اللجنة الوطنية للتحقيق في أحداث الساحل: انتهاكات جسيمة وتوصيات للإصلاح والمساءلة

أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري أنها أنهت أعمالها التي امتدت على مدى أربعة أشهر، مؤكدة توصلها إلى قائمة من المتهمين المحتملين بارتكاب انتهاكات جسيمة، وتقديم توصيات شاملة إلى السلطات السورية لمعالجة تداعيات الأحداث وتحقيق العدالة الانتقالية.

التعاون الدولي والإطار المهني

أجرت اللجنة الوطنية للتحقيق مشاورات مركزة مع الجهات الدولية في الأمم المتحدة، عبر اجتماعات رفيعة المستوى مع مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، ورئيس وأعضاء اللجنة الدولية للتحقيق في سوريا، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكتب المبعوث الدولي، إضافة إلى منظمتي هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية. وناقشت اللجنة آليات اعتماد أفضل المعايير والإجراءات الممكنة في التحقيق.

المنهجية القانونية ومبادئ العمل

اتبعت اللجنة الأصول القانونية الواردة في لائحة اختصاصاتها، وحرصت على مبادئ الاستقلالية، والحياد، والموضوعية، والمهنية، والشفافية، وحماية الشهود، بما يتماشى مع إجراءات النزاهة الحكومية.

العمل الميداني والمصداقية رغم التحديات

رغم التحديات الأمنية الناتجة عن وجود “فلول” النظام السابق، تابعت اللجنة مهامها على الأرض، ووصلت إلى مواقع الأحداث وأماكن الشهود، ما منحها درجة معقولة من المصداقية لدى عائلات الضحايا والأطراف الدولية.

تعريف الفلول ومنهجية التحقيق

عرفت اللجنة ما يُسمى بـ”الفلول” بأنهم بقايا مجموعات مسلحة منظمة مرتبطة بنظام الأسد السابق، خارجة عن القانون وشرعية الدولة.

بنت اللجنة استنتاجاتها على الشبهة وليس على الأدلة القطعية كما في المحاكم، ولم تُفصح عن أسماء المشتبه بهم حمايةً للشهود، لكنها نظّمت أسمائهم في جداول مرفقة بالتقرير.

مصادر المعلومات وفترة الولاية

فحصت اللجنة المعلومات والوثائق والإفادات والأدلة الحسية والرقمية، وبنت قناعات أعضائها خلال فترة ولايتها البالغة أربعة أشهر، وفق التمديد الصادر عن رئيس الجمهورية.

سياق ما قبل الأحداث

منذ تحررت سوريا من نظام الأسد وحتى أوائل آذار، ساد الهدوء نسبيًا في مناطق الساحل، مع التزام واضح من القوات الحكومية بحماية المدنيين. إلا أن بعض المناطق تعرضت لانتهاكات وأعمال عدائية.

بداية التصعيد وهجمات الفلول

في السادس من آذار، نفذ “الفلول” عمليات واسعة بالسلاح الثقيل ضد الجيش والأمن والحواجز، وقتلوا 238 عنصرًا من الجيش والأمن في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، بينهم من قُتل بعد الاستسلام أو أثناء العلاج أو الأسر. كما دُفن بعضهم في مقابر جماعية، وتعرضت ستة مستشفيات للهجوم وأُخرجت عن الخدمة، وقتل عدد من المدنيين السنة وفق معلومات وردت للجنة.

توثيق المتهمين والانتهاكات

اعتمادًا على الشهادات ومحاضر التحقيقات والأدلة الرقمية، توصلت اللجنة إلى أسماء 265 من المشتبه بهم المنتمين إلى هذه المجموعات المسلحة.

أهداف السيطرة والانفصال

سيطر “الفلول” جزئيًا أو كليًا على بعض المدن والقرى والطرقات، وفرضوا حصارًا على المقرات الحكومية، بهدف فصل الساحل عن سوريا وإقامة دولة علوية، بتنظيم وهيكلية شاقولية وأفقية.

تحرك الفصائل والفزعات

تحركت الفصائل والقوات الحكومية ومجاميع “الفزعات” باتجاه مناطق سيطرة “الفلول”، حيث تجاوز عدد المقاتلين المتوجهين نحو تلك المناطق 200 ألف مسلح.

