الصحفي علي عيد

التقت شبكة درعا 24 الصحفي السوري علي عيد ابن مدينة بصرى الشام في الريف الشرقي من محافظة درعا. وتحدثتْ إليه حول الشأن الإعلامي في المحافظة، وحول صحافة المواطن وأثرها بعد الربيع العربي، وعن الإعلام الرسمي والمعارض، وكذلك حول التغطية الإعلامية الأجنبية والعربية لما يحدث في قطاع غزة.

تنقل علي عيد بين عدّة وسائل إعلام منذ 1997 وحتى اليوم، بينها مجلة الحوادث اللبنانية الصادرة في لندن وصحيفة عكاظ السعودية، ووسائل إعلام عربية وأجنبية. وعمل سابقاً ضمن وكالة الأنباء الرسمية سانا.

ترأس عيد رابطة الصحفيين السوريين بين العامين 2016 و 2020، والتي نشأت بعد العام 2012، والتي يعتبرها تجربةً رائدة في العمل النقابي. يعمل اليوم رئيس تحرير في منصة سيريا انديكيتور، المختصة في الصحافة الاستقصائية، وهو أيضاً مدير تحرير في جريدة عنب بلدي التي أُسست في داريا بريف دمشق في العام 2011.

يُقيم الصحفي ابن محافظة درعا اليوم في فرنسا، وإضافةً لعمله في الصحافة، فإنه وفقاً لما تحدث به في المقابلة فإنه يجدُ فسحةً في مساعدة زوجته في مشروعها الخاص، وهو مطعم تديره في فرنسا، ويؤكد: “أقوم احياناً بمهمة جلي الصحون أو خدمة الزبائن، أو تحضير الأطباق غير المعقدة، أي أنني أتولى مهمة أي شخص يغيب عن العمل، وهي متعتي الحالية مع عملي المتعب في الصحافة”. 

كيف تُقيّم الوضع الإعلامي في محافظة درعا هذه الأيام، ولا سيما في ظل تعدد جهات السيطرة، وكيف ترى الظروف التي يعمل بها الصحفيون؟

لا يمكن وصف العمل الإعلامي في محافظة درعا أو غيرها من المناطق السورية بالصحي حاليًا، في ظل تعدد الجهات المسيطرة، واستمرار سياسات المنع، وعدم الشفافية، والانقسام الحاصل على المستويات كافة. مع ذلك هناك محاولات مقبولة لنقل الواقع، وهي تحتاج لدعم وتطوير.

ماذا تخبرنا حول صحافة المواطن التي نشأت بعد الربيع العربي، خاصة في سوريا وما هي رؤيتك لتلك التجربة في محافظة درعا؟

بفضل صحافة المواطن تم نقل المأساة السورية، وإيصال الصورة والمعلومة إلى وسائل الإعلام والرأي العام العالمي، وتطورت تجربة المواطن الصحفي على المستوى الفردي، إذ تحوّل مواطنون وناشطون إلى مزوديّ خدمة أو مراسلين معتمدين يعملون بكفاءة، وهو ما حصل في درعا وفي غيرها من المناطق، وهذا المفهوم الحديث في العمل الإعلامي أخذ حيّزا مهمًّا، وهو يتطور مع تطور التكنولوجيا الرقمية وسيطرة السوشيال ميديا، لكنه سلاح ذو حدين، إذ يُخشى من نقل المعلومات المضللة وترسيخ خطاب الكراهية وتعزيز الانقسام، ما يستدعي في الوقت نفسه التركيز على تأهيل الكوادر الصحفية، والعمل على ترسيخ المهنية والمعايير الأخلاقية للمهنة.

كصحفي عمل لسنوات ضمن إعلام رسمي ثم ضمن وسائل إعلامية معارضة، هل هناك فروق بينهما؟ كيف توضح ذلك؟

