لا تزال محافظة درعا لا تعرف الاستقرار، يتأرجح المشهد باستمرار بين انفلات داخلي عنوانه الاغتيالات والنزاعات المحلية ومخلفات الحرب، وبين قلق الأهالي من تحركات الاحتلال الإسرائيلي وطائراته التي تحلّق في الأجواء، إضافةً التوغلات المتكررة في بعض بلدات حوض اليرموك.
اغتيالات شبه يومية ومخلفات حربية
لم تكن اتفاقية التسوية والمصالحة التي فرضتها السلطات عام 2018 محطةً للسلام كما رُوّج لها في ذلك الوقت. فمنذ ذلك الحين وحتى سقوط النظام أواخر 2024، ظلّت الفوضى الأمنية جزءاً من الحياة اليومية. حيث لا يزال إطلاق النار في شوارع المدن والبلدات، مشهدًا مألوفًا.
وثّقت شبكة درعا 24 خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي وحده، مقتل ما لا يقل عن 27 شخصًا، بينهم 20 مدنيًا، إضافة إلى إصابة 21 آخرين، بينهم 18 مدنيًا. وقد تنوعت الأسباب بين انفجارات ألغام وقذائف قديمة، اشتباكات محلية، وعمليات اغتيال منظمة.
كان من بين الضحايا طفلان ويافعان قضوا في ثلاثة انفجارات منفصلة لمخلفات الحرب في الريف الشرقي. فيما استمرت الاغتيالات بأسلوب متكرر عبر دراجات نارية مجهولة الهوية، استهدفت أحد الوجهاء ومحامٍ وشبانًا، وكان الريف الشرقي الأكثر دموية (11 قتيلًا)، تلاه الشمالي (8 قتلى)، ثم الغربي (4)، الأوسط (3)، ومدينة درعا (قتيل واحد).
يقول أبو فراس، مزارع من الريف الشرقي:
“كل خطوة بالسهول ممكن تفجّر لغم. الضحايا أغلبهم أطفال أو فلاحون بعملهم”.
ويضيف شاب من مدينة طفس:
“صرنا متعودين نسمع صوت رصاص أو خبر اغتيال. صار شيء عادي رغم مرارته”.

اقرأ أيضاً: درعا خلال أيلول 2025: 27 قتيلاً و21 مصابًا, توثيق الانتهاكات في محافظة درعا
التحرّكات الإسرائيلية مصدر قلق
في موازاة الفوضى الأمنية، تعيش قرى حوض اليرموك على وقع توغلات إسرائيلية متكررة. خلال الأشهر الأخيرة دخلت قوات الاحتلال إلى قرى عابدين وكويا ومعرية وصيصون، عبر أرتال من سيارات الدفع الرباعي بعضها ينطلق من قواعد داخل الجولان وأخرى من ثكنة الجزيرة التي حوّلها الاحتلال إلى قاعدة عسكرية بعد سقوط النظام.
يصف محمد عامر أحد سكان قرية معرية، كيف يستيقظون أحيانًا ليجدوا الجنود عند أبواب بيوتهم: “يدخلون فجأة إلى القرية، يضعون حواجز مؤقتة، يفتشون المارّين، واقتحموا منازل أكثر من مرة”.
في إحدى العمليات، تمركزت آليات الاحتلال في وسط بلدة صيصون وانتشرت قرب قرية جملة، حيث جرت عمليات تفتيش داخل الأحياء السكنية. وفي أخرى، أقامت القوات حاجزين في محيط بلدة كويا، أحدهما قرب بئر المياه والآخر عند أطراف العارضة، بينما كانت الطائرات المسيّرة تحلق في السماء.
ترصد درعا 24 بشكل شبه يومي التحليق الكثيف للطيران الحربي والمروحي والاستطلاعي فوق محافظتي درعا والقنيطرة.
يترك هذا الواقع أثراً كبيراً على جميع الأهالي في المناطق الحدودية، ويظهر أثره جلياً على مئات الفلاحين في بلدات حوض اليرموك، الذين مُنعوا من الوصول إلى أراضيهم، ما يعني خسارة محاصيل واسعة في وقت شهد العام الماضي موجة جفاف غير مسبوقة.
يعلق أحد المزارعين من قرية كويا: “كل توغل إسرائيلي يعني أننا نخسر أرضنا ومحصولنا. الناس صارت تخاف حتى تنزل تشتغل بحقولها”.
اقرأ أيضاً: سكّان قرية معرية تحت وطأة التواجد العسكري الإسرائيلي: معاناة وصوت غير مسموع
مخاوف من الاتفاقات الأمنية
على الصعيد السياسي، أعرب الرئيس أحمد الشرع من نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة، عن أمله في التوصل إلى اتفاق أمني يحفظ سيادة سوريا ويزيل المخاوف الأمنية لدى إسرائيل، مؤكدًا عدم وجود أي مسار تطبيع للعلاقات.
يُبدي ناشطون من أبناء قلقاً واضحاً، يقول أحدهم: “أي اتفاق أمني بيصير على حسابنا. درعا والقنيطرة هنن خط التماس، وأبناء المنطقة هم أول المتضررين”.
ويشدد العديد من الناشطين أن أبناء درعا والقنيطرة هم الطرف الأكثر تضررًا من أي تفاهم أمني مرتقب، لذلك لا يمكن أن يبقوا خارج دائرة القرار، ويلفتون إلى أن الاتفاقات تجري دون أن يُستشار ممثلون حقيقيون عن المنطقة الجنوبية، وهو ما يثير قلق الأهالي الذين يشعرون أنهم مجرد متفرجين على اتفاق سيحدد مصيرهم.
تختصر أم محمد من بلدات الريف الغربي: “العيشة صارت بين نارين، الخوف من اغتيال أو انفجار، وخوف ثاني من الطيران الإسرائيلي فوق روسنا”.
تبقى الأهالي في درعا عالقة بين الفوضى الأمنية والانفجارات العشوائية من جهة، والتوغلات الإسرائيلية من جهة أخرى. فيما ينتظرون حلولًا تُشركهم في تقرير مصيرهم بدل من البقاء رهائن لمعادلات تُصاغ فوق أرضهم.
اقرأ أيضاً: الوجود الإسرائيلي يهدد المواسم الزراعية في حوض اليرموك غربي درعا
الرابط: https://daraa24.org/?p=54150