تحدثت شبكة درعا 24 إلى الدكتور عاطف عامر، طبيب أسنان من مدينة شهبا في محافظة السويداء، وناشط مدني، وعضو في «التجمع المدني من أجل سوريا». بدأ عمله في الشأن العام مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، فكتب في مجلة «طلعنا عالحرية» باسم مستعار، نظراً للظروف الأمنية. اعتقلته أجهزة النظام السابق في العام 2012 ثم أفرجتْ عنه، وبقي مطلوباً لها. كما استمر لاحقاً كأحد الوجوه الفاعلة في الحراك الشعبي والمظاهرات في «ساحة الكرامة» في مدينة السويداء. كذلك له مقالات منشورة في عدد من المواقع الإلكترونية.
في هذه المقابلة الخاصّة مع الشبكة، يتحدث الدكتور عامر عن مجموعة من القضايا المفصلية التي تهم الشأن السوري عموماً، والجنوب (درعا والسويداء) بشكلٍ خاصٍّ، وواقع العلاقة بين الجارتين، ومخاطر تصاعد الخطاب الطائفي. كما يتطرق إلى دور الدولة والإعلام والمجتمع الأهلي في التصدّي لخطاب الكراهية.

إلى أين تتجه الأمور في محافظة السويداء بعد التطورات الأخيرة؟
بداية أعبر عن الألم والحزن والخوف من ضياع كل شيء، ضياع البلد والمستقبل، هذا المناخ الطائفي المريض ثمرته الوحيدة ضياعنا جميعاً، هذا التجييش الطائفي من كل الجهات هو انتحار حقيقي.. أما بما يخص محافظتي محافظة السويداء يغلب عليها مزاج عام أو لنقل رأي عام تسمعه في كل مكان، تَكوَّن هذا المزاج بعد الانتهاكات الخطيرة التي حدثت في الساحل، هذه الانتهاكات التي يجب على السلطة أن تتعب كثيراً على اثبات أن هذا ليس وجهها، أنها تبني دولة لكل السوريين، ومما زاد الطين بلة الهجوم على جرمانا ثم الأشرفية وصحنايا.
الثورة السورية العظيمة دفعت أثمان باهظة لأجل وطن لا يُذل فيه مواطن، أثمان باهظة من أجل شعار صدحت به الحناجر “الشعب السوري واحد” .. حكاية أن هناك أمن عام منفلت هذه لم تعد مقبولة، الكرة الآن في ملعب السلطة، عليها أن تحاسب من أذل الناس، تجريم أي سلوك طائفي، عليها جهد كبير في هذا المضمار.
الاتفاق الأخير جيد وكل اتفاق يجنب البلد اقتتال داخلي كل عاقل ووطني يؤيده، حل أي نزاع يجب أن يكون بالحوار ، علينا الانتهاء ونهائياً من لغة البنادق..
يُصوّر البعض أن هناك خلاف بين أبناء محافظتي درعا والسويداء، ويتم بثّ خطاب تحريضي حول ذلك، كيف تقرأون واقع العلاقة بين المحافظتين؟ وهل تعتقدون أن هناك أطرافاً تحاول ضرب الامتداد الاجتماعي والتاريخي بين الجارتين؟
الموضوع ليس السويداء ودرعا، بل المشهد السوري ككل:
1- عمارة المجتمع السوري، هي عمارة تكسرات عامودية “عائلية وطائفية وقومية”، عمارة المجتمع السوري لاغية لفكرة مجتمع، وتستبدلها ب جماعات / كونتانات، مذهبية وطائفية وقومية، هذه العمارة التي هي دون الدولة ودون المجتمع ودون الأمة مهزومة، في الماضي والحاضر، ولن تكون فرصها أفضل في المستقبل إذا لم نتحوّل إلى مجتمع.
2- هذه العمارة يأتيها تعزيز ايديولوجي موروث وقديم، وتعزيز سياسي من زعامات تقليدية ومشايخ وأمراء وقادة فصائل، عبر خلق بنى سياسية تتركب على هذا التصدع وتشارك فيه، أيديولوجيا الفخر بالعائلة والطائفة والقومية تلتقي مع أستثمار سياسي فيها ، ليصبح الانتماء الأعلى هو الانتماء لجزء وليس انتماء للكل والذي هو الأمة.
3- البنى السياسية الممثلة والمتركبة على الجزء /طائفة/ ستكون مهزومة كما هو الجزء مهزوم، هي محكومة بالعجز عن أي نهضة طالما تُعبِّر عن فئوية.
وأقصد بالهزيمة هنا كحالة ضد للنهضة، وليس هزيمة أمام عدو.
