درعا عطشى: أزمة مياه تضرب المدن والبلدات بسبب هشاشة البنية التحتية وتفاقم التعديات على الشبكات، بين شحّ الآبار القديمة وارتفاع أسعار الصهاريج
مشهد من نوى
تصطف منذ الصباح الباكر خمسة صهاريج بجانب بئر لتعبئة مياه الشرب في مدينة نوى غربي درعا. يعرف السائقون أن الانتظار سوف يطول ويطول وربما حتى المساء، لكنهم لا يملكون خيارًا آخر؛ عملية الضخّ ضعيفة تحتاج ساعات لتجميع كمية تكفي لتعبئة خزان واحد.
يقول أحد سائقي الصهاريج: «نقضي النهار كله على أمل أن نملأ الصهريج، بينما الأهالي في البيوت ينتظرون نقطة ماء.»
درعا عطشى و أزمة المياه تتسع
في مدينة نوى، كما في أحياء مدينة درعا ومدن وبلدات تسيل والشجرة وبصرى الشام وصماد وغالبية مناطق المحافظة، بلغ شحّ مياه الشرب مستويات مقلقة. ورغم بعض الجهود المحلية المحدودة لتحسين الوضع، فإنها لم تحقق أثرًا ملموسًا على الأرض. ويضطر الأهالي لشراء صهاريج مياه بأسعار تصل إلى 150 ألف ليرة سورية للنقلة الواحدة، فيما يحتاج المنزل الواحد بين ثلاث وأربع نقلات شهريًا، وهو ما يفوق قدرة معظم الأسر.
لا يختلف المشهد كثيرًا في حي طريق السد والمخيمات بمدينة درعا، حيث تصل فترة التقنين عبر شبكة المياه الرئيسية إلى أسبوع، بينما هناك مناطق لم تصلها المياه منذ شهر كامل، ما يدفع السكان للاعتماد على الصهاريج بأسعار مرتفعة. وفي بصرى الشام، بعض الأحياء لا تحصل إلا على متر مكعب واحد كل 20 يومًا، في ظل جفاف الآبار وتلف الشبكات.
اعتداءات على خطوط المياه الرئيسية
تتكرر الشكاوى التي تصل إلى شبكة درعا 24 حول الاعتداءات المتكررة على خطوط المياه، مثل خط الأشعري الذي يُغذّي العديد من مدن وبلدات المحافظة، وخط الثورة، والخط المغذي لمدينة جاسم، والخط الواصل من القنية إلى الصنمين، وخط عين ذكر لحوض اليرموك، وغيرها.
بحسب مراسلي درعا 24 فإن هذه التعديات على خطوط الدفع تتم لسقاية المزروعات أو تزويد منازل غير مشتركين. ففي مدينة جاسم، يشتكي السكان من أشخاص يسحبون المياه من الخط الرئيسي لري أراضيهم، ما يحرم الأهالي من حصتهم، ورغم الشكاوى الموجهة للمخفر وللجهات المعنية في المدينة، إلا أنها لم تتحرك أي جهة، بحسب الأهالي.
يقول أحد أبناء مدينة جاسم: «الذين يعتدون على الخط الرئيسي ويسرقون المياه للمزارع، مدعومين ولهم نفوذ واسع، ولا أحد يجرؤ على منعهم أو محاسبتهم.»
وفي حي المفطرة بمدينة درعا، تلقت درعا 24 شكوى من الأهالي بعد انقطاع المياه بشكل كامل منذ 15 يوماً، وقبل ذلك كان الضخ ضعيفاً أيضاً، مرجعين السبب إلى «التلاعب ببوابات المياه»، بحيث تصل المياه قوية لبعض المنازل وضعيفة جداً لغيرها.
إقرأ أيضاً: أكثر من ألف نسمة بلا خدمات… والمياه مقطوعة منذ ثلاث سنوات
أما في قرى حوض اليرموك، يعتمد السكان في الغالب على مياه عين ذكر، التي تدهور وضعها بسبب الآبار غير المرخصة على مجراها، إضافةً إلى اعتماد بعض القرى على مياه عين غزالة التي انخفض منسوبها أيضًا نتيجة الحفر العشوائي. ويشتكي الأهالي من قيام بعض المناوبين في بعض المحطات بقطع الكهرباء عن المضخات لساعات متواصلة، بحجج وُصفت بأنها غير مبررة، بهدف إيصال المياه للمزارعين على حساب مياه الشرب للأهالي، وهي ممارسة قالوا إنها متعمدة ومتكررة.
