برزت خلال الأشهر الأخيرة قناة عبر تطبيق تيليغرام تحمل اسم “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أولي بأس”، أعلنت عن نفسها كـ”مقاومة شعبية مستقلة”، وقالت إنها تأسست ردًا على توغلات جيش الاحتلال الإسرائيلي في محافظات القنيطرة ودرعا وريف دمشق الغربي. بثّت أمس مقطعًا مدته ثلاث ثوانٍ لصاروخين يُفترض أنهما أُطلقا من الأراضي السورية على الجولان المحتل.
رغم خطابها المكثف وتصعيدها اللفظي، فإن القناة لم تقدم حتى الآن أي دليل ميداني ملموس على وجود فعلي على الأرض. في هذه المادّة الصحفية التي أعدّتها شبكة درعا 24، نحلل ما بثته القناة على تلغرام منذ تأسيسها في 7 وأول منشوراتها في 9 كانون الثاني 2025، وحتى لحظة نشرها المقطع المصور الذي قالت إنه يوثق أولى عملياتها.
ولادة من فراغ ودون أي إثبات وجود في الجنوب
انطلقت القناة بعد شهر من سقوط النظام المخلوع، معتبرةً أن السلطات الجديدة “لن تردّ على إسرائيل”، فأمهلت الأخيرة 48 ساعة للانسحاب من المناطق التي دخلتها، مهددة بالتصعيد.
لم توثق القناة أي نشاط عسكري حقيقي منذ ظهورها. اقتصرت إصداراتها على بيانات دعائية مكتوبة تستخدم مفردات مستعارة من خطابات “محور المقاومة”، وشعارًا معدّلًا قريبًا من شعار حزب الله اللبناني. كما تنشر القناة بشكل صورًا لحسن نصر الله، وكلمات منسوبة له، بالإضافة إلى علم النظام المخلوع في خلفيات عدد من منشوراتها.
هوية متبدّلة وشعارات مستعارة
في بيانها الأول بتاريخ 9 كانون الثاني، أطلقت القناة على نفسها اسم “جبهة تحرير الجنوب”، وادعت أنها لا تتبع لأي جهة داخلية أو خارجية. وأنما وصفت العاملين فيها أنهم أصحاب الحق وأصحاب الأرض، ولا تربطهم أي علاقة مع أي تنظيم أو حزب سياسي داخلي أو خارجي ولا تبعيات لأي أحد.
بعد يومين فقط، في 11 كانون الثاني، أعادت القناة تسمية نفسها إلى: “جبهة المقاومة الإسلامية – أولي بأس”، مع إطلاق شعار شديد الشبه بشعار حزب الله، مستخدمة تعبيراته ومفردات منسوخة حرفيًا من أدبياته، رغم إعلانها أنها “لا تتبع لأي طرف أو دولة”. وأصدرت حينها بياناً مكتوباً قالت فيه أن تغيير الاسم لأن هناك جهات أخرى تحمل الاسم الأول.
هذا التحول في الهوية إلى جانب استعارة رموز وشعارات فصائل إقليمية، يعكس غياب بنية تنظيمية واضحة، واعتماد واضح على التعبئة الإعلامية، بصبغة طائفية سياسية، أكثر من كونها تمثل كيانًا ميدانيًا حقيقيًا. كما تحرص القناة على بث صور حسن نصر الله، وكلمات له، وتضع علم النظام السوري المخلوع في بعض موادها.
علّق العديد من الناشطين بعد عرض المواد التي تعرضها القناة والبيانات التي نشرتها أن كل ما سبق يكفي لتصنيفها كـ “جهة خطابية دعائية خطابية، لا علاقة لها بأي تشكيل مستقل على الأرض”.
سباق في تبني كل ما يتحرك
تتبنى قناة التلغرام المُسمّاة أخيراً “أولي بأس” كل حادث أمني أو مواجهة تقع في الجنوب لها علاقة بالاحتلال الإسرائيلي، بغض النظر عن الفاعلين أو المعطيات. ومن أبرز ذلك عند وقوع الحادث الأمني الذي اشتبك فيه مجموعة من الأهالي في قرية كويا في منطقة حوض اليرموك، وارتقى فيه ستة من أبناء القرية، سارعت القناة إلى تبني هذا العمل.
ومن أبرز الحوادث الأهلية الشعبية التي عرف الجميع أنها كانت غير مُنظمة وإنما اعتمدت على تحرّكات الأهالي وفزعتهم، في حادثة حرش بلدة تسيل، التي استهدفتها طائرات الاحتلال وأدت لمقتل 9 من أبناء نوى، وفقاً لما وثقته شبكة درعا 24. تبنّتها هذه القناة فورًا كأنها كانت جزءًا من العملية، وقالت أن خلاياها تصدّت للاحتلال الإسرائيلي.
يعلق على ذلك أحد المراقبين لعمل القناة بقوله: “هذا السلوك يعكس عقلية أدمن مجموعة تلغرام”، لا قيادة جبهة مقاومة، أي شيء يحصل هم من صنعوه!”.
ثلاث ثوانٍ من الغموض
أخيراً، نشرت القناة لقطةً مصوّرة، وكانت من (3 ثوانٍ فقط) زعمت أنها توثق إطلاق صاروخين من طراز “غراد” من داخل الأراضي السورية باتجاه إسرائيل.
وكان هذا أول ما اعتبرته “توثيقاً”، بينما لا يظهر في الفيديو انطلاق الصاروخين، فقط قاعدتي إطلاق، ولا أي معالم جغرافية واضحة، ولا توجد أدلة حقيقية على زمان أو مكان الحدث. علّق على ذلك محللون وإعلاميون أن هذا النوع من المحتوى شائعًا في الحملات النفسية أو الدعائية منخفضة التكلفة، وهو لا يوفر أي دليل موضوعي على تنفيذ عملية عسكرية حقيقية.
رغم ما تحاول قناة “أولي بأس” عبر تطبيق تلغرام تقديمه من صورة ميدانية، إلا أن المعطيات المتوفرة لا تُشير إلى وجود على الأرض أبداً، وإنما أقرب إلى مشروع دعائي / نفسي موجّه، لا يحمل أي ملامح فعلية لتنظيم مقاومة على الأرض. يتضح أنه يريد من خلال دعواته لما يسميه “الانتفاض”، دعوة الشباب وإثارتهم للانضمام فضلاً عن إحداث إرباك في الرأي العام المحلي في الجنوب السوري، والتشويش بإظهار “ردود وهمية” ضد نشاطات إسرائيلية في الجنوب.
جديرٌ بالذكر أيضاً أن هناك جهة أخرى أعلنت تبنيها لإطلاق الصواريخ وهي ما أسمت نفسها “كتائب الشهيد محمد الضيف”، ونقلت ذلك عنها مباشرةً قناة الجزيرة القطرية، وكان تأسيس قناة التلغرام التي بثتها أُنشئت يوم أمس. بما أن “محمد الضيف” هو قيادي في حركة حماس الفلسطينية قُتل مؤخراً، فقد ردت حماس بأنه لا ترتبط بهذه الكتائب.
الرابط: https://daraa24.org/?p=50444