كمال شاهين يروي قصة التطبيق الذي هزّ جيش الأسد ويكشف كواليس أكبر اختراق سيبراني ضرب جيش النظام السوري
في واحدة من أبرز التحقيقات الاستقصائية التي برزت في المشهد الإعلامي السوري والعربي بعد سقوط النظام، كشف الصحفي السوري كمال شاهين تفاصيل عملية اختراق سيبراني استهدفت جيش النظام السوري السابق خلال معركة “ردع العدوان”. التحقيق، الذي أعدّه شاهين ونشرته مجلة New Lines الأمريكية، تحوّل سريعًا إلى مادة متداولة على نطاق واسع، وأثار اهتمامًا إعلاميًا وشعبيًا واسعًا لجرأته ومضمونه الأمني الحساس
كمال شاهين، صحفي استقصائي سوري. بدأ شغفه بالصحافة منذ طفولته، حين كان يُلقّب بـ “الصحفي” بين أقرانه لاستخدامه اللغة الفصحى داخل صف دراسي في بيت ريفي في قرية بستان الحمام التابعة لمدينة بانياس. إلى جانب هذا التصوّر الطفولي، كان لمنزل جده دورٌ محوري في تشكيل حلمه بأن يصبح صحفيًا، حيث كانت تُقرأ الصحف المعارضة سرًّا، وتُخفى تحت “قطارميز” الزيتون، ثم تُمزّق وتُتلف آثارها قبل طلوع الفجر.
يقول كمال شاهين: “ربما هذا الغموض ساهم في عشق التحقيقات الاستقصائية لاحقاً”. ومنذ ذلك الحين، انطلق في مسيرة طويلة من العمل الصحفي، مدفوعًا بإغراء البحث عن “الفاعل المجهول”، والسعي إلى كشف الحقيقة، وإحداث تغيير حقيقي من خلال الصحافة التي لا تكتفي برصد اللحظة، بل تسعى لصناعتها.
أجرت شبكة درعا 24 مقابلةً خاصّة مع كمال شاهين، حيث كشف كواليس تحقيقه الأخير حول عملية هجوم سيبراني استهدفت جيش النظام السوري السابق في معركة ردع العدوان. كما تحدث عن طريقة وصوله للمعلومات الأولية ثم مراحل التحقيق والتحديات التي واجهته، وناقش مستقبل الصحافة في سوريا ولا سيما الاستقصائية، وأهمية الإعلام وبشكل خاصّ، المستقل، والدور الذي يجب أن يلعبه في مراقبة السلطة.
كم استغرق إعداد هذا التحقيق؟ ما أبرز التحديات التي واجهت كمال شاهين، سواء من حيث الوصول إلى المعلومات أو التعامل مع التعقيدات التقنية؟
استغرق إعداد التحقيق أكثر من أربعة أشهر من العمل المتواصل، بدءاً من تتبع معلومة قالها ضابط سوري سابق في حديث للمجلة نفسها ( New Lines)، أثناء إعداد المادة بعد سقوط مدينة حلب السورية بيد قوات المعارضة في تشرين الثاني 2024. بعدها بدأت رحلة التحقق الأولي من الفكرة التي طرحها الضابط المذكور من موقع إقامته في موسكو.
بدأت عملية جمع الأدلة، وكانت هذه هي العقدة الأساسية. إذ أن تفكك جيش النظام السابق ومحاولة إخفاء كثير من التفاصيل والوثائق لما حدث بشكل متسارع من 8 كانون الأول جعلت من الوصول للمعلومات والتحقق منها عملية صعبة مشوبة بالخطر، بالنظر إلى ضرورة التوثيق قبل الاختفاء النهائي لهذه المعلومات خاصة بكون المنصة الأساسية هي على تلجرام الذي قد يحذف محتواه دون سابق إنذار، وكذلك على شبكة الانترنت. لقد كان بقاء المعلومات بحد ذاتها أمراً مشكوكاً فيه ولكن تعاون الأطراف الأساسية ساهم في ملاحقتها والحصول عليها وخاصة التطبيق المخادع.
