يعبّر العديد من الموظفين من أبناء محافظة درعا، الذين فصلهم النظام المخلوع من دوائر الدولة بسبب مشاركتهم في الثورة السورية، عن شعورهم بعدم الإنصاف، في حديثهم لشبكة درعا 24. وذلك بسبب تأخر عودتهم إلى وظائفهم حتى اليوم. رغم تمسك غالبيتهم بالأمل وإعطائهم الفرصة للحكومة الجديدة، إلا أن أوضاعهم لا تزال مُغيبة، مع أن حجم الظلم الذي تعرضوا له خلال الحقبة السابقة كبير.
الموظفون الصحيون: لا قرارات واضحة حتى الآن
أحد الممرضين، الذي عمل في أحد المشافي التابعة لمديرية الصحة بدرعا منذ تخرجه في نهاية التسعينات حتى انطلاقة الثورة، يروي لمراسل درعا 24 معاناته قائلاً: “تم اعتقالي لدى الأفرع الأمنية في 2012، وبشكل روتيني تم فصلي من وظيفتي، ثم تمت ملاحقتي أمنياً، وهناك حجزٌ على أموالي، وكنت مطلوباً لأربعة أفرع أمنية. وبعد خروجي، عملتُ في معالجة الجرحى لسنوات في منطقتي”.
يضيف أن هناك زملاء له تعرضوا لتجارب أشد قسوة، حيث قضى بعضهم سنوات في السجون، بينما فقد آخرون حياتهم، وبعضهم بذل كل ما يملك من أجل النجاة. ورغم كل ذلك، لم يعد أحد منهم إلى عمله حتى الآن: “توجهنا كوفد إلى مديرية الصحة للاستفسار عن وضعنا، وكان الرد من الشؤون القانونية أنه لا توجد أي توصيات أو توجيهات بشأن المفصولين”.
كما أشار إلى أنهم التقوا بمدير الصحة السابق في درعا، وطلبوا تسجيل أسمائهم وبياناتهم على أمل إيجاد حل، إلا أن الرد كان مشابهًا: “لا توجد أي أوامر أو تعليمات بخصوصكم”. موضحاً: “تم تعيين مدير صحة جديد قبل فترة وجيزة، ونحن ننتظر الاجتماع معه”.
يؤكد الممرض ذاته أنهم لم يلمسوا أي مبادرة حكومية تعكس نية جدية لمعالجة أوضاعهم، رغم أن أغلب المشافي الميدانية اعتمدت عليهم لسنوات. مضيفاً: “فكرنا بالتوجه لمقابلة وزير الصحة، لكن قيل لنا إن الأمر ليس بيده وحده، بل يخص جميع الوزارات. لذلك، ما زلنا ننتظر تحركاً رسمياً يعيد لنا حقوقنا”.
يتابع: “نعلم أن الدولة تبدأ من جديد والحكومة تمر بمرحلة إعادة هيكلة، ولكن لا يمكن أن نبقى منتظرين طويلاً. لدينا خبرة كبيرة، وبعضنا خدم في القطاع الصحي لعشر سنوات أو أكثر، واليوم يعملون في مهن بعيدة تماماً عن تخصصاتهم، مثل العمل في المزارع أو في أعمال البناء أحياناً، رغم أنهم معتقلون سابقون أو مصابون في الثورة. فهل يُعقل أن تضيع حقوق هؤلاء؟”.
اقرأ أيضاً: الصحة في درعا: بين مناشدات لإعادة المفصولين ورفض فصل القائمين على عملهم
المدرسون المفصولون: قطاع بحاجة ماسّة إليهم
المعاناة ذاتها يعيشها المدرسون المفصولون، إذ يشير أحدهم في حديثه مع مراسل درعا 24، وهو مدرس ذو خبرة تتجاوز 15 عاماً، إلى أن العودة إلى عمله تبدو حتى الآن مجرد وعود غير مضمونة. يقول: “قطاع التعليم بحاجة إلينا، خاصة بعد موجات التسرّب الكبيرة التي شهدها خلال السنوات الماضية. ورغم ذلك، لا تزال عودتنا معلّقة بلا حلول واضحة”.
يوضح أن الكثير من المدرسين المفصولين اضطروا للعمل في مجالات أخرى، رغم امتلاكهم خبرات طويلة في التعليم، مؤكداً أن إعادة الكوادر المفصولة يمكن أن تساهم في سد العجز الكبير في المدارس وتحسين مستوى التعليم.
يواجه قطاع التعليم في درعا، كما في العديد من المناطق الأخرى في البلاد، أزمةً حقيقيةً تتمثل في نقص أعداد المعلمين، نتيجة عمليات الفصل خلال السنوات الماضية أو هجرة المدرسين أو البحث عن فرص عمل بديلة ذات مردود مالي أفضل. ورغم المحاولات لسدّ هذا الفراغ عبر التعاقد مع طلاب جامعيين أحياناً، إلا أن قلة الخبرة وضعف التأهيل التربوي لديهم، ما زال ينعكس سلباً على جودة التعليم.
مدير التربية في محافظة درعا “محمد الكفري، أبو ثابت” وخلال جولته على مراكز امتحانية قال في مقابلة تلفزيونية أكد وجود نقص في الكوادر التدريسية، ونقص في المؤهلات العلمية للكوادر الموجود، وأن في المحافظة ما يقارب 19 ألف و200 معلم ومعلمة، وفقط الذين داخل الملاك بعقود ثابتة لا يصل إلى 9 آلاف، وأن معظم المدرسين هم من خارج الملاك، وقال: “نحن بحاجة إلى مسابقات لتثبيت المدرسين وتأمين فرص عمل لهم، ونتمنى أن تكون بخطة الوزارة استقطاب الكوادر من أجل النهوض بالعملية التعليمية”.
اقرأ أيضاً: عودة الموظفين المفصولين إلى الدوائر الحكومية ما زالت في دوامة الموافقات الأمنية منذ أعوام!
تعاميم حكومية
في 3 يناير، أصدرت وزارة التنمية الإدارية في حكومة تسيير الأعمال تعميمين يطالبان الموظفين المفصولين بسبب مشاركتهم في الثورة السورية بالتسجيل عبر روابط إلكترونية مخصصة. شمل التعميم الأول جميع العاملين في الوزارات والجهات العامة، بينما اختص الثاني بالعاملين في وزارة التعليم العالي، بهدف إعادة دراسة أوضاعهم الوظيفية وإمكانية إعادتهم للعمل.
لاقت هذه الخطوة بدايةً قبولاً، حيث تسهم في إعادة هيكلة المؤسسات العامة ومعالجة الملفات العالقة للموظفين المفصولين. ورغم الترحيب بهذه المبادرة، يترقب الموظفون المفصولون مدى جدية ذلك في إعادتهم إلى أعمالهم على أرض الواقع.
تبقى فئات واسعة من الموظفين المفصولين في درعا وسوريا عامة، تنتظر أن تتحقق الوعود بعودتهم إلى وظائفهم، في ظل قطاع حكومي هش يعاني من مشاكل عدة خلفها النظام البائد، بدءاً من ضعف الكفاءة في المؤسسات، مروراً بالترهل الإداري، وصولاً إلى وجود أعداد كبيرة من الموظفين دون أعمال حقيقية لهم. هذا بالإضافة إلى ضعف الرواتب وتأخر تلقيها، وعدم تحقيق الزيادة الموعودة، فضلاً عن العديد من المشكلات الأخرى التي تزداد تعقيداً.
الرابط: https://daraa24.org/?p=48319