عمالة الأطفال

ازدادت ظاهرة عمالة الأطفال في سورية بشكل عام ومحافظة درعا بشكل خاص خلال السنوات الماضية مع التردي الكبير في الوضع الاقتصادي وسوء الأوضاع المعيشية وانعدام الامن الغذائي، وتدني مستوى دخل الفرد، مما دفع بالأطفال إلى اقتحام سوق العمل في سن مبكرة لمساعدة ذويهم بتحصيل لقمة العيش ومواجهة ظروف الحياة القاسية.

العمل من أجل الطعام وليس من أجل الحصول على مهنة أو حرفة 

 يواجه الأطفال في درعا وعموم سوريا أسوأ ما تمر به البلاد من أزمات، فقد دفع الفقر وتردي الوضع المعيشي العديد من الأسر لزج أبنائها إلى العمل والبحث عن مصادر دخل في بيئات مختلفة، من أجل تأمين ثمن الدواء ولقمة العيش، أمام ما تشهده الأسواق من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية.

 يقول الخبير الاقتصادي (عماد . ل من أبناء محافظة درعا): «هناك علاقة وطيدة بين الحالة الاقتصادية للأسرة وعمالة الأطفال، حيث أن الكثير من الأسر لم يعد باستطاعتها إطعام كل افرادها»، وأضاف: «أن محدودية الرواتب واشتداد ويلات الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة، كلها أمور دفعت بالأسر لإقحام أبنائهم في سوق العمل، وتحمّل المسؤولية من أجل تأمين بدل إيجار المنزل وكسرة الخبز، فهناك العديد من الأطفال يعملون لساعات طويلة في ظروف ليست ذات قيمة حقيقة، وليس من أجل الحصول على حرفة أو مهنة إنما يعملون فقط لتدبير دخل يفي بمتطلبات الأسر الأولية، فمعظم الأطفال يعملون بأجور متدنية للغاية، ويتعرّضون للاستغلال وسوء المعاملة وانتهاك الحقوق بشكل خطير ومقلق».

  وأكد الخبير أن «ارتفاع مستويات الفقر وضع عبئاً ثقيلاً على الأسرة والمجتمع، ودفع بالعديد من الأطفال إلى امتهان الكثير من المهن المضنية التي لا تناسب أعمارهم، في ظل غياب الدعم الدولي والحكومي لمواجهة هذه الظاهرة التي تحرم الأطفال من التعليم وتتطلب منهم تحمل أعباء شاقة لتحصيل لقمة العيش».

اقرأ أيضاً: عمالة الأطفال حرمان من البراءة وحقّ الحياة الكريمة

اقرأ أيضاً: أطفال سوريا لم يعرفوا خلال 10 سنوات سوى الحرب!

يقول (أبو سامر، 47 عاماً) إن لديه اسرة مكونة من 6 أفراد، ويعمل اثنان من أطفاله لمساعدته في تأمين مصاريف البيت، الأول عمره 11 سنة، يعمل في محل لبيع السلع والمواد الغذائية وتوصيل الطلبات للمنازل، مقابل أجر يومي وقدره 3000 ليرة سورية، بينما يعمل الآخر 13 عاماً في ورشة حدادة لصناعة الأبواب والشبابيك الحديدية، وهو يعمل طيلة اليوم مقابل مبلغ وقدره 5000 ليرة سورية.

 وأضاف أنه تمكن بفضل العمل الذي يقوم به أطفاله من تحسين مستواهم المعيشي قليلاً، وشراء الطعام والمستلزمات اليومية للعائلة، حيث أنه لم يعد بمقدوره وحده تأمين مصاريف البيت بسبب الغلاء الفاحش الذي يغزو الأسواق.

أسباب فاقمت الظاهرة

 حسب تقرير صادر عن منظمة اليونسف بين عامي 2019 و2020 فإن حوالي مليونين ونصف المليون طفل سوري متسربون من المدارس، و750 الف طفل سوري في الدول المجاورة لا يذهبون الى المدارس وسط غياب احصائيات دقيقة عمّن توجه منهم إلى سوق العمل، وفي آذار 2022 نشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف تقريراً بينت فيه أن أكثر من 6,5 مليون طفل في سوريا بحاجة للمساعدة.  