هل ترون أن العلاقة بين محافظتي درعا والسويداء تواجه خطراً كبيراً؟ ما الذي ينبغي على أبناء المحافظتين فعله لتجنب أي سيناريوهات توتر، والمحافظة على العلاقة كما كانت في سالف عهدها؟
بعد الانهيارات الكبرى كسقوط أنظمة، أو تفسخ دول، هناك مرحلة خطيرة هي المرحلة الانتقالية، نجاح هذه المرحلة هو إنقاذ فعلي للبلاد والناس والمستقبل، السوريين هم من أحق الشعوب أن ينجحوا في بناء بلد متقدم وبناء دولة حديثة لأنهم دفعوا الغالي والنفيس، هذا الثمن الكبير لايجب أن يكون من أجل اللاشيء، نجاح المرحلة الانتقالية يعتمد على قاعدتين، الوحدة الوطنية وإجماع الكل على كيان الدولة، والقاعدتين الآن مهددتين، بروز الهويات الطائفية والمناطقية القاتلة والمقاتلة، وعدم الإجماع على كيان الدولة تتحمله السلطة، فعندما تمارس السلطة سلوك العصابات، هذا يرجح فشل المرحلة الانتقالية لا نجاحها.
السلطة يجب أن تتبنى عقل الدولة، لا يجوز أن يسأل عنصر الأمن العام المارين على الحواجز عن دينهم، لا يجوز لعنصر الأمن العام أن يهجم على مطعم لأن لديه خلفية أيديولوجية ما، خلفيته الايديولوجية عليه أن يضعها في بيته، ماذا يعني هتاف الأمن العام في أشرفية صحنايا وفي مناطق أخرى “جيش محمد سوف يعود”، مع الاحترام الشديد لمقام النبوة هذا شعار ايديولوجي يوحي بتطرف ما، يوحي بأن الدولة مخطوفة كما خطفها النظام البائد، تطييف الدولة كما فعل نظام الأسد شيء خطير.. تطييف الدولة هو ضرب معناها أنها التعبير عن العقد الاجتماعي بين كل المواطنين.
بما يخص درعا والسويداء ، في السويداء هناك شهداء ومعتقلين بسبب محاولة كسر حصار درعا أيام الثورة، هناك مشافي في السويداء عالجت الكثير من عناصر الجيش الحر متجاهلة كل الأخطار، ملف الإغاثة بين الجارتين الأختين ملف كبير، من الطبيعي هناك من لايريد بلد ولا يريد دولة، علينا جميعاً تفويت الفرصة عليه، شخصياً لا أرى أي خطر قادم في العلاقة بين درعا والسويداء، هناك تاريخ وهناك أصالة في العلاقة بينهم.

من خبرتكم في الحراك المدني في السويداء، ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه الشباب داخل السويداء ودرعا لمواجهة الخطابات التحريضية ولا سيما الطائفية؟ وهل ما زالت هناك بيئة تستقبل هذا النوع من الوعي والعمل؟
هناك مجتمعان الأول قوامه الأحزاب والسياسة والصحافة وكل التشكيلات الحديثة، وهي حديثة بمعنى أنها غير موروثة، وسائلها سلمية تعتمد الفكر والحوار، تؤمن بالتظاهر السلمي والإضراب كوسائل ضغط وتغيير.. المجتمع الثاني هو المجتمع الأهلي التقليدي وقوامه هو العائلات وكل موروث، يُؤمن بالعنف الظاهر أو الباطن، والباطن عنده هو ميزان القوى عبر تسييس هوياته الضيقة وعسكرتها..
المجتمعان ليسا متصارعين، بل نمو أحدهما يقلص الثاني، الآن هناك نمو للأهلي، نمو لذهنية القبيلة والطائفة، المجتمع المدني في تراجع، وبالمناسبة قوة المجتمع المدني هو من قوة حضور الدولة، دولة الحق والقانون، وهذا شهدناه في الأيام الأولى بعد سقوط النظام، كان هناك أمل أن الدولة التي نريد قد بدأت، كان هناك حضور لما هو مدني وتراجع للمشيخات والوجهاء وكل ما هو أهلي، باللحظة التي تراجعت فيها الدولة عن أن تكون دولة حق، وبالتالي خوف الناس منها عاد الأهلي للنمو والتصدر، بوصفه قادر على الحماية.
الصوت المدني الآن محاصر، وصعوده مرتبط بصعود دولة القانون.
