أكّد الخبير الاقتصادي زياد الغزالي في مقابلة مع شبكة درعا 24 تعليقاً على المشاريع الاستثمارية الجديدة في سوريا، أن تركّز الاستثمارات في دمشق أمرٌ طبيعيّ لاعتباراتٍ اقتصاديّةٍ و أمنيّةٍ وسياسيّةٍ، إلا أنّه لفت إلى ضرورة أن تتبنّى الحكومة السوريّة خطّةً وطنيّةً متوازنةً لإعادة الإعمار، توزعُ المشاريع بناءً على حجم الضرر والحاجة، عن طريق توفير مقومات الاستثمار، وتقديم حوافز إضافية للمستثمرين.
ويُعدّ الغزالي من الخبراء السوريين في مجال الاقتصاد والمضاربة المالية، وحاصل على بكالوريوس في الاقتصاد من جامعة دمشق، ودكتوراه من جامعة عين شمس في القاهرة. ويقيم في كندا حيث يعمل في بورصة تورنتو، إضافةً إلى عمله مستشاراً عن بُعد لشركة MAS-FRANCE الفرنسية. كما تولّى سابقاً مناصب إدارية في شركات في سوريا والسعودية ومصر، وهو عضو في جمعية المحاسبين القانونيين السورية وعدد من الجمعيات الاقتصادية الدولية، ومتخصّص في التحكيم التجاري والمنازعات المالية، ويشارك في مؤتمرات اقتصادية متخصّصة. وهو ينحدر من بلدة قرفا بريف درعا الأوسط.
في حديثه مع الشبكة، استعرض الدكتور زياد الغزالي أبرز التحديات التي تواجه البيئة الاستثمارية في سوريا حالياً، مشيراً إلى أن العديد من المشاريع المُعلَن عنها ما تزال تفتقر إلى تفاصيل تنفيذية واضحة أو دراسات جدوى منشورة. كما توقّف عند عدد من العوامل المؤثرة، من بينها البيروقراطية، والإطار القانوني الناظم للاستثمار، وغياب آليات رقابة مستقلة، إلى جانب استمرار تأثير العقوبات الدولية على حركة التمويل والتحويلات المالية.
ما مدى واقعية هذه المشاريع الاستثمارية؟ وهل هناك مؤشرات على بدء التنفيذ، أم أنها لا تزال ضمن إطار التصريحات الإعلامية؟
كل مشروع يصبح واقعياً وقابلاً للتنفيذ إذا تم بناؤه على دراسات جدوى اقتصادية، وتوفر التمويل الكافي له، والإدارة العلمية المحترفة، وقدّم منتجاً أو خدمةً حقيقيةً وذات أولوية في الحالة السورية، ومع توفر بيئة تنظيمية وقانونية واضحة، وبنية تحتية ملائمة(كهرباء وانترنت وطرق..الخ)، وأن يتوفر الأمن والاستقرار السياسي.
ما نشاهده هو إشارات إيجابية وخاصة أن هذه العقود ومذكرات التفاهم تتم برعاية أعلى سلطة في الدولة، ومباركة دولية وإقليمية، ونية حقيقة ووعي لأهمية إعادة بناء سوريا من دول شقيقة وصديقة.
من المعلوم أن جزءًا كبيرًا من هذه الاستثمارات مصدره دول خليجية، وتركيا، وجهات أجنبية أخرى، فهل هناك بيئة قانونية واستثمارية مستقرة تضمن تنفيذ هذه المشاريع؟ بما يشمل إجراءات التراخيص، الحماية القانونية، وآليات فضّ النزاعات؟
الجميع يعلم ان سوريا يُعاد ترتيبها بعد عقود من الفوضى والفساد، ورغم تحقيق تقدماً مهماً في تعديل الإطار القانوني للاستثمار إلا أن التطبيق العملي يواجه صعوبات معقدة:
- حماية المستثمر قانونيًا موجودة عبر قانون 18 والمرسوم 114، لكنها تحتاج ضمان تطبيق عملي.
- التراخيص والاعتماد هناك إطار قانوني جديد وموحد بمدة 30 يوم عمل للبت في الملفات.
- فض النزاعات خيارات متاحة (محلي، تحكيم، دولي)، لكن التنفيذ يُعاني نقصًا في مراكز فعّالة.
- العقوبات الاقتصادية الإعفاءات المعلنة تكون مؤقتة وبشرط الالتزام بشروط سياسية معينة.
- البيئة التنظيمية تبدأ في الإصلاح، لكن ما زالت تواجه من البيروقراطية وعدم الاستقرار الأمني.