من قرية نافعة في واجهة حوض اليرموك، تلقت درعا 24 عدة شكاوى من السكّان، حول شح حاد في مياه الشرب رغم وقوعها بين المنبعين الرئيسيين في الحوض، عين ذكر وعين غزالة، وقد دُمّرت كل خزانات تجميع المياه فيها خلال معارك النظام السابق للسيطرة على المنطقة في العام 2018.
يقول أحد السكان: «نحرم من المياه لأن هناك مَن قرر أن يسقي أرضه أولًا.»
اعتداءات على الخطوط الرئيسية
يؤكد السكّان في الشكاوى التي أرسلوها للشبكة، أن مشكلتهم فضلاً عن نقص المياه العام في المنطقة هي حرمانهم من حصتهم، حيث تُغلق بوابات المياه في أيام الدور المخصصة لقرية نافعة، ما يحوّل التدفق إلى بلدات أخرى أو إلى الأودية لري المزروعات والمواشي. ويؤكدون أن الخطوط التي تنقل المياه متهالكة وفيها كسور وتعديات، بعضها يُستغل لسقاية الأراضي الزراعية على طول المسار، في ظل غياب الصيانة والرقابة. وأكد الأهالي أن المشكلة لا تقتصر على نافعة وحدها، بل تمتد إلى معظم مناطق حوض اليرموك.
وثّق بعض المواطنين هذه الانتهاكات عبر مقاطع مصوّرة بما في ذلك التعديات داخل محطات الضخ، وأبدوا استعدادهم لتقديمها للجهات المختصة، مطالبين المحافظ ومدير مؤسسة المياه بالتدخل العاجل لضمان وصول المياه بعدالة إلى جميع قرى حوض اليرموك.
إقرأ أيضاً: درعا في مواجهة الجفاف: الأمن المائي والزراعي في خطر
تعليق رسمي على حول حجم التعديات
قال مدير مؤسسة المياه في درعا، المهندس رياض المسالمة، الذي تم تعيينه حديثاً، إن المحافظة تمر بظروف استثنائية وصعبة في تأمين مياه الشرب، خصوصًا مع تراجع غزارة مشروع مياه الأشعري الذي يعد المصدر الرئيسي لتزويد مدينة درعا وعدد من البلدات المجاورة.
وأضاف أن المشروع يضخ حاليًا نحو 1200 متر مكعب يوميًا وهو يكفي حاجة المناطق، لكن الضياع المائي يصل إلى ما بين 500 و600 متر مكعب، معظمها نتيجة الاستخدام غير المشروع لري المزروعات، ما يقلل الكمية المتاحة للشرب إلى نحو 650–700 متر مكعب فقط مما يسبب الأزمة الحالية.
وتغذي هذه الكمية مدينة درعا وبلدات داعل واليادودة وطفس، ويتم الضخ لمدة لا تتجاوز 7 ساعات يوميًا قبل أن يتوقف بسبب انخفاض المنسوب الوارد إلى الخزانات. وأكد المهندس المسالمة أن فرق العمل تتابع الواقع المائي بشكل يومي وتسعى لتحسين الإمدادات قدر المستطاع، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع المياه في المحافظة.
وأمام تصاعد الشكاوى، وجّهت المحافظة عدة بلاغات تحذر من التعديات على شبكات المياه، كان آخرها إعلانٌ بخصوص خط الثورة لضخ مياه الشرب، منحت فيه أصحاب التعديات مهلة حتى 15 آب/أغسطس 2025 لإزالتها، مع التأكيد على أن من يضبط بعد انتهاء المهلة سيعرض نفسه للمساءلة القانونية. ودعت المحافظة الأهالي إلى الإبلاغ عن أي تعديات عبر رقم مخصص، مشددة على أن التعاون المشترك يضمن وصول المياه للجميع بعدالة وكفاءة.
