انتظار أهالي المعتقلين بعد صدور مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022
انتظار أهالي المعتقلين

بذلت السلطات السورية جهوداً كبيرةً وعلى جميع الصعد، بما في ذلك تسخير ماكينتها الإعلامية ومؤسساتها الحكومية وبعثاتها الدبلوماسية، في الترويج لأهمية مرسوم العفو رقم 7 الذي صدر في 30 نيسان / أبريل 2022، الذي قضي بمنح عفو عام عن الجرائم “الإرهابية” المرتكبة من السوريين قبل تاريخ صدروه. إلا أن جملةً من الحقائق والعديد من الشهادات الحية، والكثير من الأرقام والتفاصيل، كشفت ضحالة هذا المرسوم، وقزّمتْ من أهميته في المشاركة في حلّ المعاناة السورية، واقفال أكثر الملفات الشائكة في سوريا، وهو ملف المعتقلين والمختفين قسرياً.

نسبة من شملهم مرسوم العفو

وثقت درعا 24 خروج 211 معتقلاً منذ إصدار المرسوم وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، بينهم 72 تم الإفراج عنهم في الخامس من مايو / أيار 2022، بشكل جماعي في مبنى المجمع الحكومي. 

وتُقدر معظم المنظمات الحقوقية السورية والدولية أعداد المعتقلين بشكل عام في سوريا بما لا يقل عن 132 ألف معتقل ومعتقلة أو مختفٍ ومختفية قسرياً، بينهم عدد من الأطفال وعدد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وإن كان عددهم قليلاً إلا أنه يبقى مستغرباً أن يُعتقل أشخاص من هذه الفئة. ووفقاً لقاعدة البيانات في مكتب توثيق الشهداء بدرعا فإن عدد المعتقلين والمفقودين في المحافظة يزيد على 6800 شخصاً.

وأكد الأستاذ المحامي سليمان القرفان عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني في اتصال مع مراسل درعا 24، أن عدد المفرج عنهم بموجب مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022، لا يتجاوز ألف معتقل، منهم في حدود مائة وخمسين من أبناء درعا.

كذلك حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنه على إثر مرسوم العفو رقم 7 خرج 539 معتقلاً فقط، بينهم 61 سيدة و16 شخصاً كانوا أطفالاً حين اعتقالهم.

في حين يرى المحامي أحمد الزعبي في حديثه مع المراسل أنه يصعب تقدير أرقام المفرج عنهم بدقة، ومع ذلك وفقاً له، فإن أكبر الارقام التي قدرتها المؤسسات الحقوقية تبقى ضئيلة جداً أمام العدد الحقيقي لمجمل المعتقلين والمختفين قسرياً.

وقد قدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها، أن النظام السوري بحاجة إلى 325 عاماً، للإفراج عن 130000 معتقل لديه، وفقاً لمراسيم العفو التي يُصدرها، وهذا في حال أوقف عمليات الاعتقال.

اقرأ أيضاً: أهالي المعتقلين، البحث عن أمل

صعوبة كبيرة في توثيق المعتقلين والمُفرج عنهم

يعود الاختلاف في تقدير الأرقام التي تم الإفراج عنها ضمن هذا العفو إلى مجموعة من الأسباب. وفي إجابته على سؤال المراسل حول عدم وجود أرقام دقيقة للمفرج عنهم، ضمن هذا العفو، لخص الأستاذ س. الحريري الباحث في قضايا حقوق الإنسان، الأسباب وراء ذلك بقوله: “يعود الاختلاف في تقدير أعداد الذين تم الإفراج عنهم تحت هذا العفو، إلى مجموعة من الأسباب، التي ترتبط بآليات تطبيق العفو ومصادر البيانات والجدول الزمني لتنفيذ العفو، والقيود المفروضة على المنظمات الحقوقية المستقلة”.

يتابع الحريري: “لم يُغير النظام طريقة تعاطيه مع منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية، ومراكز الإحصاء، والأبحاث المستقلة، إذ أبقاها بعيدة عن ممارسة أي دور رقابي، وحجب عنهم كما عن المواطنين البيانات، فهو أصلاً لم يُصرح بأرقام رسمية، الأمر الذي ألجأ هذه الجهات إلى الاعتماد على مصادر غير رسمية، وعلى شهادات من المفرج عنهم، ومن ذويهم، ولا يخفى أن هذا ساهم في تباين الأرقام المنشورة”.