هل تم الإعلان عن جدول زمني دقيق لبدء هذه المشاريع والانتهاء منها؟ وهل توجد دراسات جدوى منشورة وموثوقة توضّح العائد المتوقع من هذه المشاريع على المدى المتوسط أو الطويل؟
معظم المشاريع الكبرى لم تحدد مراحل تنفيذية واضحة زمنياً. فقط مشروع “مدينة الإنتاج الإعلامي” Damascus Gate التي أعلن عنها في 30 حزيران 2025 بمدة من 5 الى 7 سنوات دون تحديد تاريخ البدء بالتنفيذ.
لا توجد دراسات جدوى عامة أو منشورة رسمياً متاحة للعموم توضح العائد المتوقع أو الأرقام الدقيقة للإيرادات لكل مشروع.
ما يتوفر غالبًا هو مذكرات تفاهم (MOUS) أو عقود أولية تشمل تقديرات إجمالية للاستثمار وعدد الوظائف المتوقعة (مثل: 50 ألف وظيفة مباشرة و150 ألف غير مباشرة في استثمارات السعودية بقيمة 6.4 مليار دولار).
كذلك، الإعلان عن مشروع “Damascus Gate” تضمن تقدير مبدئي للعائد الاجتماعي من حيث خلق الوظائف (4000 دائمة و9000 موسمية).
لكن التفاصيل المالية والمردود الاقتصادي طويل الأجل (ROI، عائد نسبة على الاستثمار) لم تُنشر بإفصاح واضح أو مستقل.

ما مدى وضوح الأدوار التعاقدية للشركات المنفّذة؟ وهل تخضع هذه الشركات لرقابة أو محاسبة فعالة في حال الإخلال بالتنفيذ أو الجدوى الاقتصادية؟
لازالت هذه العقود والشروط التعاقدية غير منشورة بدقة، ولا نستطيع الحكم بناء على تسريبات هنا وهناك.
كما أن مدى وضوح العقود والأدوار التعاقدية تتضح بعد تأسيس الشركات محلياً وإشهارها. حيث يستلزم الإفصاح حسب نوع الشركة وشكلها القانوني أن تنشر تفاصيلها أو الأطراف المتعاقدة بوضوح، وفي كثير من الأحيان تتغير الأسماء وقد يدخل شركاء محليين وأجانب.
يفترض أن تخضع هذه المشاريع لهيئات رقابية حكومية و مستقلة تُشرف فعليًا على تنفيذ العقود أو تقييمها.
في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة، كيف تُدار التحويلات المالية المرتبطة بهذه الاستثمارات؟ وهل توجد ضمانات قانونية تُقدَّم للمستثمرين أو للدولة المضيفة تحمي الأطراف من المخاطر السياسية والمالية؟
حتى الآن لم تدخل الخطوات الفعلية لرفع العقوبات الأمريكية أو الأوروبية على سوريا حيز التنفيذ، لكن المناخ الدولي والاقليمي يتجه إلى ذلك، خاصة بعد قرار الرئيس الامريكي برفع العقوبات، وضغوط بعض الدول العربية والأوروبية لإعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي.
لكن ما زالت التحويلات المالية تُدار عبر قنوات غير تقليدية، وسط بيئة قانونية غير مستقرة رغم وجود إطار رسمي للاستثمار، لكنها لا ترتقي لمستوى الحماية الكاملة في ظل بيئة سياسية واقتصادية محفوفة بالمخاطر حتى الآن.
اقرأ أيضاً: الدكتور عاطف عامر في مقابلة مع درعا 24: “الصوت المدني الآن محاصر، وصعوده مرتبط بصعود دولة القانون”
هل من الضروري وجود مخططات تنظيمية عمرانية واضحة قبل توقيع اتفاقيات لمشاريع كبرى مثل الأبراج والمولات والمترو؟ وهل يمكن تنفيذ هذه المشاريع دون رؤية عمرانية متكاملة للمدينة؟
يفترض أن لا تنفذ المشاريع الكبرى (مثل الأبراج والمولات والمترو) بمعزل عن رؤية عمرانية شاملة ومتكاملة للمدينة.
لا بد من التكامل مع البنية التحتية، وتحديد الاستخدام الأمثل للأرض، وعدم تعارض المشاريع مع بعضها. عدا ذلك تكون النتيجة عشوائية عمرانية، و ازدحام مروري، و مشكلات قانونية، وفوضى تخطيطية.
هل يجب أن تُطرح المشاريع الاستثمارية الكبرى في سوريا عبر مناقصات شفافة تتيح الفرصة للشركات الوطنية، أم أن منحها مباشرة لشركات أجنبية يُعتبر مقبولاً في هذه المرحلة؟
يفترض أن المشاريع الاستثمارية الكبرى تُطرح عبر مناقصات شفافة وعادلة ومفتوحة، سواء كانت مخصصة لشركات وطنية أو أجنبية. لكن في الحالة السورية وتعقيداته قد يُقبل التعاقد المباشر، كأن تكون الشركة متخصصة وحيدة في مشروع نوعي (مثلاً تكنولوجيا نادرة)، أو أن يكون المشروع عاجلاً واستراتيجياً (مثلاً محطة كهرباء أو جسر طارئ).