أبرز التحديات في الوصول إلى المعلومات كانت صعوبة الوصول إلى الضباط أو الجنود الذين وقعوا ضحية التطبيق، بسبب المخاوف الأمنية ورفضهم الحديث خوفاً من الملاحقة. هذه بالتحديد جعلت من التثبت من الضحايا عملية معقدة اضطررت لتوثيقها بشهادات صوتية مغفلة الاسم مع ما يترك ذلك من أثر على قوة التحقيق. من جانب آخر كان تدافع الوضع السوري خلال فترة ما بعد السقوط ومحاولة كثير من هؤلاء الضحايا (ضحايا التطبيق) الهرب من البلاد لأسباب معروفة دافعاً للإسراع بالعمل ضمن معادلة عدم التخلي عن الدقة والسرعة المناسبة في الإنجاز.
لحق ذلك تعقيدات التأكد من صحة المعلومات التقنية والعملياتية، خاصة مع تعدد الأطراف المحتملة التي قد تكون وراء الهجوم السيبراني (جهات معارضة، أجهزة استخبارات إقليمية أو دولية). ساعدني في التأكد منها امتلاك خبرة برمجية مقبولة في تصميم وهندسة المواقع والنطاقات وغيرها. توفر المصادر المفتوحة على شبكة الإنترنت كان له فضل توضيح كثير من النقاط الغامضة وهي قضايا تقنية لا تهم القارئ العادي ولكنها بالنسبة لي أساس التحقيق وعموده الفقري.
تلا ذلك الحاجة إلى التحقق من صحة الوثائق الرقمية وتحليلها، ومقارنة المعلومات المستقاة من مصادر بشرية مع البيانات التقنية حول التطبيق والبرمجيات الخبيثة. تطلب الأمر تحليل التطبيق الخبيث (STFD-686) وفهم طريقة عمله، خاصة أنه استخدم تقنيات متقدمة مثل زرع برمجية SpyMax التي لا تتطلب صلاحيات جذرية وتستهدف أجهزة أندرويد قديمة وحديثة. هذا العمل ساعدني فيه مهندسو برمجيات سوريين أثبتوا تفانيهم وقدرتهم المبهرة على العمل والتحليل ولولاهم لضعت في التفاصيل التقنية (شكراً أبو الزوز، فراس، والمهندس السوري من الإمارات الذي لم أعرف اسمه. وطبعا الشكر الأمير للضابط السوري الشهم).
تتبع البنية التحتية الرقمية للهجوم، مثل تحليل أسماء النطاقات المزيفة (syr1.store وغيرها) والخوادم السحابية المجهولة التي تم تمرير البيانات عبرها لإخفاء مصدر الهجوم.
مواجهة صعوبة في تتبع الجهة الفعلية التي تقف وراء الهجوم بسبب استخدام شهادات أمنية مزورة وتقنيات تمويه رقمية متقدمة. هنا على سبيل المثال مما لم يرد في التحقيق أن الدومينات المستخدمة تم تجديد ملكيتها عدة مرات دون معرفة من قام بذلك. هذا عقّد المسار. أحد المخدمات كان موقعه الجغرافي في إيطاليا. وأخر في الولايات المتحدة وثالث في دولة جارة لسورية.
كيف كان تفاعل الإعلام مع التحقيق؟ هل شعرت أن اسم كمال شاهين كصحفي نال التقدير الكافي، أم أن الضوء انصبّ على مضمون التحقيق فقط؟
بدأت كرة الثلج مع نشر موقع بريطاني يقدم مواده بالعربية للتحقيق مغفلاً اسمي ولكن مع الإشارة للمؤسسة (نيولاينز) على موقع الصحيفة ثم منصات التواصل الاجتماعي. كان نشر التحقيق بهذه الطريقة أمراً مزعجاً خاصة أن من قام بذلك صحفي عربي ترجم التحقيق إلى العربية وعمل (خلطة) ووضع صورته على المقالة. هذا الفعل في عالم الصحافة العربية منتشر وهو دون شك يقلل من دور الصحفي الأصلي وينسب الفضل لجهة واحدة فقط هي المؤسسة. ولكن برأيي إن هذا الفعل يعتبر تصرفاً لا مهنياً ولا يتوافق مع أبسط قواعد العمل الصحفي وهي نسبة العمل إلى مؤلفه ومن ثم المؤسسة مع العلم أن المؤسسة راسلت الموقع البريطاني لتعديل الوضع ولم تستجب حتى وقت إجراء هذه المقابلة.
