عمالة الأطفال حرمان من البراءة وحقّ الحياة الكريمة
عمالة الأطفال حرمان من البراءة وحقّ الحياة الكريمة

لم يعد مشاهدة طفل يعمل في تصليح السيارات أو بيع المحروقات، أو يضع بسطته على قارعة الطريق، بالأمر الغريب أو حتى المستهجن، فقد أصبح مشهدًا مألوفًا، إلى حد بات يهدد فيه ثوابت المجتمع المحلي، ومنظومته الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، عبر استغلال حاجة الأطفال وعائلاتهم للعمل.

وتنتشر عمالة الأطفال في أكثر من مجال، كبيع المحروقات، والعمل في المحال التجارية، بالإضافة الى أعمال الميكانيك في صيانة السيارات، وأعمال البناء، والزراعة…، ويتقاضى معظم الأطفال مبالغ زهيدة مقابل عملهم، فأينما ولَّيت وجهك في شوارع محافظة درعا ومحلاتها، سنجد مظاهر الطفولة المُغيَّبة عن المدارس والمنتشرة في كل مكان، يعملون في ظروف قاهرة من أجل تامين لقمة العيش.

“أبو محمد” مواطنٌ من محافظة درعا، وهو أب لـ 6 أطفال وقد تحدث إلى درعا 24 حول الأسباب التي دفعته لإرسال أولاده الذكور للعمل قائلاً: لم أعد قادراً على تأمين كافة مستلزمات عائلتي اليومية والمتزايدة بشكل كبير، وقد اضطرني ذلك إلى دفع أطفالي الذكور للعمل في موسم الحصاد صيفاً، وقطاف الزيتون شتاءً.

إقرأ أيضًا: أطفال سوريا لم يعرفوا خلال 10 سنوات سوى الحرب!

ان قضية عمالة الأطفال ليست بجديدة على المجتمع السوري، ولكن ظروف الحرب التي شهدتها سوريا، والحصار الاقتصادي المفروض عليها، وانخفاض قيمة الليرة السورية، جعل منها مشهدًا يومياً في حياة أطفال يتجرعون مرارتها بكل قسوة، وساهم في خروج الأطفال من المدارس والتوجه إلى الورشات والمحلات والمعامل.

وقد كانت صحيفة تشرين الرسمية نشرت إحصائية قدرت عدد المتسولين في سوريا بشكل تقريبي قرابة 250 ألف متسول في مختلف المحافظات السورية، ويشكل الأطفال 10 % منهم أي ما يزيد على 25 ألف طفل. في حين ترتبط هذه الظاهرة ارتباطًا وثيقًا بالفقر والبطالة، وفُقدان المُعيل، وانهيار الوضع المعيشي، ممّا أجبر كثير من الأهالي على الدفع بأبنائهم الى سوق العمل، لتوفير ضرورات الحياة، وجاء وباء كورونا ليُعمّق مشكلة الأهالي الاقتصادية وليُساهم في خروج ظاهرة عمالة الأطفال عن السيطرة، ويزيد من نسبة الأطفال المتسولين بشكل كبير.

تقول أرملة من محافظة درعا، أمّ لثلاثة أطفال فضَّلت عدم ذكر اسمها، أنّها أُجبرت على دفع ابنها الأكبر البالغ من العمر عشر سنوات الى ترك المدرسة، والعمل في مهنة تصليح السيارات، اذ وجدت نفسها مجبرة على هذا الخيار الصعب وذلك لعدم وجود المعيل، فهو يساعدها في تأمين ضرورات العيش لعائلتها.

إقرأ أيضًا: أطفال سوريا ساحات العمل، بدلاً من مقاعد الدراسة

بعد عشر سنوات من الحرب في سوريا يحتاج أكثر من 90% من الأطفال إلى الدعم، وحسب أحد التقارير الصادرة عن منظمة اليونيسف بين عامي 2019 / 2020 فان قرابة مليونين ونصف المليون طفل سوري متسربون من المدارس، وسط غياب احصائيات واضحة عمن توجه منهم إلى سوق العمل.

 أحد الناشطين المدنيين قال: بأن ظاهرة عمالة الأطفال وتسربهم من المدارس لا تعود فقط الى الفقر والبطالة، التي تعاني منها أسرهم، بل أيضا الى جهل بعض أولياء أمورهم، فهناك نسبة كبيرة من الآباء ممن يريدون توريث أبنائهم المهن التي تعلموها من آبائهم وأجدادهم، ايمانًا منهم بأنّ التعليم لا يطعم خبزًا، حسب تعبير أحدهم.

آدم البالغ من العمر اثنتا عشرة سنة أصبح أب و أم لثلاثة أخوة له، بعد أن توفي والديه في منتصف عام 2018 في القصف الذي طال أحد مناطق محافظة درعا، لقد فرضت عليه الحياة أن يكبر ويتحمّل مسؤولية إخوته الأصغر منه سناً، وهو يعمل الآن ميكانيكي تصليح سيارات، لأن هذه المهنة تقدم له مردوداً جيداً حسب ما ذكر في حديثه لمراسل درعا 24، إضافةً إلى أنّه يطمع باكتساب الخبرة في العمل آملاً أن يتمكن في المستقبل من فتح محل خاص به.

مما يُشار إليه هو أنّ ما تشهده محافظة درعا اليوم ما هو إلا انعكاساً للواقع في جميع أنحاء سوريا، وتصعب الإحاطة بمدى تفشي هذه الظاهرة في المحافظة، والخروج بإحصائيات دقيقة حول أعداد الأطفال الذين ينخرطون في أعمال التي يجب منع الطفل من خوض غمارها، في وقتٍ تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية في سوريا، وهناك العديد من الأطفال يشاركون في أنشطة خطيرة عقلياً وجسدياً، تُحدّ من حقّهم الأساسي في التعليم، وفي ظل غياب شبه كامل لمنظمات المجتمع المدني، وغياب تام للحكومة لمحاولة المساهمة في الحد من هذه الظاهرة.

Similar Posts