من الصور التي تم التقاطها عن انفجار مخلفات الحرب في قرية دير العدس في الريف الشمالي من محافظة درعا
من الصور التي تم التقاطها عن انفجار مخلفات الحرب في قرية دير العدس في الريف الشمالي من محافظة درعا

مخلفات الحرب في درعا: بكلمات مَنْ عاشوها

ما تزال مخلفات الحرب تحصد أرواح المدنيين في محافظة درعا، جلّهم من الأطفال، بالإضافة لتعرض الكثير منهم لإعاقات جسدية، واضطرابات نفسية لا تزول بسهولة. الألغام والقنابل غير المنفجرة وغيرها، هو الإرث الذي تركته الحرب لأهالي المحافظة، دون محاولات جدّية من قبل الحكومة أو منظمات المجتمع الدولي، للمساعدة في البحث عن هذه المخلفات ,وإزالتها لإنقاذ الأرواح. 

تنظر زينب 33 عاماً، وهو اسم مستعار لسيّدة من الريف الغربي، لأطفالها بحُرْقة خلال حديثها لمراسلة درعا 24: “كان زوجي يعمل على سيارة نقل، وكنا في وضع مادي جيد. قبل خمس سنوات خرج ولم يعد، بسبب لغم انفجر بسيارته، وكان برفقة أربعة عُمال ذهبوا لنقل حمولة قمح في منطقة حوض اليرموك، التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش لسنوات، ولم يتم تمشيط المنطقة من الألغام والقنابل بعد خروجهم، وبقيت على حالها”.

تُضيف: “ترك لي زوجي أربعة أطفال، جميعهم كانوا تحت سن العاشرة حينها، وبقينا دون معيل وليس لدينا مورد رزق آخر لنُعيل بهِ أنفسنا، وتغير حالنا للأسوأ، لم أستطع العمل لعدم توفر فرص عمل مناسبة، ولا يمكنني ترك أطفالي وحدهم في البيت”.  

تُعد حادثة انفجار لغم في سيارة في بلدة دير العدس في الرّيف الشّمالي من محافظة درعا من أكبر المآسي الناجمة مخلفات الحرب في المحافظة، حيث كانت السّيارة تُقلّ 40 عاملاً بين أطفال ونساء ورجال، مما أدى إلى وفاة 10 أشخاص منهم وجُرح البقية.

اقرأ أيضاً : الألغام تفتك بالأرواح ويتساءل الأهالي: متى يتوقف ذلك؟

التقى مراسل درعا 24 مع (أبو عزيز 40 عاما) وهو أحد الناجين حيث قال: “في طريق عودتنا من عملنا إلى بيوتنا انفجر لغم بالسيارة التي كنا فيها، غبت عن الوعي ولم أستيقظ إلا في المشفى، وقد أُصبت بجروح متفرقة”. يتساءل: “شو الذنب يلي عملناه لحتى يصير فينا هيك، كل يلي كان بدنا ياه، نأمن متطلبات ولادنا وأهلنا، دائماً كنا نطلع على عملنا وخايفين من الألغام وغيرها. وطالبنا كثير بإزالة الألغام وتمشيط المنطقة لكن لا حياة لمن تنادي، شو ذنب الأطفال يلي مات أهلهم وصاروا أيتام”.

أمّا أبو محمد، من الريف الشرقي، هو الآخر يتحدث للمراسلة عن فقدانه اثنين من أبنائه بانفجار مادة من مخلفات الحرب: “خرج أطفالي مع أبناء جيراننا للعب في سهل مجاور لبيوتنا، وبعدها بوقت قصير سمعنا صوت انفجار، ليتبين أن الانفجار حصل بينما كان الأطفال يلعبون، مما أدى إلى وفاة أولادي الاثنين وجرح عدد من الأطفال الآخرين”. ويُضيف بأن الأطفال لا يستطيعون تمييز الألغام والابتعاد عنها، وقد وجدوا جسماً غريباً، وبدأوا برمي الحجارة على هذا الجسم لينفجر بعدها.              

نجاح أيضاً أرملة فقدت زوجها بانفجار جسم من مخلفات الحرب تقول للمراسلة: “كالعادة خرج زوجي لعمله في أحد السهول الزراعية، وقد انفجرت مادة من مخلفات الحرب أدت لموته مع أخيه على الفور، وتركوا خلفهم هؤلاء الأطفال الأيتام دون معيل، وفي هذه الأيام كل واحد يالله يدبر أولاده، وضع صعب، لقمة مغمسة بالدم”. تتابع: “صرت أنا وسلفتي نعمل في الأراضي الزراعية، حسب الموسم موسم خضراوات، موسم حصاد القمح، وموسم قطاف الزيتون، وغيره….”.   

وأكّدت أنَّ زوجها ليس الأول الذي يموت بسبب لغم، بل قتلت هذه الألغام وغيرها العديد من أهالي المنطقة، وتسببت لآخرين بإعاقات دائمة وجروح خطيرة، دون اكتراث أي أحد بهذه المشكلة، ومحاولة حلها كي لا تقتل مزيداً من الأرواح.

أمتار قليلة تفصل منزل “نجاح” عن منزل عائلة “أبو جمال” الذي فقد زوجته بانفجار مادة من مخلفات الحرب حيث قال للمراسلة: “الله ستر كنا متنا أنا وإياها وظلوا ولادي لحالهم، لأننا كنا نعمل في نفس ورشة قطاف الزيتون، توفت زوجتي أمام عيوني، وكان هناك إصابات بين العمال الباقين”.

وثقت درعا 24 ما لا يقل عن 25 قتيلاً، جميعهم من المدنيين، و58 إصابة في العام 2022، بينما وثّقت مقتل ثلاثة وإصابة أحد عشر حتى أواخر شهر تموز من العام الجاري.

اقرأ أيضاً : مخلفات الحرب في محافظة درعا، جُلّ الضحايا من المدنيين ولا جهود حقيقية لإزالتها

ووفقاً لإحصائيات منظمة الهلال الأحمر فقد وقعت حوالي 323 حادثة أسفرت عن وفاة 174 شخصاً جراء الألغام، وإصابة 498 شخصاً، بينهم نحو 158 طفلاً، وذلك منذ تطبيق اتفاقية التسوية في محافظة درعا عام 2018 وحتى شهر حزيران 2022. أي بعد مرور أربع سنوات على هذه الاتفاقية، التي رعتها روسيا، وأعلنت من خلالها السلطات السورية بسطها السيطرة على الجنوب السوري كاملاً.

أما بيانات المشفى الوطني في درعا فتُشير الى أن عدد المقبولين من المدنيين بسبب انفجار الألغام خلال الأربع سنوات الأخيرة بلغ حوالي 269 مواطناً، منهم 106 أطفال. 

شهادات وأرقام تلخص مآسٍ كثيرة تعيشها محافظة درعا بسبب ظاهرة مخلفات الحرب المنتشرة عشوائياً في المزارع وعلى الطرقات. لا أحد يدري متى ستتخلص حوران من آلة القتل والدمار، خاصّةً أنه لا جهد يبذل من أي طرف أو جهة للتصدي لها.  

 كيف يمكن للمجتمع الدولي والمنظمات ذات الصلة التعامل بفعالية مع آثار مخلفات الحرب على الإنسان، وما هي الحلول الممكنة للتخفيف من هذه الآثار السلبية وتقديم الدعم اللازم للمتضررين؟          

الرابط: https://daraa24.org/?p=33483

Similar Posts