خلال ساعات انتشرت هذه النسخة من التحقيق قبل أن تتلقف كبريات الصحف والتلفزيونات العربية وأولها (قناة العربية) التحقيق نفسه مع الإشارة للمؤسسة، ثم ارتكبت تلفزيونات ومواقع أخرى نفس الفعل ولم يكن هناك ذكر لاسم الصحفي. على أساس التحقيق أنتجت عشرات مقاطع الفيديو وكل موقع أنتجه حسب رؤيته مع الحفاظ على الخطوط العريضة للتحقيق. خلال أقل من يومين بلغ عدد مشاهدات مقاطع الفيديو مئات الآلاف على مختلف المنصات (كان أبرزها على تويتر ثم الفيسبوك ثم اليوتيوب: نصف مليون مشاهدة).
وحدها قناة الجزيرة (والجزيرة سوريا) نسبت التحقيق لصاحبه عبر كتابة الاسم في مادتها مع الإشارة إلى أنني سوري. لا أخفيكم سراً أنني رغم سعادتي بانتشار التحقيق بهذا الشكل وتحوله إلى تريند ضخم لم أشعر أنني حصلت على حقي ك صحفي في حين نال المحتوى حقه وحبة مسك. أتفهم أنّ المحتوى كان يستحق ذلك الضوء الشديد ولكن بالمقابل فإن اغفال أو تجاهل اسم الصحفي هو أمر مكروه ومزعج لأي شخص. من المهم الإشارة هنا إلى أن نشر التحقيق باللغة الإنكليزية ساهم في انتشاره الهائل في العالم العربي وربما لو نشر بالعربية خارج بعض المواقع الكبيرة لم يكن لينال حظه من الانتشار.
إقرأ أيضاً: الصحفي علي عيد في مقابلة مع درعا 24: “إن لم تتحقق التشاركية فهناك مخاطر حقيقية من انقسام مجتمعي
في تحقيقك، طرحت عدة احتمالات بشأن الجهة التي تقف خلف التطبيق التجسسي: فصائل معارضة، أو أجهزة استخبارات إقليمية أو دولية. هل كانت لديك معطيات ترجّح طرفًا معينًا، لكنك فضّلت عدم التصريح بها؟ بعد نشر التحقيق، إلى أي جهة تميل شخصيًا ولماذا؟ ولماذا برأيك لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذه العملية، رغم نجاحها؟
سأتحدث بصراحة. نعم، كانت هناك ترجيحات لأطراف معينة تقف خلف هذا التطبيق التجسسي، ولم يكن من الصعب توقعها في ظل السياق السياسي والعسكري لما جرى خلال عملية “ردع العدوان” التي تسببت بسقوط نظام الأسد. لكن الأمر لم يكن مجرد توقعات تحليلية، كان من الضروري أن تكون هذه الترجيحات مرفقة بأدلة دامغة وقاطعة، وهذا ما لم يكن متاحاً تقنياً. فالجهات التي تنفذ مثل هذه العمليات السيبرانية المتطورة لا تعلن عن نفسها، لا الآن ولا في المستقبل القريب، لأن طبيعة هذه العمليات تعتمد على السرية التامة والتخفي. هذا النوع من الهجمات يهدف إلى تحقيق نتائج استراتيجية مفصلية دون إثارة الانتباه أو الكشف عن الجهة الفاعلة، مما يجعل إعلان المسؤولية أمراً غير منطقي وربما ضاراً للجهة المنفذة. قد يحدث إعلان المسؤولية في المستقبل إذا تغيرت الحسابات السياسية أو الأمنية، أو إذا رأت الجهة الفاعلة أن الإفصاح يصب في مصلحتها، لكن حتى الآن، يبدو أن من يقف وراء العملية لديه اعتبارات خاصة تمنعه من الكشف عن نفسه.
من خلال التحقيق، تبين أن التطبيق استُغل بشكل مدهش لاستهداف المؤسسة العسكرية السورية بأكملها، وهو ما يشير إلى أن الفاعل يمتلك قدرات تقنية وسياسية عالية، ما يدعم فرضيات تورط جهات استخباراتية إقليمية أو دولية، إلى جانب فصائل المعارضة التي استفادت من هذه الأدوات في سياق الصراع. لكن، كما ذكرت، بدون أدلة قاطعة، يبقى الأمر في إطار الاحتمالات المدعومة بتحليل سياقي وتقني.