أما المحامية ع. إبراهيم في حديث مع مراسلة درعا 24، أكدتْ على أن السلطات السورية تفرض قيوداً على دور المنظمات الدولية، في كل ما يخص المعتقلين. تقول: “دأب النظام حتى منذ ما قبل العام 2011، على منع المنظمات الدولية – بما فيها التابعة لمكاتب الأمم المتحدة والصليب الأحمر – من أي دور رقابي أو إشرافي، فلا يُسمح لهم بمراقبة السجون أو حتى زيارتها، وخاصةً معتقل صيدنايا الرهيب”. 

وتتابع: “فيما يخص العفو رقم 7 لعام 2022، منعت هذه المنظمات من أي دور يمكنها من التوثيق أو الإحصاء”. 

اقرأ أيضاً: الإفراج عن المعتقلين، وحجم الكارثة في سوريا

سؤال أهالي المعتقلين للمفرج عنهم، عن معتقليهم
سؤال أهالي المعتقلين للمفرج عنهم بموجب المرسوم، عن معتقليهم

معتقلو صيدنايا والعفو 7

يعتبر سجن صيدنايا سجناً عسكرياً قرب العاصمة دمشق، يتم استعماله لاحتجاز آلاف السجناء، منهم المعتقلين المدنيين ومنهم الناشطين المعارضين. يُقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن حوالي 30 ألف معتقل لقوا حتفهم فيه تحت التعذيب والإعدام الجماعي منذ العام 2011 وإلى اليوم. وتم وصف هذا السجن بالمسلخ البشري في تقرير أعدته منظمة العفو الدولية في 7 شباط / فبراير 2017، وثقت فيه إعدامات جماعية، بطرق مُختلفة، نفذتها السلطات السورية بحق المعتقلين في سجن صيدنايا.

وقد ركزت التقارير الحقوقية والإنسانية على المُفرج عنهم بموجب المرسوم رقم 7، من معتقليّ صيدنايا، نظراً لسمعته السيئة له، وظروف الاعتقال الوحشية فيه، ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنه بناءً على هذا المرسوم خرج 136 معتقلاً، من أصل 30 ألفاً، دخلوا معتقل صيدنايا خلال السنوات العشر الماضية. ما يعني أن نسبة المُفرج عنهم تحت هذا العفو من معتقلي صيدنايا، أقل من 4% من مجموعهم الكلي.

إقرأ أيضاً: معتقلو درعا: مأساة مستمرة

سجن صيدنايا
سجن صيدنايا

تواريخ الاعتقال تثير المخاوف

تواصلت درعا 24 مع عدد من أقارب المُفرج عنهم بموجب المرسوم رقم 7، للاستفسار حول ظروف اعتقالهم والإفراج عنهم، وتبيّن أنّ معظمهم تمّ اعتقالهم بعد التسوية الّتي تمّت في العام ،2018 وبعضهم انتهت محكوميتهم، ولكن احتفظت الأجهزة الأمنية بهم ليتم الإفراج عنهم في هذا التوقيت.

يؤكد الناشط السياسي م. المسالمة للمراسل أن العدد الأكبر من معتقلي صيدنايا سيء الصيت، الذين تم الإفراج عنهم تحت هذا العفو، هم من الذين تم اعتقالهم بعد عام 2018، ويقول: “هذا الأمر يزيد المخاوف حول مصير من تم اعتقالهم في بداية الثورة، وخاصة من أهل حوران”.

لا يقتصر ذلك على ما يبدو على معتقلي صيدنايا، بل يتعداه إلى جميع المعتقلين والمختفين قسرياً، إذ يرى القاضي م. أحمد في حديثه للمراسل، أن غالبية من خرجوا تحت هذا العفو، اُعتقلوا بعد العام 2018، وذلك بعد سيطرة النظام على ريف دمشق ودرعا وريفها وريف حمص الشمالي. وفق تعبير القاضي.

يضيف: “إن وجود عدد كبير من الأشخاص المُفرج عنهم، ممن كانوا قد أجروا تسويات لأوضاعهم الأمنية قبيل اعتقالهم، ومُنحوا تعهداً بعدم التعرض لهم من قبل الفروع الأمنية، يجعل هذا العفو صورياً و “ضحك على الذقون”.

