بداية أحداث درعا 2011

انطلقت في مثل هذا اليوم 18 آذار / مارس من العام 2011 احتجاجات شعبية سلمية في درعا، طالبت بالإفراج عن أطفال تم اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية آنذاك، على خلفية كتابتهم عبارات ضد رأس السلطة في سوريا، متأثرين بمظاهرات الربيع العربي في بلدان عربية أخرى كمصر وتونس، ومازال الأمن السوري ينفي اعتقال الأطفال طوال الفترة الماضية، إلى أن اعترف بذلك «رستم غزالي» أحد المسؤولين بالأجهزة الأمنية أنذاك عبر شريط مصوَّر مُسرَّب يمكنكم مشاهدته من خلال الرابط التالي:

«رستم غزالي» يتحدث عن اعتقال أطفال درعا في العام 2011

شريط مصوَّر تم تسريبه مؤخرا يتحدث فيه «رستم الغزالي» رذيس الأمن السياسي أنذاك عن بداية الإحتجاجات- من صفحة الصحفي السوري نضال معلوف

 وقد كان لذلك اليوم أثراً ما زال ينعكس بحلوه ومرّه على الواقع اليومي في محافظة درعا وفي عموم الأراضي السورية.

 قابلت الأجهزة الأمنية المظاهرات في العام 2011 – التي اعترف بسلميتها العديد من المسؤولين في سوريا -، بالحديد والنار، لتبدأ معها معاناة طويلة من التشرد والنزوح واللجوء في مختلف أرجاء العالم. حيث فرضت السلطات السورية حصاراً خانقاً على درعا وقطعت عنها الكهرباء والمياه والاتصالات، وعملت على شنّ حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من أبناء المحافظة، مما أجج الغضب في عموم المنطقة لتتصاعد بعدها المظاهرات وتتحول الى حدث يومي يسقط فيه العديد من القتلى ليس في درعا وحسب بل في جميع أنحاء سوريا.

وداعاً للسلمية: استخدام القوة حوّل المسار

 ‏لجأت السلطات منذ البداية إلى استخدام القوة في إخماد الاحتجاجات الشعبية السلمية، وإطلاق النار على المتظاهرين وقتل العديد منهم، وكان ذلك الفعل من أحد الأسباب في تحوّل هذه الاحتجاجات إلى العمل المسلح احتجاجاً على كل الإجراءات التعسفية بحق الأهالي، حيث انشق عن الجيش العديد من الجنود والضباط، الذين شكلوا فيما بعد عصب الجيش الحر، الذي تمكّن بعد عدة معارك في مواجهة الجيش والأجهزة الأمنية، من السيطرة على العديد من القرى بدءاً من الأرياف وصولاً إلى معظم مناطق المحافظة.

  ‏ونتيجة لتدخل العديد من الدول في الملف السوري، وتشكيل العديد من الفصائل (مختلفة الولاءات والتوجهات) ولكل منها أجندتها التي تنفذ فيها أوامر ومصالح الدول الداعمة لها، ساهم هذا إضافةً إلى تدخل روسيا وإيران، في تحويل سوريا إلى ساحة للصراع بين مختلف الدول، كما ساهم النظام في سوريا بتأجيج هذا الصرع من خلال الإفراج عن حوالي 1500 معتقل من سجن صيدنايا بموجب عفو رئاسي، أغلبهم كانوا من توجهات إسلامية متشددة، وقد استخدمهم لاحقًا لتنفيذ أجندته الخاصة.

وكان لدخول روسيا في العام 2015 ووقوفها بجانب السلطات في سوريا، واستخدامها سلاح الطيران، وقصف العديد من المواقع العسكرية والأحياء السكنية، السبب الأول في قدرة هذه السلطات على إعادة فرض السيطرة على بعض المواقع في سوريا بما فيها بعض المناطق في درعا، مما جعل المحافظة تشهد آنذاك حركة نزوح كبيرة، حيث لجأت أعداد كبيرة من أهالي المحافظة نحو الأردن، فضلاً عن نزوح الآلاف داخل المحافظة، من قرية لأخرى، وباتجاه محافظات سوريا أخرى.

نقطة تحوّل في منتصف العام 2018

بدأت في العام 2018 حملة عسكرية شرسة على محافظة درعا، وتسببت هذه الحملة بنزوح 234 ألف شخص من المحافظة، وفق إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة في 11 من تموز 2018. وقد دعمت روسيا هذه الحملة بطيرانها بشكل مباشر، ثم فرضت الأخيرة شروطها ونفذت اتفاقية برعايتها كانت نقطة التحول بفرض سيطرة السلطات السورية على معظم أرض المحافظة، سُميتْ حينها اتفاقية التسوية والمصالحة، نصّت الاتفاقية على عدّة بنود منها: إجراء تسويات للعاملين في الفصائل المحلية أو ترحيل من يرفضون هذه التسوية باتجاه الشمال السوري، ونصت الاتفاقية أيضًا على تسليم الأسلحة الثقيلة

والمتوسطة، وتسليم المعابر الحدودية للقوات التابعة للحكومة، والسماح بدخول دوائر الدولة ومؤسساتها إلى المناطق التي كانت خارج السيطرة قبل ذلك، وعودة الموظفين الى وظائفهم، والافراج عن معتقلي محافظة درعا، ووقف كافة الملاحقات والاعتقالات الأمنية للمطلوبين وسحب الجيش إلى ثكناته.