المسائل التقنية هنا كان من الممكن حلها لو كنت صحفياً غربياً. في عملنا الاستقصائي في العالم العربي هناك مشكلة تتعلق بطرائق العمل. الصحفي غالباً يحمل القضية من بابها إلى محرابها دون وجود فريق عمل معه مما كان حجم العمل وبالمقابل يا ليته يحصل على حقوق معنوية أو مادية تعادل تعبه. بالنسبة لي كنت لأرحب بوجود فريق متكامل يبحث وينقب في كل جزئية للوصول إلى الحقيقة وأن ينشر التحقيق بكامل أسماء الفاعلين. في تحقيقات (بنما) عمل صحفيون من مختلف دول العالم معاً للوصول إلى حسابات السياسيين في الجنّات الضريبية. ساهم العمل الجماعي في كشف حقائق دامغة طالت مئات وآلاف السياسيين. الصحفي عليه أن يلمّ تقريباً بكل تفاصيل عمله ويستخدم مختلف الطرف للوصول إلى الحقيقة التي تبعد دائماً في مثل هذه التحقيقات بسبب قدرة الفاعل على التخفي.
دعني أيضاً أوضح هنا. إن الصحفي الاستقصائي يبحث أساساً عن الفاعل في أي تحقيق استقصائي وهذه مهمة التحقيق الأولى. فإن لم يصل إليه سيكون هناك مشتبهٌ به قريب من الفاعل. لقد وصلتُ للمشتبه به ولا أظن أنني أخطأت حسب تحليلي ولكن كان هناك حسابات أخرى تتعلق بالمجلة نفسها وهو خيار رأيته صائباً بعد نشر التحقيق.
شاهد أيضاً: حديث الدكتور زيدون الزعبي عن ميثاق الجنوب الإعلامي
من المعروف أن التحقيقات الصحفية تفتح الباب لتحقيقات جديدة. ما هي الخطوات التالية بعد هذا التحقيق؟ وهل هناك متابعة أو أعمال استقصائية أخرى قيد الإعداد في السياق نفسه؟
مع هذا الترند الكبير هناك فعلياً قلق وتوجس من الخطوة التالية. في نفس السياق هناك تحقيق قادم يتعلّق بالأجهزة الأمنية في زمن الأسد وآليات عملها وغبائها السيبراني الكبير. مشكلتنا مع الاستقصاء تحديداً أنّ القضايا التي تثير الرأي العام تنحصر في مجالات محددة فما قد تراه كصحفي مهماً وضرورياً قد لا يراه الناس كذلك رغم أهميته. على العموم. إنّ الاستقصاء ليس مجرد صحافة كشف حقائق بل برأيي هو مغامرة فيها من المخاطرة والمتعة ما يجعل النتائج أحياناً أقل أهمية من السياق نفسه.

كمال شاهين وتحقيق اختراق الجيش: 4 أشهر من تتبع الحقيقة
يبدو أن الاختراق لم يكن نتيجة خلل تقني طارئ، بل نتاج تراكم من الفوضى واللامبالاة، وربما اختراق داخلي. هل تعتقد أن الجيش السوري كان مخترقًا على مستوى القيادة، لا فقط عبر الهواتف؟ وما الذي يمكنك مشاركته بهذا الخصوص؟
وصل الجيش السوري السابق عبر سنوات طويلة من إهمال النظام له إلى مرحلة لم يعد ينفع معها المسكّنات الروسية ولا الإيرانية. بالنسبة لي لا يمكن النظر إلى هذا الجيش سوى أنه ضحية من ضحايا الأسد. لقد ورّط الأسد الجيش السوري في معارك كان ممكناً ألا تحدث وألا تخرب البلاد بهذه الطريقة التي لا يمكن لأي كلمة أن تصفها (لنتذكر هنا إقالة الأسد لوزير الدفاع علي حبيب الذي رفض زج الجيش في النزاع العام 2012). لم يكن الجيش مخترقاً فقط عبر الهواتف أو عبر منظومات الاتصالات (هناك أدلة على اختراق اسرائيلي متكرر لمنظومات الدفاع الجوي السوري السابقة منذ العام 2009) بل عبر المنظومة البشرية نفسها. إنّ فعل الأسد بتوريطه الجيش في مواجهة السوريين هو فعل أكثر من مجرد مواجهة مسلحة. لقد خلق هذا الصدام نموذجاً مبتكراً لعلاقة تنافر كاملة بين جيش (الوطن) والشعب نفسه وهو ما جعل تسمية (جيش النظام) في مرحلة من المراحل صحيحة. بالمقابل. لا يجب تجاهل أن ما جرى في البلاد بتاريخ 8 كانون الأول هو نتاج توافق دولي لو حدث قبل عشر سنوات لكانت سوريا أقل دماراً وأقل حزناً. لقد اتفق الجميع الدولي في لحظة تاريخية أن الوقت قد حان للتخلص من الولد الغبي وقد فعلوا بنجاح أفرح السوريين. بالضرورة هنا يجب القول أن تضحيات السوريين وآلامهم على مدار السنوات الممتدة من 2011 حتى اليوم هي الأساس في كل هذه التحولات.
