المضافة الحورانية

الضيافة طبع أصيل يتميز به أبناء حوران من أبناء محافظتي درعا والسويداء، فهم يشتهرون بالكرم، ويتسابقون في إكرام الضيف، وتعتبر المضافات تقليد شعبي متوارث اشتهر به كلاّ من أبناء السهل والجبل منذ عشرات السنين، وما يزال قائماً حتى يومنا هذا، وللمضافة تصميم خاص يتناغم مع عادات الكرم والجود، فهي تعدّ رمزاً لتلك العادات والتقاليد المتوارثة وجزءاً أصيلاً من الإرث الإنساني للمجتمع. 

كما تعدّ المضافة في درعا والسويداء بيئة تعارف وتثقيف ومناخ مهم لغرس القيم والأفكار والمثل العليا، ويُصاغ فيها السلوك الاجتماعي القويم وينتقد الذميم، ولعلّ الصفة المشتركة الأكثر أهمية بين المحافظتين هي المضافة ذات الأبواب المشرعة على مصراعيها في كل وقت، فإنْ دخلت من باب أهل حوران فأنت آمن، لأنهم اعتادوا استقبال الضيف أيّاً كان فعبر التاريخ كانت المضافة ملجأ للدخيل والملهوف، لأن حماية الدخيل إرث عظيم يتوارثه أهالي حوران سهلاً وجبلاً عبر الأجيال، ومن هذه المضافات انطلق أبطال سطروا بدمائهم أعظم ملاحم البطولة في وجه الاستعمار والطغيان. 

إقرأ أيضًا: السويداء ودرعا: وعي المواطنين أكبر من مثيري الفتن

التصميم والبناء 

تتشابه المضافات بين محافظتي درعا والسويداء بأشكالها، رغم تفاوت أحجامها، فالمضافة قديماً كانت عبارة عن غرف كبيرة واسعة تبنى من الحجر والسقف، عبارة عن قطع صخرية كبيرة مستطيلة الشكل، تسمى (الربد) استبدلت لاحقاً بجسور من الحديد، ويُحمل سقف المضافة على قناطر حجرية ارتكازية، تعتبر روعة في الفن المعماري القديم، وفي الداخل تجد مقعداً حجرياً

يمتد على طول الجدران الداخلية، يقال له (التواطي). 

كذلك تتوسط المضافة حفرة مستطيلة تسمى (النقرة) توضع على أطرافها أباريق ودلال القهوة المرة، التي تعتبر أهم عادات الضيافة، وكذلك الفناجين والأدوات اللازمة لصنعها، كما أن المضافة تحتوي في أحد أركانها وعلى أحد الجدران الربابة والبارودة والسيف العربي، دلالة على الشجاعة، إضافة الى صور لشخصيات ورموز تاريخية. 

أهمية المضافة في حوران 

للمضافة أهمية كبيرة في حياة المجتمع الحوراني، لما تقدمه من أدوار ثقافية واجتماعية وإنسانية مختلفة، وقد لعبت دوراً مهماً في الترابط الاجتماعي، وشكلت جزءاً من ثقافة أبناء السهل والجبل، وحفظت عاداتهم وتقاليدهم الاصيلة، وساهمت بحلّ كثير من المشكلات والخلافات، قبل أن تطفو على السطح، لأن الأفراد إذا تقاربوا وتهيأت لهم فرص التلاقي، حصلت المكاشفة وتقاربت النفوس وزالت البغضاء. 

لا زال الأهالي في كلا المحافظتين يتباحثون داخل المضافة في شؤونهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتلعب المضافة اليوم دوراً كبيراً في اتخاذ العديد من القرارات والمصالحات الكبرى، التي تسهم في صيانة السلم الأهلي، ومحاربة خطاب الكراهية، واحتواء العديد من الازمات. 

كما تعقد الجاهات والشخصيات الفاعلة في المجتمع اجتماعاتها للتوفيق بين الأطراف المتخاصمة، فهي على الرغم من كل التطورات تبقى الرابط الوحيد لتلاقي فئات المجتمع كافة. كذلك تعدّ المضافة من أغنى مصادر التعليم وأهمها ومصدر مهم لصقل الشخصيات. 

فيما تعتبر هذه المجالس هي إحدى تقاليد السياسة العامة لإدارة شؤون المنطقة، فهي توفر إطاراً للتواصل، بعيداً عن الأطر الرسمية التي غابت تماماً في الآونة الأخيرة. 

كذلك أصبحت المضافة في أيامنا هذه أقرب صورة ديمقراطية للتعامل مع المواطنين بشكل مباشر، حيث توفر لهم أرضية خصبة للمشاركة في طرح

قضاياهم وهمومهم، وتوحيد آرائهم ونشر الأفكار التي تعزز الترابط والتكافل المجتمعي، وتعزز ثقافة الحوار، فهذه المجالس أشبه ببوتقة تنصهر فيها كل الآراء والأفكار، بغية تحقيق المنفعة العامة للجميع. 

إقرأ أيضًا: من يلعب على وتر الفتنة بين السهل والجبل بين الحين والآخر؟

مبادرات محلية من المضافات 

طالما كانت مضافات أهالي درعا والسويداء حاضرة بقوة لمواجهة كافة الازمات الطارئة على المنطقة، حيث تحتضن المضافة اليوم العديد من المبادرات الإنسانية الهادفة التي تعود بالنفع على المجتمع. ففي ظل انتشار جائحة كورونا جمع أهالي مدينة نوى في ريف محافظة درعا 80 مليون ليرة سورية لترميم مستشفى نوى الوطني، وقد اطلق أهالي بلدة الكرك الشرقي قبيل بداية شهر رمضان في العام الماضي 2021 في ريف درعا الشرقي حملة لجمع التبرعات لصالح العائلات الفقيرة من أجل دعمها مادياً، وقد تم جمع مبلغ وقدره 100 مليون ليرة سورية بعد يومين من انطلاق الحملة. 

كذلك في السويداء أطلق ناشطون مبادرة مدّ قمح في آذار 2020، وتم خلالها جمع قرابة 40 طن من القمح وتوزيعها على المحتاجين، وقد احتضنت هذه المبادرة ثمان مضافات مختلفة في مدينة شهبا في السويداء. 

يبقى  تراث حوران سهلاً وجبلاً بعاداته وتقاليده حاضراً في المضافات، فمن يدخل إحدى المضافات القديمة المبنية من الحجارة البازلتية، يشعر بقيمتها الأثرية والتاريخية، ويرى عبق الماضي العريق الذي يحمل رائحة الأجداد والأهل. وإن تغير شكلها الداخلي في هذه الأيام فسوف تبقى منبع الثقافة ورمز للكرم والجود واغاثة الملهوف، ورمزاً لوحدة الحال والعادات والتقاليد المشتركة بين أهالي محافظتي درعا والسويداء.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=18983

Similar Posts