وقالت مؤسسة مياه درعا أيضاً في أكثر من بيان، أنها نفذت حملات لإزالة عشرات التعديات في اليادودة وخربة غزالة وأحياء أخرى، مع قطع المياه عن المخالفين وتحويلهم للقضاء، إضافة إلى دعوات لترشيد الاستهلاك.
أسباب متشابكة لأزمة المياه
تتقاطع شهادات الأهالي مع تقارير مؤسسة مياه الشرب في درعا، لتكشف عن أسباب متعددة لهذه الأزمة، وأحدها هو التعديات على الخطوط الرئيسية، ولكن أهمها هو جفاف الكثير من الآبار وضعف الكميات التي تضخّها الآبار القائمة.
ويحذر مختصون من أن المحافظة تقترب من حافة الجفاف شبه الكامل، في ظل تراجع غير مسبوق في معدلات الأمطار وجفاف العديد من الينابيع والسدود. فقد بلغ معدل الهطول المطري هذا العام نحو 113 ملم فقط، بانخفاض يقارب 60% مقارنة بالعام الماضي، ما تسبب في خسائر واسعة للأراضي الزراعية، وخاصة القمح والزيتون والعنب. كما أدى الجفاف إلى جفاف أو انخفاض كبير في مستوى المياه في سدود رئيسية مثل سد سحم الجولان وتسيل وعدوان، وهي مصادر كانت تُستخدم للري وتغذية بعض المناطق مائيًا.
وتشير التقديرات الرسمية إلى وجود أكثر من 20 ألف بئر مخالفة في المحافظة، حُفرت في ظل غياب الرقابة خلال سنوات الحرب، ما ساهم في استنزاف واسع للمياه الجوفية وجفاف بحيرات وينابيع مهمة مثل مزيريب، زيزون، العجمي، نبع الساخنة، والفوار في المنطقة الغربية. ويؤكد خبراء أن استمرار هذا الاستنزاف، إلى جانب قلة الهطولات والعوامل المناخية الأخرى، يهدد ما تبقى من الأمن المائي في الجنوب السوري.
إقرأ أيضاً: فيديو يوثق سرقة مياه من الشبكة وبيعها في حي الضاحية بدرعا.
إقرأ أيضاً: إنهاء تكليف مدير مؤسسة المياه في درعا
محاولات للإنقاذ
وسط هذا المشهد المعقد، تبرز مبادرات محلية لمحاولة التخفيف من حدة الأزمة. ففي درعا البلد، جرى تنفيذ مشروع إعادة تأهيل وتجهيز بئر الخشابي بتمويل من أحد المتبرعين، بهدف تحسين واقع مياه الشرب وزيادة كميات الضخ للأحياء السكنية.
خربة غزالة
وفي بلدة خربة غزالة بريف درعا الشرقي، أطلقت لجنة شعبية تضم ممثلين عن مختلف عائلات البلدة حملة لجمع التبرعات لحفر أربعة إلى خمسة آبار جديدة بعمق يتراوح بين 190 و200 متر، بعد أن أدى جفاف بعض الآبار القديمة إلى أزمة حادة في مياه الشرب. وتبلغ تكلفة البئر الواحد نحو 300 مليون ليرة سورية، بإجمالي يقارب مليارًا ونصف المليار ليرة، ويعتمد المشروع كليًا على تبرعات الأهالي في الداخل والخارج.
تسيل
في بلدة تسيل كان هناك مبادرة مشابهة لحفر بئرين بعد جفاف معظم الآبار، وفي بلدات ومدن عدّة يحاول الأهالي إنقاذ أنفسهم من شبح العطش. ولكن هذه المبادرات، المحدودة في إمكانياتها، لا تُشكل حلولاً جذرية، لأن الشبكات متعطّلة، وإصلاحها وحفر الآبار يحتاج إلى قوة حكومية، لا إلى تبرعات الأهالي وفزعاتهم.
كويا
وفي قرية كويا بريف درعا الغربي، دُشّن بئر مياه قديم جرى تجهيزه حديثًا بالطاقة الشمسية عبر تبرع من أحد أبناء درعا، وهو المصدر الوحيد لمياه الشرب في القرية، وذلك بحضور مدير منطقة درعا وعدد من المسؤولين المحليين.
الرابط: https://daraa24.org/?p=52482