حول أسباب ازدياد هذه الظاهرة تقول (الناشطة الاجتماعية ألاء كريم): «لقد ازدادت عمالة الأطفال بشكل كبير وغير مسبوق بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وازدياد معدل الفقر الى أكثر من 90 % حسب تقديرات الأمم المتحدة، وقد كان لهذا الارتفاع أثر بالغ على فئة الأطفال بالتحديد، وفقدان مصادر الدخل والمعيل وغياب آليات حماية الأطفال، وعدم وجود مؤسسات تقدم الاهتمام والرعاية لهم وعدم اتخاذ الفاعلين في المجتمع، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني أي دور لمواجهة خطر هذه الظاهرة، ونتيجة هذه الأسباب نجد أن الأطفال  اليوم يدفعون ثمناً باهظاً يتمثل بتفاقم ظاهرة عمالة الأطفال، واتساعها بشكل مقلق وخطير».

ماذا تقول القوانين في سوريا؟

أكد مدير العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محمود دمراني لإذاعة ميلودي اف ام شبه الرسمية: «القانون لا يسمح بتشغيل الأطفال دون 15 سنة أو دون الحصول على شهادة التعليم الإلزامي، أما الأطفال فوق 15 حتى 18 فحدد شروط لعملهم، ومنع بعض الأعمال إطلاقا كالكيماويات والإسفلت والمقاهي والملاهي وغيرها».

 فيما اعتبر دمراني في حديثه أن عمالة الأطفال تنتشر في القطاع الخاص بصورة أكبر، ويغرم صاحب العمل في حال كان يشغّل طفلاً بمبلغ 50 ألف، كما أشار إلى وجود تعديل قريب سيرفع الغرامة لتصبح 200 ألف ليرة، لافتاً إلى أن بعض أصحاب العمل يشغلون الأطفال كون أناملهم طرية مناسبة لبعض الأعمال وأجورهم قليلة ويسهل التحكم بهم.

 كما أشار مدير العمل إلى أن القانون يحاسب الأهل من مبدأ قانون التعليم الإلزامي وينظم ضبط وتفرض غرامة 500 ليرة، أما في حال عدم الالتزام، فيؤكد بدوره المحامي بسام العطري إن العقوبة تصل للسجن، وأشار إلى أن عدد الأطفال في سوق العمل بلغ 630 ألف حسب دراسة أجريت عام 2009، لافتا إلى أن الأرقام ارتفعت خلال الحرب بسبب غياب المعيل والأزمة الاقتصادية.

عمالة الأطفال تهدد مستقبلهم

تشهد محافظة درعا تزايداً ملحوظاً في أعداد الأطفال المنخرطين في الأسواق والمحال التجارية والورش الميكانيكية وكثير من الحرف والمهن، ويعمل الكثير منهم في ظروف قاسية وصعبة لا تناسب أعمارهم ولا بنيتهم الجسدية، بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، مقابل أجر لا يكفي لسد احتياجاتهم اليومية. تقول (المرشدة الاجتماعية ليلى عيد) إن لعمالة الأطفال آثار اجتماعية وثقافية خطيرة، لأن ممارسة العمل في سن مبكرة ينعكس سلباً على حياة الأطفال الجسدية والنفسية والاجتماعية.

توضح المرشدة: “يعمل الأطفال في ظروف تنعدم فيها شروط الصحة والسلامة، وهذا يجعل الأطفال أكثر عرضة لمخاطر  تؤثر على صحتهم وحياتهم، ونموهم وتطورهم الجسدي والنفسي لأن الطفل غالباً ما يعمل في أشغال لا تتناسب مع قدرته البدنية وطاقته الجسدية، وهذا يؤدي إلى حرمان الطفل من حقوقه الأساسية ومن الحصول على مستقبل أفضل، هذا ويتعرض الأطفال في سوق العمل لسوء المعاملة من قبل رب العمل والتعنيف أيضاً، مما يجعلهم أكثر عرضة لتعلم سلوكيات غير حميدة كالتدخين وتعاطي المخدرات وبالتالي الانحراف، لذلك فعمالة الأطفال تعد من أخطر المشاكل التي تؤثر سلباً على الفرد والمجتمع”.

وتختم بالتأكيد على أهمية دور المجتمع والمنظمات الإنسانية في تشجيع الأطفال على الدراسة وتوفير احتياجاتهم وتقديم الدعم للأسر الفقيرة لمساعدتها على انتشال أطفالها من سوق العمل.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=25890

Similar Posts