فوضى على عجلتين- درعا تحت رحمة الدراجات النارية

“لين… قطعة من قلب أمّها، حلمها وعروسها المنتظرة… رحلت في لحظة رعونةٍ مجنونة بدراجة نارية مسرعة، أمام منزلها، وبين عيني شقيقيها الطفلين”.
بهذه الكلمات اختصر الناشط يدن الدراجي مأساة عائلته، بعد أن دهست دراجة نارية الطفلة لين يامن الدراجي ذات الخمس سنوات، أمام بيتها في حيّ السحاري بمدينة درعا. لم تكن تعرف الطفلة أن اللحظة التي خرجت فيها للعب، ستكون الأخيرة.

رحلت “لين” كما رحل العشرات في بلدات ومدن درعا خلال الأشهر الأخيرة. المشهد ذاته يتكرر: دراجة نارية تسير بسرعة جنونية، يقودها طفل أو مراهق، تنتهي بلحظة صدمة، وبقبر يُفتح، وحدادٍ يبدأ، وسؤال لا يُطرح: “من المسؤول؟”.

يقول يدن وهو عم الطفلة لشبكة درعا 24: “لين كان حقها تعيش وتكبر. وكل طفل له حق يعيش بشوارع آمنة، ما تنتهي حياته على يد سائق دراجة نارية متهور. حالة بنتنا ما كانت الأولى ولا الأخيرة. الأمر كارثي ويتكرر بشكل كبير، بل تحول إلى أمر واقع وجزء من الحياة اليومية للسكان”.

يتابع: “يتحمل المسؤولية في ظاهرة فوضى الدراجات النارية، التي باتت تهدّد أرواح السوريين اليوم، الدولة أولاً والأهل ثانياً”. داعيًا إلى اتخاذ إجراءات عقابية واحترازية عاجلة، وإطلاق حملات توعية منظمة لمحاربة هذه الفوضى القاتلة.

ورغم أن العائلة”سامحت وعفت عن القاتل”، إلا أنها لا تريد لدم الطفلة “لين” أن يذهب هدرًا، بل تأمل أن تكون قضيتها بداية لحملة مجتمعية، وإعلامية، وتنظيمية، تحدّ من هذه الحوادث المتكررة، وتُنقذ أرواح أطفال آخرين قبل أن تُزهق المزيد منها.

شوارع تحوّلت إلى ساحات موت

من طفس إلى جاسم، ومن إبطع إلى الشيخ مسكين، إلى كل بلدات ومدن محافظة درعا،  يتنقّل الموت على عجلتين. في كل زاوية قصة، وفي كل بيت جرح.

في بلدة أم المياذن، طفلة تمشي أمام منزلها صدمتها دراجة بلا ضوء، يقودها فتى دون رخصة أو إدراك. وعلى طريق جاسم – نوى، سقط شاب ضحية اصطدام، ونُقل صديقه إلى المستشفى وهو بين الحياة والموت.

في رسائل وردت إلى “درعا 24″، عبّر الأهالي عن حالة خوف دائم، وسط فوضى لم تعد تُحتمل. يقول أحدهم:
“كل حي في درعا صار ساحة موت، دراجات يقودها أطفال، بلا أرقام، وبسرعات مجنونة.”
ويتابع آخر: “أولادي ما بقدر أتركهم يطلعوا قدام البيت، بخاف من دراجة طايشة تمسحهم عن وجه الأرض.”

من وسيلة تنقّل إلى أداة اغتيال

ليست الحوادث العشوائية وحدها ما يُرعب سكان المحافظة. فالدراجات النارية، التي كان يُفترض أن تكون وسيلة نقل رخيصة وسهلة، تحوّلت في نظر الأهالي إلى وسيلة للقتل المنظّم والسرقة.

معظم عمليات الاغتيال التي وثّقتها “درعا 24” خلال السنوات الماضية تمّت بدراجات نارية. السيناريو يتكرر: مسلحان ملثمان، يطلقان النار، ثم يختفيان خلال ثوانٍ. لا رقم لوحة، لا توثيق، لا كاميرا ترصد، ولا جهة تتابع.

تقول إحدى الشهادات: “بالليل بنسمع صوت دراجة، بعده إطلاق نار، بعدها صمت. بنعرف إنه في حدا مات.”