إقرأ أيضاً: الدكتور عاطف عامر في مقابلة مع درعا 24: “الصوت المدني الآن محاصر، وصعوده مرتبط بصعود دولة القانون
ما هو الدرس الأهم الذي ينبغي أن تستخلصه المؤسسات العسكرية والحكومات – خصوصًا في ظل تأسيس جيش سوري جديد اليوم – من حادثة الاختراق عبر تطبيق جوّال؟
تأسيس الجيوش النظامية الوطنية القوية لا يبنى على الأعداد الغفيرة من المقاتلين القادمين من مشارب مختلفة. يحتاج الأمر سنوات من البناء على مفهوم الوطن نفسه ويحتاج إلى خطط طويلة المدى تبنى بصمت. أتصور أن سوريا اليوم أمام فرصة لتأسيس جيش جديد مختلف عن الجيش السابق، فقد انتهى زمن الصراعات الكبرى، ونحن أمام تحولات جوهرية تتطلب إدراكاً حقيقياً للحداثة وأصولها، دون الاكتفاء بالأنماط التقليدية للعمل العسكري.. الدرس الأهم الذي يجب أن تستخلصه المؤسسات العسكرية والحكومات من حادثة الاختراق هو في رأيي درس مزدوج: الأول، ضرورة البناء على الولاء للوطن والهوية الوطنية الحقيقية، لا على مصالح أو انتماءات أخرى قد تضعف اللحمة الداخلية. والثاني، ضرورة بناء المستقبل العسكري عبر الالتحاق بصناع الحداثة العسكرية في جميع القطاعات، خاصة من خلال تبني التكنولوجيا والتطورات الحديثة. لنا في جيراننا عبرة واضحة: هناك جيوش صغيرة العدد لكنها فعالة للغاية بفضل حداثتها واعتمادها على التكنولوجيا المتقدمة.
كما قال القائد الصيني التاريخي سون تزو: “إن الهزيمة والانتصار تبدأ من غرفة التخطيط”، وهو ما يؤكد أهمية التخطيط الاستراتيجي الدقيق والحديث في بناء جيش قوي قادر على مواجهة التحديات الأمنية المعاصرة، بما في ذلك التهديدات السيبرانية.
كيف يرى كمال شاهين مستقبل الصحافة في سوريا بعد سقوط النظام؟ لا سيما الصحافة الاستقصائية: هل تفتح المرحلة الراهنة هامشًا جديدًا للكشف والمساءلة؟ أم أن تحديات المرحلة الانتقالية قد تعيد إنتاج “الخطوط الحمراء” ولكن بأساليب مختلفة؟
دعونا نتفق أنّ الصحافة الناجحة في سوريا على مدار سنوات الحرب السابقة كانت الصحافة المستقلة التي حققت رغم ضعف مواردها نجاحات بارزة تسجل لها. وعليه فإن الوصول إلى صحافة تراقب السلطة الجديدة (نقداً) هو أمر أساسي في نجاح بناء مستقبل صحافي وإعلامي ينفض عنه غبار التبعية والتطبيل والتزمير. ميزة الصحافة المستقلة هي أنها حرة في صياغة أسئلتها وهواجسها وبالتالي قدرتها على الكشف والمساءلة بصيغ مختلفة من بينها الاستقصاء وهذا الأخير بات ضرورياً أكثر فأكثر في هذه المرحلة الانتقالية. إنّ المراقبة الفاعلة لأجهزة السلطة الجديدة هي التي تحد من قدرتها على التغول كما كان الأمر في ظل النظام السابق. بالضرورة يقتضي هذا الدور الكثير من الحذر والدقة لأن هناك في قلب الدولة الجديدة تيارات مختلفة قد لا يروق لها الاستقصاء في قضية معينة (هناك واحدة على الطريق لكني أتخيل أن من المستحيل نشرها دون اسم مستعار). هو الحدس الصحفي الذي يجعل من الخطوط الحمراء حاضرة في تفكير كل صحفي سوري (وصحفية أيضاً) وفي النهاية نحن في عجقة مرحلة انتقالية فيها كثير من علامات الاستفهام التي يساعد تحولها إلى تحقيقات استقصائية في فهم ما يجري في البلاد وهل نتجه نحو مزيد من الحرية أم نعيد إنتاج الاستبداد بصيغ جديدة.