الكمائن على الطريق الدولي

في السابع من آذار، استُهدف الرتل العسكري وقوافل الفزعات والمدنيين المارة على الطريق، ما أدى إلى مقتل عدد منهم. دفع ذلك لتشكيل مجموعة لفتح الطريق وتنظيم التحركات.

عمليات التفتيش والانتهاكات اللاحقة

دخلت مجموعات مسلحة إلى القرى، ونُفذت حملات تفتيش متباينة، بعضها منضبط وبعضها الآخر فوضوي. لاحظت اللجنة ارتياحًا عامًا تجاه سلوك الأمن العام، لكنها تحققت من انتهاكات جسيمة في الفترة بين 7 و9 آذار.

حصيلة الضحايا والمفقودين

وثّقت اللجنة مقتل 1426 شخصًا، بينهم 90 امرأة، غالبيتهم من المدنيين، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات. ورغم احتمالية وجود عناصر من “الفلول” بين القتلى، ترجّح اللجنة أن معظم القتل وقع بعد انتهاء المعارك.

اطلعت اللجنة على أعداد إضافية من القتلى من مصادر مفتوحة لم تتمكن من التحقق من صحتها، لعدم ورود أسمائهم في كشوفات المقابر أو الشهادات، كما سجلت وجود 20 مفقودًا بينهم مدنيون وعسكريون.

طبيعة الانتهاكات وتفاوت السلوك

أشارت إفادات الشهود إلى سلوك متباين من المجموعات المسلحة، مما يرجّح أن الانتهاكات كانت واسعة ولكن غير منظمة.

موقع القرى المستهدفة واستخدامها عسكريًا

لاحظت اللجنة أن القرى التي تعرضت للانتهاكات تطل على الطريق الدولي، واستخدمها “الفلول” لقصف القوات الحكومية، بخلاف قرى علوية مجاورة لم تتعرض لأي انتهاك.

تحديد الفاعلين من خلال الشهادات والأدلة

اعتمدت اللجنة على صور وفيديوهات وتحقيقات مع مئات الشهود، واستجابة وزارة الدفاع بطلبات التعرف على الأفراد، ما ساعد في تحديد 298 مشتبهاً بأسمائهم الصريحة.

مخالفات من بعض العناصر المشاركة

توصلت اللجنة إلى تورط مجموعات من داخل القوات المشاركة، خالفت الأوامر العسكرية وارتكبت انتهاكات بحق المدنيين.

ملاحظات حول هيكلية القوات والاندماج

ورغم الانضباط النسبي، لاحظت اللجنة أن اندماج الفصائل تحت هيكل وزارة الدفاع ما زال شكليًا في بعضه، بسبب الفراغ الذي خلّفه حل جيش النظام السابق. وقد ظلت سيطرة الدولة الفعلية جزئية أو معدومة في بعض المناطق.

التزام الدولة بالتعاون مع اللجنة

أكدت اللجنة أن الدولة أبدت التزامًا باستقلاليتها، وقدّمت الجهات الحكومية كل المعلومات المطلوبة.

توصيات اللجنة

أوصت اللجنة بـ:

  • محاسبة المشتبه بهم وفق القانون.
  • التعجيل في ضبط السلاح ودمج الفصائل وتنظيم الزي العسكري.
  • إطلاق برامج جبر ضرر للضحايا.
  • إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان.
  • إعادة النظر في تسريح الموظفين والتعيينات المخالفة.
  • ملاحقة المتورطين من قيادات النظام السابق الفارين من العدالة.
  • مواءمة القوانين المحلية مع الاتفاقيات الدولية.
  • إطلاق برامج للسلم الأهلي والحوار، وتشريعات لمنع التحريض.

التركيز على التوثيق الميداني

أكدت اللجنة أنها لم تلاحق الصفحات أو الوسائل التي ساهمت في تأجيج الفتنة إعلاميًا، لأن تركيز عملها اقتصر على التوثيق الميداني.

دعوة للمشاركة والمحاسبة القانونية

دعت اللجنة كل من يمتلك معلومات حول المتورطين إلى تقديمها، مؤكدة أن المحاسبة القانونية هي الضامن لمنع الثأر والفوضى

الرابط: https://daraa24.org/?p=51765

موضوعات ذات صلة