قاصرون خلف المقود… ومجتمع بلا حماية

الجزء الأكبر من هذه الفوضى تقوده أيدٍ صغيرة. فتية لم يتجاوزوا الخامسة عشرة، بلا تدريب، بلا وعي، يتحكمون بمحركات قد تقتلهم أو تقتل غيرهم في لحظة تهوّر.

“نص اللي عم يسوقوا دراجات تحت الـ16″، يقول أحد الأهالي، “ولا بيعرفوا يسوقوا، ولا في حدا يراقبهم”.
شهادة أخرى تصف المشهد “الطريق صار ساحة حرب… حياة معلقة على ضوء دراجة مكسور.”

وفي ظل غياب قوانين المرور، وعدم وجود شرطة مختصة أو مجالس محلية فعّالة، تُترك الأمور على حالها: موت مجاني، ومسؤولية غائبة.

الأهالي: لسنا ضد الدراجة… نحن ضد الفوضى

كثير من الأهالي يشدّدون على أن اعتراضهم لا يطال الدراجة النارية بحد ذاتها، بل غياب التنظيم والرقابة. فالدراجة، في كثير من الحالات، مصدر رزق. لكن حين تُسلَّم لطفل، أو تُستخدم في سباق بين الأزقة، أو تُقاد ليلًا بلا ضوء، تصبح خطرًا يهدد الجميع.

“بدنا نظام، بدنا أمان، بدنا نحمي ولادنا”، تقول أم فقدت ابنها في حادث تصادم.
بينما يسأل أبٌ آخر:  “ليش الأهل بيعطوا دراجة لطفل عمره 12 سنة؟ ليش ما في جهة تمنع هالشي؟”

الناس تتكلم… ولكن من يسمع؟

في محاولة لمعرفة آراء الأهالي حول الحلول الممكنة، أجرت “درعا 24” استطلاعًا للرأي عبر صفحتها الرسمية، شارك فيه أكثر من 2700 شخص.
النتائج كشفت عن مزاج عام غاضب، ومطالب واضحة بالتدخل:

57% من المشاركين طالبوا بفرض غرامات مالية على المخالفين، وخاصة الذين يتجاوزون السرعة

15% دعوا إلى تكثيف الحواجز والدوريات المرورية والأمنية، في حين رأى 12% أن فرض ترخيص إلزامي ولوحات أرقام لجميع الدراجات أمر ضروري.
10% أيّدوا منع دخول الدراجات إلى أحياء محددة داخل المدينة، بينما اقترح 6% فقط الاكتفاء بحملات توعية.

النتائج تعبّر بوضوح عن رغبة شعبية واسعة بوضع حد للفوضى، وعدم الاكتفاء بحلول سطحية.

وفي التعليقات التي رافقت الاستطلاع، لم تخلُ الأصوات من الغضب والحسرة. تساءل أحد المشاركين:
“لماذا لا يتم فرض قوانين صارمة من قبل المحافظة؟ لماذا لا تُحدّد السرعة ويُجبر الناس على ترخيص الدراجات ووضع نمرة؟ هل ستُتخذ هذه القرارات عندما يموت أحد أبناء المسؤولين؟”

كلماته لم تكن صرخة في فراغ، بل صدى لغضبٍ يتراكم في درعا يومًا بعد يوم. ففي كل زاوية من المدينة، قصة فقد، وفي كل منزل تقريبًا، رعب من القادم.

متى يتوقّف عداد القتل؟

من “لين” الطفلة إلى طالب البكالوريا في مدينة نوى، من الفتاة في بلدة أم المياذن، إلى الشاب الذي سقط في جاسم… لا تتوقف الحكايات. ولكن، كلها، تنتهي بالطريقة ذاتها: جثمان يُدفن، ودمعة لا تجف، وغياب كامل للمحاسبة.فهل تبقى الشوارع مشرّعة للموت المتنقّل؟ وهل ننتظر اسمًا جديدًا يُضاف إلى قائمة الضحايا؟
أما آن الأوان لتحرّكٍ يضع حدًّا لفوضى بلا فرامل؟


شريط مصوّر يُظهر قيادة متهورة على أحد شوارع محافظة درعا وسط ازدياد الحوادث المرورية

شريط مصوّر يُظهر قيادة متهورة على أوتستراد درعا-دمشق وسط ازدياد الحوادث المرورية
شريط مصوّر يُظهر قيادة متهورة على أوتستراد درعا-دمشق وسط ازدياد الحوادث المرورية

الرابط: https://daraa24.org/?p=51931

موضوعات ذات صلة