بقيت هذه البنود حبرًا على ورق، حيث لم يُطبّق العديد منها على ارض الواقع، وتنصلت السلطات وروسيا من جميع الوعود التي تم قطعها، ولم يتم تقديم أي بادرة حسن نية للأهالي، ولم يتم الإفراج عن أي معتقل، بل تم تجاهل كل ما تم الاتفاق عليه، وتحولت المنطقة إلى غابة، ومسرح لتجارة المخدرات، وبيئة خصبة لعمليات الخطف والاغتيال.

تكرار التسويات لم يُغير المشهد

 تكررت عمليات التسوية في العديد من المناطق منذ العام 2018، ولكن جرت تسويات في مطلع أيلول / سبتمبر 2021 شملت كافة المناطق في محافظة درعا باستثناء مدينة بصرى الشام معقل اللواء الثامن، كانت هذه التسوية عبارة عن نسخة مكررة لاتفاقية التسوية في 2018، ولكن تم فيها تسليم ما يقارب خمسة آلاف قطعة سلاح خفيف. لم تُسهم هذه التسوية ولا غيرها في تحسين الواقع الأمني أو المعيشي في محافظة درعا.

إقرأ أيضًا: التسويات في محافظة درعا، هل ستُغير الواقع الأمني في المحافظة أم هي عبارة عن تبادل نفوذ؟

حاضر ومستقبل محافظة درعا

يقول أحد وجهاء محافظة درعا في تصريح لمراسل درعا 24 بأن ما تشهده المحافظة اليوم هو أزمة حقيقية، ليست في طور التراجع، وليس هناك ما يدعو للتفاؤل، فقد أصبحت محافظة درعا مسرحاً لتصفية الحسابات، وساحة لاكتساب النقاط، بين العديد من القوى الإقليمية والدولية، فبعد إحدى عشرة سنة من بدء الانتفاضة السلمية المطالبة بالحرية، أصبح الوضع في المنطقة أسوء من أي وقت مضى، نتيجة حالة الفلتان الأمني الذي تعيشه المحافظة.

يوضح: «ما يزال مستقبل محافظة درعا اليوم غامضاً وخطيراً في آن واحد، فمنذ اتفاقية التسوية التي حصلت منتصف عام 2018، لم تنعم محافظة درعا بالاستقرار الحقيقي، ومع تردٍّ كبير في الواقع الخدمي فالضعف لا يزال يعتري كافة القطاعات الخدمية والتعليمية والاقتصادية، مع انتشار كبير للفساد الأمني والمؤسساتي والخدمي، ويتجلى ذلك بشكل كبير في أزمة الكهرباء والماء والخبز، والتي ضاعفت من معاناة الأهالي».

في حين يؤكد بأنّ التسويات لم تنجح ببسط الأمن والأمان على المنطقة، بل على العكس زادت عمليات الاغتيالات بشكل كبير، من أجل تصفية كل الشخصيات المعارضة، لتواجد إيران في المنطقة، وجرائم السطو المسلح والخطف، ومن يتحمل مسؤولية هذه الحالة من الفوضى التي تعيشها درعا اليوم، هو من يدّعي سيطرته عليها، أي هو السلطات في سوريا، يقول: «مع غياب تام لأي بادرة أمل ‏بعودة الأمان، والاستقرار للمنطقة».

 ‏جديرٌ بالذكر أنّ ‏ حالة  الفلتان الأمني في محافظة درعا تسببت بأزمة إنسانية كبيرة، أصابت آلاف ‏المدنيين، هذا وقد عانى الأهالي الأمرّين جراء الأزمات المتتالية الاقتصادية والمالية والوبائية والأمنية، التي تشهدها ‏المنطقة، وتضافرت كل تلك العوامل والأزمات معاً، لزيادة منسوب الفقر، وهجرة آلاف الشباب من أبناء درعا ‏هرباً من الاعتقال والالتحاق بالخدمة العسكرية، فضلاً عن سوء الأوضاع المعيشية، فجميع الاحتمالات التي قد تؤدي الى شكل من أشكال الاستقرار غير ‏قابلة للتحقق في درعا، ويبقى الاحتمال الأكثر رجوحاً هو انتشار الفوضى وعدم الاستقرار.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=18713

Similar Posts