ريف درعا الأوسط.

وقدّم الغزالي قراءة تفصيلية، مفسّرًا أسباب حذف صفرين تحديدًا دون ثلاثة، وآليات إدارة المرحلة الانتقالية بين العملة القديمة والجديدة، والمخاطر المحتملة التي قد تواجه الليرة خلال أشهرها الأولى، إضافةً إلى مسألة غياب العملات المعدنية، واحتمالات تمديد فترة الاستبدال، وحساسية ملف طباعة العملة الجديدة وعدم الإفصاح عن جهة طباعتها.

العملات الجديدة
العملة الجديدة

أولاً: لماذا جرى حذف صفرين تحديدًا من العملة السورية الجديدة، وليس ثلاثة أصفار مثلًا؟ ما الاعتبارات التي جعلت هذا الرقم هو الخيار الأنسب؟

حذف الأصفار ليس عملية تجميل حسابية، بل قرار سيادي يمس الثقة بالاقتصاد وبتوازن العملة الجديدة. إن اختيار صفرين تحديداً هو عملية فنية مدروسة، يعكس الرغبة في تصحيح مسار التداول بالليرة وليس إعلان انهيارها.

فحذف الثلاث أصفار او أكثر يكون عادة عند حدوث تضخم مفرط يفقد فيه النقد وظيفته بالكامل، أما حذف الصفرين فهو إقرار بالتآكل دون تكريس صورة الإفلاس الرمزي.

والهدف تبسيط التداول دون صدمة سعرية، و الحفاظ على وحدة سهلة للحساب، و تجنب فوضى إعادة التسعير والاستغلال، و إرسال رسالة طمأنة، أن الدولة تعيد ترتيب العملة لتحافظ على رمزية الليرة لدى المواطن السوري.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد السوري بعد سقوط النظام: بين المبادرات المحلية واستثمارات المليارات

ثانياً: إذا كانت بحوزة المواطن ورقة نقدية من فئة 25 ليرة، وأراد شراء سلعة سعرها 15 ليرة، فكيف سيُعاد له الباقي عمليًا في ظل الفئات الجديدة التي لا تتضمن فئة 5 ليرات؟

ستستمر العملة القديمة في التداول الى جانب العملة الجديدة، خلال مدة أقلها الثلاثة أشهر الأولى، وفي هذه الفترة يمكن استخدام العملتين في اية عملية تداول.

مثلا في حالة السؤال: إذا اشترى المواطن سلعة ب 10 ليرات وبحوزته 25 ليرة يمكن أن يعيد البائع له 1500 ليرة قديمة. على أن يتم استكمال اصدار الفئات الاخرى قبل نهاية الأشهر الثلاثة، و إلا سوف يضطر المصرف المركزي لتمديد مهلة التعامل بالليرة القديمة لحين اصدار كافة الفئات النقدية.

ثالثاً: ما أبرز المخاطر التي قد تواجه العملة الجديدة خلال الأشهر الأولى من تداولها؟

تُختبر العملة بقدرتها على الصمود أمام تقلبات السوق. و في الأشهر الأولى، ستواجه الليرة السورية الجديدة امتحانا” قاسيا”وتحديات من أبرزها:

– الثقة: لابد أن يشعر المواطن بتغير في السلوك الاقتصادي للدولة، و عدم انخفاض القيمة الشرائية لليرة الجديدة عن مائة ليرة قديمة. عدا عن ذلك ستبقى الورقة الجديدة إسما” جديدا” لأزمة قديمة.

– وهْم الاستقرار: حذف الأصفار قد يُخفف العبء البصري، لكنه لا يوقف التضخم اذا استمرت الطباعة بلا إنتاج، أو إذا تم طرح جزء من العملة الجديدة في السوق خارج عملية تبديل العملة، وهذا يزيد كمية النقد المتداول في السوق.

– الارتباك السلوكي في السوق: قد تحدث أخطاء في التسعير أو تلاعب ومضاربات تستغل لحظة الانتقال.

– اقتصاد الظل: الذي لا يعترف بعملة ولا بسياسة اقتصادية، ويحوّل أي خلل صغير إلى نزيف كبير في سعر الصرف.

– وأخيراً: إذا لم تُدرْ عملية تبديل العملة بشفافية وحزم، قد تتحول الخطوة من إعادة تنظيم نقدي إلى صدمة مجتمعية تعمق فقدان الثقة بدلا” ترميمها.

رابعاً: لماذا لم تُطرح عملات معدنية ضمن العملة الجديدة؟ وهل ستُصدر لاحقًا، أم أن غيابها قرار مقصود؟

دخلت العملة السورية الجديدة التداول بأوراق نقدية فقط، بعد حذف صفرين لتسهيل التعاملات اليومية.

المرحلة الأولى ركّزت على الورق لتسريع الانتقال النقدي وتخفيف الفوضى في عملية النقل والتدول، وتسهيل المقارنة السعرية.

ربما يأتي اصدار القطع المعدنية لاحقاً، عندما تستقر ظروف السوق وتكتمل تجهيزات الإصدار الكامل، لتسهيل التعاملات في الفئات الصغيرة.

