ما يزال الضباطُ المتقاعدون قبل عام 2011 يواجهون مشكلة انقطاع رواتبهم منذ سنوات طويلة، بعضها متوقّف منذ 2014 و2015. وخلال الأشهر الماضية، اصطدم هؤلاء بسلسلةٍ من المماطلة الإدارية، فيما يوشك أن يكتمل العامُ الأول بعد تحرير سوريا دون أن تعود مستحقّاتهم إليهم.
حتى الآن لا توجد أي آلية واضحة تضمن إعادة حقوقهم أو تحديد موعد لاستئناف صرف الرواتب.
كيف انقطعت الرواتب؟
بعض الضباط المتقاعدين انقطعت رواتبهم بعد سقوط النظام ومنهم منذ سنوات طويلة، كما هو الحال مع العقيد فاروق الحوراني من مدينة طفس في ريف درعا الغربي، الذي يبلغ من العمر 72 عامًا، والمتقاعد منذ العام 2002، حيث كان راتبه كان يُصرف بشكل روتيني حتى عام 2015، حيث تم إيقافه دون إشعار سابق، لأن أجهزة النظام البائد حوّلتْ اسمه إلى محكمة الإرهاب ووجه له تُهم أمنية أخرى، وهو ما جعله عاجزًا عن تنفيذ أي إجراءٍ لاسترجاعه.
يقول في حديثه مع شبكة درعا 24:
“وصلتُ إلى مرحلة لم يعد بيتي أي شيء. زوجتي توفيت بمرض قلب، سببه قذيفة روسية سقطت باب المنزل، وتزوجت من جديد، ولدي الآن أولاد صغار… ولا يوجد أي دخل. الراتب التقاعدي كان المصدر الوحيد”.
يعمل العقيد المتقاعد اليوم في بيع الفلين والكرتون لتأمين دخله، ويرفع صوته قليلاً عندما يتحدث عن الظلم الذي وقع عليه. مؤكداً:
“النظام البائد حرمني من الراتب لأني شاركت بالثورة وحملتُ السلاح واليوم ما أزال محروم من راتبي التقاعدي والدولة الجديدة تنظر إلينا ولا تفعل شيئًا. مضى عام كامل على النصر”.
ضابطٌ متقاعد آخر، يروي قصة مشابهة، لكن راتبه انقطع في العام 2017. فبعد سنوات من صرف راتبه عبر المصرف التجاري السوري في درعا من الصرّاف الآلي تفاجأ برسالة “لا يوجد رصيد”. وعند مراجعته للبنك، قيل له:
“راتبك مقطوع… راجع التأمين والمعاشات في دمشق، هناك جاءه الجواب ذاته الذي سمعه كثيرون: الانقطاع لأسباب أمنية”.
قدمَ طلبًا لإعادة الراتب وبعد شهر واحد عاد الطلب مرفوضًا.
يشير الضابط إلى أن الراتب التقاعدي لم يكن يغطي تكاليف المعيشة، لكنه كان يساعد أسرته على تدبير الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية:
“هو حقي… حقي الشخصي. لم يُعطِنا أحد من جيبه شيئًا”.
سبب عدم عودة الرواتب هي “غياب التوجيهات”
حاول العقيد المتقاعد التواصل مع الإدارة العامة للتأمينات والمعاشات بعد سقوط النظام، راسل المدير العام في درعا، ويعرض ردوده الصوتية بينما يتحدث مع مراسل درعا 24 ويسمعه صوته، وبدوره يتحدث المدير بلباقة معتذراً من المتقاعد المسنّ ويخبره عبر تسجيلات صوتية أن هناك لجنة تم تشكيلها لمسألة رواتب الضباط المتقاعدين قبل العام 2011. ويكون الرد في النهاية:
“اللجنة رفعت الدراسة… ونحن بانتظار التوجيه من الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء”.
هذا “التوجيه” لم يصل حتى الآن، يقول العقيد:
“قضيت حياتي بالخدمة، ودُفع من راتبي ما يكفي لتأمين راتب تقاعدي. هذه أموالنا، وليست منّة. كيف يُترك متقاعدون في هذا العمر بلا راتب، هذا يعني أنهم بلا دواء ولا مورد؟”.
تأثيرات معيشية قاسية
يشير الضباط إلى أن رواتبهم كانت تُحتسب وفق القانون القديم، حيث لم يكن يتجاوز راتب أحدهم نهاية 2015 مبلغ 20–25 ألف ليرة سورية. لكن رغم ضعف المبلغ، كان يشكّل سندًا ولو صغيرًا. اليوم، أصبحت تلك المبالغ “لا تساوي ثمن سندويشة”.
يقول أحدهم:
“نحن لا نطالب بالمعجزة… فقط أن تُعاد حقوقنا، وأن يُحسب الراتب كما حُسب للذين بقوا واقفين مع النظام البائد ولم تُقطع رواتبهم”.
ما هي مطالب الضباط المتقاعدين؟
يتفق الضابطان في حديثهما لشبكة درعا 24 على ثلاث نقاط أساسية: أولها إعادة صرف الرواتب التقاعدية فورًا لمن قُطعت رواتبهم لأسباب أمنية في عهد النظام السابق، ثم تعويضهم عن المستحقات التي حُرِموا منها طوال السنوات الماضية.
كذلك يطالبون بإشراك ممثلين من الضباط المتقاعدين المحسوبين على الثورة في أي لجان أو مؤسسات تُعنى بشؤون المحاربين القدماء، لضمان معالجة ملفهم بشفافية.
ويختم أحدهم:
“نحن لا نريد سوى حقّنا… ومن واجب الحكومة الحالية أن تنصف من وقف مع أهله وبلده”.
الرابط: https://daraa24.org/?p=55641