الحكم على مرسوم العفو بناءً على ممارسات ما بعده

شهدت مرحلة ما بعد إصدار العفو وتنفيذه جملة من الممارسات من قبل السلطات السورية، أثارت الكثير من التساؤلات حول ماهية هذا المرسوم وأهدافه وجدّيته، فمنذ صدور هذا المرسوم حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال ما لا يقل عن 334 مدني.

يتناول الأستاذ م. المسالمة الأمر من جانب آخر، حين يشير إلى سلوك الأجهزة الأمنية في مرحلة ما بعد العفو. يقول: “لا اتذكر إلا المثل الشعبي [كأنك يا أبو زيد ما غزيت]، فشيء جديد لم يتغير، فلا الاعتقالات توقفت، ولا الأساليب الأمنية التعسفية والممارسات غير المقبولة وغير القانونية تبدلت. والأمر الأدهى والأمرّ إعادة اعتقال بعض من شملهم العفو، نتيجة ورود أسمائهم في نشرات بحث لأجهزة أمنية معينة”.

في ذات السياق يشير الأستاذ المحامي أ. الزعبي، من وجهة نظر قانونية يقول: “من خلال المتابعة تأكدنا من أنه لم تلغَ مذكرات الإحضار وإذاعة البحث والتوقيف والمراجعة بعد مرسوم العفو، كما تم اعتقال عدد من العائدين”.

اقرأ أيضاً: تعليق حقوقي حول مرسوم العفو الصادر اليوم

إطلاق سراح موقوفين أُعتقلوا بعد صدور المرسوم

طالما أعلنت صفحة المحافظة والصفحات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية في محافظة درعا،  بأن الإفراج عن الكثير من الموقوفين، تم بموجب المرسوم رقم 7، على الرغم من أن بعض المفرج عنهم تم اعتقالهم بعد صدور المرسوم، وبعضهم أُفرج عنهم بعد سنة من صدور المرسوم المذكور.

 مراسل درعا 24 سأل المحامي «سليمان القرفان»، هل يجوز أن يُطلق سراح الموقوف بناء على المرسوم بعد صدوره بسنة فقال: « عندما يصدر المرسوم، يجب على السلطات القضائية وخلال فترة 24 ساعة، إصدار قوائم المشمولين في العفو والبدء بإطلاق سراحهم فوراً».

وأضاف «بأن المرسوم يشمل من ارتكب الجرم قبل صدور المرسوم، وبأثر رجعي»، وأكّد السيد ”القرفان“ بأنه في حال الافراج عن موقوف بعد هذه المدة من صدور المرسوم، فهذا يُعتبر (في الدول التي تحترم نفسها ولديها قضاء مستقل) توقيف تعسفي، وحجز حرية ويجب محاسبة من أخّر إطلاق سراحه، وإعطاء السجين تعويضاً عن تلك الفترة».

إقرأ أيضاً: إطلاق سراح شاب اُعتقل منذ أربعة أشهر، ومحافظة درعا تنسب إطلاق سراحه لمرسوم نيسان 2022

التُهم التي شملها العفو دقت المسمار الأخير في النعش

حسب العديد من المواطنين الذين التقاهم مراسلو درعا 24 فإن عدداً كبيراً من المُفرج عنهم بموجب المرسوم رقم 7، اُعتقلوا على خلفية قضايا جنائية مثل السرقة وتجارة وتعاطي المخدرات، والغالبية العظمى منهم دخلوا السجن منذ أقل من سنة.

يقول السيد أبو يوسف من ذوي المعتقلين في الريف الغربي من درعا يقول: “كنا نظن أن الأيام السوداء التي عشناها انتهت”، وبعد أن سكت لبرهة تابع: “تفاجأنا أن كثيراً من الذين خرجوا من المعتقل، هم مجرمون ثم تساءل: هل هذا عفو سياسي أم عفو عن الحرامية”. 