إذن، ما نشهده اليوم ليس إلغاء للعملة المعدنية غير الموجودة أصلاً في التداول، بل إعادة ترتيب للأولويات النقدية في مرحلة انتقالية دقيقة.

مقابلة مع الدكتور عاطف
الخبير الاقتصادي زياد الغزالي في تصريحات لشبكة درعا 24

خامساً: هل تعتقد أن مدة ثلاثة أشهر كافية لعملية استبدال العملة القديمة بالجديدة، أم أن هناك حاجة محتملة لتمديدها؟

مدة ثلاثة أشهر لاستبدال العملة السورية الجديدة تُعد مدة مقبولة نظرياً، لكنها عملياً قد تكون غير كافية لأسباب عدة:

– التوزيع الجغرافي: الوصول إلى المصارف والفروع في المدن الكبرى سيكون سهلا”، لكن المناطق الريفية قد تواجه صعوبة في الحصول على العملة الجديدة خلال هذه الفترة.

– إقبال المواطنين: هناك تفاوت في سرعة استبدال النقود. بعض المواطنين سوف يستبدلون العملة فوراً، بينما قد يتأخر آخرون بسبب قلة المعلومات أو صعوبة الوصول. ما قد يترك شريحة كبيرة خارج عملية التبادل مع نهاية المهلة.

– التعامل النقدي اليومي: نقص الفئات الصغيرة أو التأخر في وصولها يزيد صعوبة تداول المتبقي من أية عملية بيع ، ويخلق ضغطا” على التجار والمواطنين، ويبقي العملة القديمة في التداول فترة أطول.

أضف الى ما سبق وجود مناطق كثيرة خارج سيطرة الحكومة المباشرة، وقيود المصارف وطلبات الافصاح عن المبالغ الكبيرة المودعة.

وعليه قد تظهر الحاجة لتمدد فترة الاستبدال وهذا يتعلق بسرعة إتمام إصدار باقي فئات العملة الجديدة، بالإضافة إلى ما ذكر سابقا”.

سادساً: أين تتوقع أن تكون قد تمت عملية طباعة العملة السورية الجديدة، ولماذا لم يتم الإعلان عن جهة الطباعة، خاصة بعد امتناع حاكم مصرف سوريا المركزي عن الإجابة عن هذا السؤال خلال المؤتمر الصحفي أمس؟

لا أعلم أين تمت طباعة العملة الجديدة. وإن عدم الإعلان عن الجهة التي قامت بعملية الطباعة يعود لأسباب أمنية واستراتيجية، وحماية العملية النقدية من أية تهديدات خارجية، ومنع استغلال المعلومات للمضاربة أو التهريب، وضمان استقرار العملة الجديدة في الأسواق.

أما امتناع حاكم مصرف سوريا المركزي عن الإجابة خلال المؤتمر الصحفي، يعكس الحساسية الكبيرة لهذه المسألة، التي تتجاوز الجانب الإجرائي للحفاظ على مصداقية العملة وسلامة التداول.

سابعاً: ما الإجراءات الاقتصادية الفعلية التي كان ينبغي أن تترافق مع إطلاق العملة الجديدة كي لا يبقى التغيير شكلياً فقط؟

يُعد إصدار العملة الجديدة خطوة مهمة، لكنها لن تحقق أهدافها إذا لم تترافق مع إجراءات اقتصادية فعلية وهي:

– ضبط السيولة ومراقبة التضخم لتفادي فقدان القوة الشرائية وتحويل التغيير إلى مجرد تعديل رقمي.

– سياسات سعرية واضحة لمنع المضاربة وارتفاع الأسعار خلال فترة التبديل.

– إصدار الفئات النقدية الصغيرة سواء المعدنية أو الورقية ذات القيمة المنخفضة بأسرع وقت لتسهيل التعامل اليومي.

– تحديث الأنظمة البنكية وذلك بتجهيز الصرافات الإلكترونية للتعامل مع الفئات الجديدة فوراً.

– حملات توعية شاملة للمواطنين والتجار بكيفية استخدام العملة الجديدة والفترة الزمنية للاستبدال.

– متابعة السوق ومراقبته والتدخل السريع لمعالجة أي اختلالات أو مضاربات.

وأخيراً: العملة الجديدة هي البداية، لكن الانتقال إلى بيئة رقمية متكاملة للدفع هو الذي سيجعل الاقتصاد أكثر مرونة وشفافية واستدامة.

أشكر شبكة درعا 24 على مواكبتها الدقيقة والمسؤولة لتطورات المشهد السوري، وأتمنى أن تحمل الرؤية البصرية للعملة الجديدة بشائر خير للاقتصاد السوري، ولا سيما وهي تتزين برمزية غلال حوران، القمح والزيتون، كعلامتين على الحياة والإنتاج والاستقرار.

اقرأ أيضاً: وليد الزعبي: حوران سبّاقة في الثورة.. ولتكن سبّاقة في البناء

الرابط: https://daraa24.org/?p=56421

موضوعات ذات صلة