في ظل تصاعد الخطابات الطائفية في غالبية أنحاء سوريا، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة والمجتمع الأهلي والإعلام في مواجهتها؟
هذا السؤال ممتاز وهو الأساس ،، قلنا أن المرحلة الانتقالية تحتاج لوحدة وطنية تبين أنها هشة، ويحتاج إجماع على كيان الدولة، عندما تتفتت الوحدة الوطنية كما نرى في الخطاب العام الآن على وسائل التواصل، على الدولة أن تكون هي التحقيق الواقعي للهوية الوطنية السورية، تفعيل الاعلان الدستوري الذي تم خرقه آلاف المرات، عندما تدين الدولة شتم الرسول الأعظم وتربطه بالهجوم الوحشي على جرمانا في بيان وزارة الداخلية فهذا خطأ وسقوط، هذا تخلي عن دورها، الربط بين الفعلين مرفوض، واجب الدولة حمايته وهذا على المواطن السوري أن يشعر به، أنها دولته، تستميت لحمايته كموقف تصدره قبل الفعل، لم نسمع خطاباً منها يدين القطعان الطائفية. لذلك هي تفقد بالتدريج الاجماع السوري عليها وبالتالي كل هذا يساعد على فشل المرحلة الانتقالية.
وسائل الإعلام للأسف بأغلبيتها وقعت في مصيدة الأنا الطائفية، /الـ نحن/ و/هم/ القاتلة، الاصطياد بكل تفصيل، عندما يتكلم شخص من السنة بشكل طائفي، وسائل الإعلام تحاول أن تظهر أن كل السنة هكذا، عندما تتكلم فتاة من الأقليات عن الحجاب وهذا مدان طبعاً، اللباس موضوع شخصي، توسم كل طائفتها بخطابها، وبالمقابل كل حديث وطني ومعتدل يتم تجاهله من أغلب وسائل الإعلام، وكأن الهدف فقط هو تدمير محاولة أن يكون لدينا مجتمع سوري حقيقي. مطلوب من وسائل الإعلام المساهمة في التهدئة، التضييق على كل الأصوات التي تسعى لإغراق البلد.
اقرأ أيضاً: الدكتور محمد العمار لشبكة درعا 24: بشار الأسد لم يكن أول ديكتاتور في سوريا لكن نرجو أن يكونوا آخرهم
كيف ترون واقع منظمات المجتمع المدني في محافظة السويداء اليوم؟ هل تؤدي دورها بعد سقوط النظام، في دعم المجتمع ومواجهة التحديات، وما هي أبرز الضغوطات التي تواجهها؟
بعد سقوط النظام تم تشكيل “التجمع المدني من أجل سورية” أسسه ناشطات وناشطي ساحة الكرامة، ومعنا ناشطين من كل المحافظات السورية، ونعمل على الامتداد على كل الساحة السورية، أهم ما عمل عليه هذا التجمع أنه في بلدتي شهبا قدم نموذج متقدم للرقابة الإيجابية على مؤسسات الدولة، دعمها ودعم عملها ومحاربة الفساد فيها، وأعتقد أن هذه التجربة نادرة في سوريا، المجتمع حاضر في كل تفاصيل مؤسسات الدولة، ربما هذا هو جوهر العمل المدني، المجتمع حاضر ومراقب وفاعل، المجتمع ذات مشاركة وليس حالة سلبية متلقية، نريد دولة حقيقية كي يستمر عملنا، هذا الحضور المدني يبدأ بالتراجع عند تراجع حضور دولة القانون ، والنتيجة هي تصدر ونمو المجتمع التقليدي للأسف ..
برأيك، إلى أين تتجه الأمور في الجنوب السوري وسوريا عمومًا في المرحلة المقبلة؟ وما العوامل التي ستحدد ملامح المرحلة القادمة؟
سأكرر ما قاله المرحوم ميشيل كيلو: بعد سقوط النظام، الأهم أولاً هو العمل على الوحدة الوطنية، وأضيف تحقق الهوية الوطنية السورية في الدولة، دولة كل السوريين، الكل العابر للاجزاء، الكلية اللاغية لكل أنا طائفية أو مناطقية، أن نعيد تعريف المجتمع في وعينا أنه ليس مجموع جبري لطوائف واثنيات، أن المجتمع هو مواطنين أفراد لهم خلفيات دينية وثقافية متنوعة، ويحقّ لهم التعبير عن تنوعهم واختلافهم، بدون هذا المدخل سنخسر كل شيء، المناخ الحالي مناخ مريض ومؤسف، اللحظة التاريخية العظيمة أن المخطئ يحاسب وليس أخوه او ابن عمه أو ابن مذهبه، الذهن البعثي البشع الذي كان يتعامل مع السوريين كجماعات علينا أن نقطع معه، بدون ذلك لن يكون هناك مستقبل.. أتمنى أن نتخلص من مناخ التعميم الذي أعمانا ويعمينا ويخنق كل شيء..
اقرأ أيضاً: السفير شتيفان شنيك في مقابلة خاصة مع شبكة درعا 24
الرابط: https://daraa24.org/?p=49972