 الإعلام الرسمي في بلد مثل سوريا هو صوت الحكومة وإدارة الدولة السياسية والأمنية، وهو إعلام محكوم بالمضامين والأهداف، وقد لا يختلف الأمر في وسائل إعلام خارج سيطرة الجهات الرسمية، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو هل على الإعلام أن يمثل جهة بعينها، إذا كان كذلك فهو إعلام تلك الجهة، أيًا كانت صفتها، أما الإعلام المستقل يجب أن يلتزم بمعايير مهنية وأخلاقية، وهو يدفع الثمن لأن قسمًا كبيرًا من الجمهور يتأثر بالأحداث اليومية، ولم تسنح الفرصة أمامه لتفسير معظم التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذن فالإعلام – دون تعميم – هو لتقديم ما يجب بصورة غير منفعلة، لذلك انزاح حتى الإعلام الخارج عن سيطرة الجهات الرسمية، كما انصرف الناس عن الاهتمام بالشأن العام بسبب الإحباط، وعدم وجود صحافة مؤهلة، صحافة بحث وتقصي وحلول وأرقام دون إملاءات سياسية وأمنية لقوى السيطرة والأمر الواقع.

هل يجب أن يكون الصحفي أو وسيلة الإعلام في ظل الحروب منحازاً إلى أحد أطرافها، أين يجب أن يقف، خاصةً إذا أسقطنا ذلك على الواقع في سوريا اليوم؟

الصحفي هو رسول الحقيقة، ينقل ما يعاينه، ولا يتدخل في تفسيره، ويعتمد على مصادر مؤهلة وموثوقة وذات صلة يمكن أن تفسر ما يرصده، وانحياز الصحفي يعمق الانقسام ويساعد في تغذية أسس الصراع وتدوير الحرب، لكن الصحفي المستقل يحتاج وسيلة مستقلة ايضًا، وهذا غير متوفر بالحد اللازم، وحتى المدونون والمؤثرون، إذا اعتبرنا أنهم جزء من العمل الإعلامي فهناك الكثير مما يجب أن يقال في هذا الشأن، فالسوريون عالقون بين فكرة مع وضد، وهي مشكلة قد لا يسهم حلّها في إنهاء الصراع في سوريا، لكنه يساعد في فهم طبيعة هذا الصراع وأبعاده، وتوفير نوافذ التفكير والمساهمة في الخلاص على المستوى العام.

كيف تصف تجربة رابطة الصحفيين السوريين التي عملتَ رئيساً لها، وماذا قدمت للصحفيين في سوريا ومحافظة درعا، وكان هناك العديد من الانتقادات لعملها من قبل إعلاميين من أبناء المحافظة، حيث رفضت طلبات انضمامهم للرابطة، ما تعليقك على ذلك؟

رابطة الصحفيين السوريين، هي تجربة رائدة في العمل النقابي، لكنها تخضع لظروف صعبة، فهي منظمة مدنية غير ربحية، مهمتها تنظيم نشاط الصحفيين والدفاع عنهم وحمايتهم، وهي لم تكن يومًا منظمة تهدف لمساعدتهم ماليًا، أو إعادة توطينهم، لكنها ساهمت بما تستطيع بجهود جماعية وفردية ولو كان الأمر من خارج اختصاصها الفعلي.

عندما تسلمت رئاسة الرابطة، لم أكن رئيس الرابطة الممثل لمنطقة جغرافية، فكل عامل في القطاع الإعلامي هو في صلب اهتمام الفريق الذي أعمل ضمنه.

في كل مرة كان يتعرض فيها الصحفيون السوريون في الداخل والخارج، كنّا نحاول الدفاع عنهم دون أن نملك أنيابًا وأظافر كباقي المنظمات التي تعمل في دول تحمي العمل النقابي، وحاولنا أقصى جهودنا في درعا وإدلب وحمص وريف دمشق وغيرها من المناطق، وأعتقد أن الرابطة لاتزال ملتزمة بمهمتها قدر المستطاع.

مرّت فترة كان من الصعب فيها قبول عضوية الناشطين الصحفيين في درعا وغيرها، والسبب هو النظام الداخلي الذي لا تضعه إدارة الرابطة بل جمعيتها العامة، وهذا تسبب بكثير من الإحباط لدى ناشطين صحفيين حاولوا الانتساب، وأعتقد أن الأمور قد تحسنت بهذا الشأن، لكنها لم تكن يومًا مرتبطة بقرار رئيس الرابطة أو مجلس الإدارة، فما يجري من انتهاكات في القطاع الإعلامي على كامل مساحة سوريا أكبر من قدرة اي رابطة أو تجمع مهني، هناك كارثة حقيقية يدفع ثمنها الصحفيون كل يوم، والدليل العدد الكبير لشهداء الصحافة، وهم بالمئات، وآلاف الانتهاكات المرتكبة بعد عام 2011.