أخيرًا، هل يعتقد كمال شاهين أن الصحافة المستقلة قادرة على إعادة تشكيل وعي الناس في سوريا؟ أم أن التشظي، وفقدان الثقة، واليأس، قد أضعف تأثيرها المحتمل؟ وما هي برأيك أبرز المعوقات التي تواجه الإعلام المستقل اليوم؟
لنكن واقعيين. إنّ إعادة تشكيل وعي الناس هو عملية ليست سهلة أبداً وحتى أنها ليست دائماً متاحة لا عبر أدوات الصحافة ولا عبر هندسة الجمهور نفسها. عملية تشكيل الوعي تراكمية الطابع ومرتبطة بكل المنتجات والأفكار التي يتركب منها الكائن البشري ثم الأنظمة التي يحيا في ظلها البشر .. الخ. الصحافة المستقلة يكفيها أنها حققت حضوراً لأصوات مستقلة قدّمت طرقاً جديدة في فهم ما يجري في سوريا وبلغة ساهمت في تخفيف حدة الصراعات المجتمعية وما دونها من صراعات. بالنسبة لي لا أرى أن هناك تشظي أو يأس في دور الصحافة المستقلة. هذا هو دورها: أن تكون دائماً طريقاً ثالثاً ينحاز إلى قيم الإنسانية والعدالة والمنطق والجمال في زمن تتدافع فيه الرؤى وتتغير فيه غالبية علاقات البشر إلى قيم استهلاكية. بالنسبة لي أشعر بالفخر عندما أعرّف عن نفسي ك صحفي مستقل لم ينحز يوماً لغير السوريين أبناء شعبي.
يواجه الإعلام المستقل اليوم تحديات كبيرة مثل ضغوطات أمنية وقانونية تحد من حرية العمل، وصعوبة الوصول إلى المعلومات، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية الإعلامية والتشظي في المشهد الإعلامي، مما يؤثر على فعاليته وثقة الجمهور به.
هل هناك كلمة أخيرة يود كمال شاهين قولها؟ سواء تعلّقت بالتحقيق، أو بواقع الصحافة، أو بسوريا اليوم… المساحة مفتوحة لك.
الصحافة الاستقصائية المستقلة ليست مجرد مهنة أو وظيفة، بل هي رسالة ومسؤولية كبيرة في زمن تحوّلات سوريا العميقة. رغم كل التحديات التي واجهناها وما زلنا نواجهها، فإن الصحافة الحرة تظل من أهم أدوات بناء مستقبل أفضل، لأنها تكشف الحقيقة وتمنح صوتًا لمن لا صوت لهم.
المرحلة التي تمر بها سوريا اليوم مليئة بالفرص والتحديات، ويقع على عاتق الإعلام المستقل (وأولها درعا 24) مهمة صعبة لكنها نبيلة، تتمثل في مراقبة السلطة الجديدة، كشف الفساد، ومساءلة الجميع بشجاعة وموضوعية. هذا الدور لا يمكن أن يتحقق إلا بحماية الصحفيين، ودعم حرية التعبير، وبناء مؤسسات إعلامية مستقلة ومهنية.
أؤمن أن الصحافة في سوريا قادرة على أن تكون قوة تغيير حقيقية، وأن تستعيد ثقة الناس تدريجياً، شرط أن تستمر في التزامها بالقيم الإنسانية والعدالة والموضوعية. علينا جميعاً أن نعمل معاً لبناء إعلام يعكس تنوّع المجتمع السوري ويخدم تطلعاته نحو الحرية والكرامة.
بعض أدلة التحقيق الرقمي كما وثّقها كمال شاهين: صور من عملية اختراق جيش النظام
الرابط: https://daraa24.org/?p=50501