يضيف: “ما الفائدة من الإفراج عن معتقل ستنتهي محكوميته بعد أشهر قليلة، بينما هناك الكثير لا نعرف إذا كانوا أحياء أصلاً. خيبة الأمل هذه رسختها تصريحات الرئيس السوري لمحطة روسيا اليوم : “لا يوجد لدينا ما يسمى معتقل سياسي، كلمة معتقل سياسي غير موجودة”.

الآنسة و. الجباوي مدرّسة من الريف الشمالي، وأخت لأحد المعتقلين، تقول: “اُعتقل أخي منذ أكثر من عشر سنوات، لم أشعر بفقدان الأمل كما شعرت به عندما استمعت لمقابلة بشار مع تلفزيون روسيا… لقد اسودت الدنيا بأعيننا”.

أحد الناشطين الحقوقيين والمعتقل السابق في سجن تدمر أعطى عبر اتصال هاتفي، أمثلة عن معتقلي الرأي في سوريا، الذين ما زال مصيرهم مجهولاً إلى اليوم: “الدكتورة رانيا عباسي وزوجها وأطفالها الستة ومساعدتها، تم اعتقالهم في 9 آذار / مارس 2013، ولا نعرف عن مصيرهم شيء الى اليوم. وكذلك ما يزال المعارض عبد العزيز الخير في عداد المختفين قسراً منذ 20 أيلول / سبتمبر 2012. وكذلك ما يزال مصير الناشط رامي الهناوي والذي أُعتقل منذ 5/ آب 2012 مجهولاً حتى الآن أيضاً، وأما رغيد الططري فهو ما يزال معتقلاً منذ أكثر من 41 عاماً، وهو معتقل من الثمانينات، حيث كان يعمل طياراً في سلاح الجو السوري”.

إقرأ أيضاً: أهالي المعتقلين، البحث عن أمل

 العفو بين نَكْئ الجراح وابتزاز الأهالي

في تصريحه بتاريخ 22 حزيران / يونيو 2022 لمركز عمران للدراسات أفاد المدير التنفيذي لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا دياب سرية، أن معاناة آلاف الأسر ازدادت بعد مرسوم العفو الأخير، وهم ينتظرون ذويهم المختفين قسراً، وبحسب رابطة معتقلي سجن صيدنايا، لا يمكن لهذا العفو أن يُغطي على جريمة النظام الكبرى بإخفاء عشرات آلاف المواطنين والمواطنات وعدم الكشف عن مصيرهم.

تقول الباحثة الاجتماعية ريم الخالد: “رصدنا في محافظة درعا قبيل وبعد صدور العفو انتشار واسع لشبكات منظمة تعمل في النصب والاحتيال، ولدينا مؤشرات قوية تؤكد ارتباط هذه الشبكات بالأجهزة الأمنية، ومن هذه المؤشرات امتلاك أفراد هذه الشبكات لبيانات ومعلومات شخصية عن المعتقلين، لا يمكن أن يكون مصدرها غير الأجهزة الأمنية”. تتابع الخالد: “ساهم امتلاك هذه الشبكات لهذه المعلومات، بالإضافة إلى بحث أهالي المعتقلين عن أي بصيص أمل، في الإيقاع بكثير من الأهالي، وسرقة مبالغ مالية كبيرة منهم دون أي فائدة”.

السيدة أم علي من الريف الشرقي تخبر المراسلة، أنها سقطت ضحية لأحد هذه الشبكات تقول: “كنت أعرف أنهم من النصابين…. لكن الغريق يتعلق بقشة”.

وأشارت بعض التقارير إلى أن هذه الشبكات تضم ضباطاً ومحامين وقضاة ومدنيين متنفذين، أصبحت لديهم خبرة كبيرة على مدى الـ 12 سنة الماضية في مجال استدراج الأهالي ومداعبة آمالهم برؤية أبنائهم المعتقلين، حتى لو دفعوا كل ما يملكون.

ترقب السوريون عفواً يُنهي آلامهم ويعيد إليهم أحبابهم، صدر العفو رقم 7 وتم تطبيقه وطويت صفحته، ولم يأتِ بجديد، ولم يغير شيئاً. بل كان العفو – كما يصفه متابعون – بمثابة الملح الذي يُرش على الجرح المفتوح، فلا الجرح يبرأ ولا صاحبه يطيق وجعاً بإضافة هذا الملح.

فيديو: معتقلو حوران وسوريا

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=32394

Similar Posts