الصحفي علي عيد ابن مدينة بصرى الشام

كيف تقيم وضع الإعلام العربي والأجنبي في ظل الأحداث في قطاع غزة؟

الإعلام لم يكن يومًا حياديًا، ومن يملكه هو من يقرر مضمونه، هناك هامش ضيّق للصحافة الحرة أو المسؤولة، وهذا الهامش يتراجع في الأزمات الحادة، لأن وسائل الإعلام المستقلة تعتمد في تمويلها على المانح، والمانح يخضع لضوابط مختلفة، عوضًا عن تراجع الدعم لقطاع صناعة المحتوى المستقل، هناك مشكلات عويصة فيما يتعلق بالتغطيات في غزة، سببها سياسي بالأصل، فالعالم منقسم، وهناك قوى تتصارع في المنطقة وتستثمر في قضاياها، ومنها القضية الفلسطينية العادلة.

ما يجري في غزة من قتل للمدنيين يراه العالم بوضوح، رغم تضييق المساحة أمام الصورة الحقيقية بسبب سيطرة اللوبي الموالي لإسرائيل على أهم وسائل الإعلام في الغرب، إذن الرسالة وصلت، والشعوب تتأثر بما ينقله الإعلام، هناك جيل جديد لم يكن يعرف شيئًا عن القضية الفلسطينية، الحشد الإعلامي أعاد القضية إلى أصلها، وستكون هناك تغييرات كبيرة وآثار طويلة الأمد.

قلت في إحدى مقالاتك  “حين تدير الحرب رحاها، ينقسم الجمهور بين طرفيها، ولا ينشغل الناس عادة في دوافع انقسام الإعلام وانحيازه، قدر انتقادهم لعدم مجاراته لقضاياهم”. برأيك كيف يمكن إنشاء صحافة تُجاري قضايا الناس وتلامس حياتهم؟

إذا كان الناس منقسمون حيال الصراعات، على الإعلام أن يشرح طبيعة هذا الانقسام دون الانخراط في تحليل بأبعاد سياسية أو لأهداف يحددها طرف معين، أما الالتفات إلى قضايا الناس فهو جزء مهم في نجاح الإعلام، بل يجب أن يكون هدفه الأول.

عندما كتبت هذه العبارة، لم أكن أقصد أن على الإعلام أن ينساق إلى عاطفة الجمهور، أو أن ينخرط في انفعالاته، أو أن يعمل على إثارة مشاعر بدائية كالانتقام أو تغذية الحقد، وهو ما فعله الإعلام الرسمي السوري طوال السنوات التي أعقبت ثورة 2011، وما يجب أن يلتزم به الإعلام هو الحقيقة، ومجرد نقل الحقيقة هو اهتمام بقضايا الناس.

للأسف، حتى سارق رغيف الخبز هناك بندقية تحميه في سوريا، وأذكر رغيف الخبز لأنه في رأس قائمة الاهتمامات.

أما كيف أؤسس صحافة تجاري قضايا الناس فذلك أبسط وأعقد أمر في آن معًا، أن نذهب إلى الناس واضعين في اعتبارنا أنهم ليسوا مخيرين، وأنهم خائفون من الموت، علينا أن نستمع إلى صرخاتهم المخنوقة دون أن نُورطهم في جريمة “المساس بهيبة الدولة” التي اخترعها النظام، علينا أن نجترح ما أمكن من حلول لننقل همومهم، ونسعدهم بمحتوى ممتع، هناك أيضًا صحافة حلول.

كيف ترى الوضع في محافظة درعا في ظل سيطرة فصائل متعددة الولاءات والانتماءات؟ وما رأيك بتجربة اللواء الثامن في مدينتك بصرى؟

درعا هي قطعة في “البازل” المعقد في سوريا، وربما تتطور الأمور بتطور الأحداث في غزة، هناك صراع دولي في سوريا، وعلى سوريا.

اللواء الثامن، هو فصيل تطور مع تطور الأحداث، له محاسن في ضبط الأمن، وعليه ملاحظات في ارتكاب عناصره تجاوزات بحق الأهالي، هو في النهاية قوة أمر واقع، وليس خيار الناس النهائي.

رابط المقابلة: https://daraa24.org/?p=35012

Similar Posts