لكن لابد أن تبرم العقود بشفافية تامة، ومراجعة تفاصيلها أمام مجلس الشعب (بعد انتخابه)، أو الرأي العام.
ربما يكون من الأفضل تشكيل هيئة وطنية لإدارة المناقصات العامة في المرحلة الانتقالية، وتفعيل دور الرقابة البرلمانية والقضائية.
معظم هذه المشاريع تتركز في العاصمة دمشق، مقابل غياب شبه تام في المناطق المتضررة، ما تفسير هذا التوزيع غير المتوازن؟ وما انعكاساته على إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي الشامل؟
من الطبيعي أن يميل صاحب المشروع إلى الاستثمار في مدينة دمشق لاعتبارات اقتصادية و أمنية وسياسية، حيث يتوفر أكبر عدد من المستهلكين، ويمكن تحقيق عوائد اقتصادية أكبر، و الأكثر استقرارًا نسبيًا من الناحية الأمنية.
أن كثير من المناطق المتضررة بحاجة إلى إعادة تأهيل شاملة (ماء، كهرباء، طرق، اتصالات…)، بينما دمشق ما تزال تحتفظ ببنية تحتية عاملة نسبياً، ما يُقلّل تكاليف تنفيذ المشاريع.
بالإضافة إلى رمزية دمشق واستخدام أي نشاط استثماري فيها إعلاميًا كدليل على “عودة الحياة الطبيعية”، وهذا يُقدّم رسالة رمزية للداعمين الخارجيين أو الشركاء السياسيين.
المطلوب من الحكومة تبنّي خطة وطنية متوازنة لإعادة الإعمار، توزع المشاريع بناءً على حجم الضرر والحاجة، عن طريق توفير مقومات الاستثمار التي تحدثنا عنها سابقاً في هذه المناطق، وتقديم حوافز إضافية للمستثمرين في المناطق المتضررة (إعفاءات ضريبية، ضمانات، قروض ميسرة،…الخ)، والحد من هجرة الكفاءات والعمالة نحو العاصمة، كما أن تركز الاستثمارات في دمشق يدفع الناس من المحافظات المتضررة للانتقال إليها بحثًا عن فرص العمل، ما يخلق ضغوط إضافية على العاصمة ويؤدي إلى خلل ديموغرافي.
اقرأ أيضاً: وليد الزعبي: حوران سبّاقة في الثورة.. ولتكن سبّاقة في البناء
هل هناك جهات رقابية مستقلة تشرف على تنفيذ هذه المشاريع؟ ومن يضمن عدم تحوّلها إلى واجهات لغسل الأموال أو توسيع النفوذ السياسي؟
لا توجد حالياً في سوريا جهات رقابية مستقلة وذات صلاحيات واسعة للإشراف تنفيذ المشاريع الاستثمارية التي يتم الإعلان عنها. فالرقابة أن وجدت تتم غالبًا عبر مؤسسات حكومية تابعة للسلطة التنفيذية ، ما يعني أنها ليست مستقلة بالمعنى المتعارف عليه دوليًا.
لا بد أن يترافق الاصلاح السياسي والاقتصادي، مع تأسيس هيئة رقابية مستقلة ذات صلاحيات فعلية، ترتبط بمجلس الشعب (حين انتخابه)، أو هيئة قضائية، والسماح بدور رقابي للصحافة، ومنظمات المجتمع المدني.
أخيرًا، كيف يمكن فهم توقيت الإعلان عن هذه المشاريع؟ وهل يرتبط بمحاولة رسم صورة جديدة للسلطة القائمة في دمشق سياسيًا واقتصاديًا بعد المتغيرات الأخيرة؟
- من الطبيعي أن تستفيد الحكومة من المناخ الدولي والاقليمي لجذب الاستثمارات التي تحتاجها سوريا، ومن الطبيعي لأي حكومة أن تخلق انطباع بالاستقرار وتوجيه رسائل داخلية وخارجية:
- الرسالة إلى الداخل بأن البلاد تتجه نحو “إعادة الإعمار والتنمية”.
- الرسالة إلى الخارج، وخاصة بعض الدول العربية والغربية بأن الحكومة تمسك بزمان الأمور.
وبالتالي، توقيت الإعلان عن هذه المشاريع ليس عشوائيًا، بل هو جزء من استراتيجية سياسية تهدف إلى طمأنة الداخل والخارج أنها الجهة القادرة على إدارة إعادة الإعمار واستعادة الاستقرار.
في الختام: أشكر موقع درعا 24 وأتمنى لسوريا التقدم والنجاح بجهود أبناءها، ووعيهم للمرحلة ومخاطرها وتحدياتها.
شارك برأيك: مشاريع استثمارية جديدة، فمتى تصل إلى المناطق المتضررة؟
الرابط: https://daraa24.org/?p=52172