أهالي المعتقلين ينتظرون الافراج عن أبنائهم
أهالي المعتقلين بدرعا ينتظرون الافراج عن أبنائهم

مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022

يُشكّل أي عفوٍ عن المعتقلين في سوريا منذ عام 2011 بارقة أمل لدى المُعتقل في أقبية سجون الأجهزة الأمنية ولدى ذويه، علّه يُنهي رحلة عذاب بدأت مع اللحظة الاولى للاعتقال أو الإخفاء القسري. في 30 نيسان / أبريل 2022 أصدرت رئاسة الجمهورية في البلاد مرسوماً، يقضي بمنح عفوٍ عامٍّ عن “الجرائم الإرهابية” المُرتكبة من السوريين، والواردة في القانون 19 لعام 2012 وقانون العقوبات العام، عدا تلك الجرائم التي أفضت لموت إنسان.

وثقت درعا 24 خروج 211 معتقلاً منذ إصدار المرسوم وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، بينهم 72 تم الإفراج عنهم في الخامس من مايو 2022، بشكل جماعي في مبنى المجمع الحكومي. وبعد الاستفسار من عدد من أقارب المُفرج عنهم ومن أشخاص مقربين منهم، تبيّن أنّ معظمهم، تمّ اعتقالهم بعد التسوية الّتي تمّت في العام 2018 وبعضهم ممن انتهت محكوميتهم، ولكن احتفظت الأجهزة الأمنية بهم ليتم الإفراج عنهم في هذا التوقيت.

اقرأ أيضاً: معظم المعتقلين المفرج عنهم من السجون، اعتقلوا بعد العام 2018 وبقضايا جنائية

فيما تجمّع الآلاف من ذوي المعتقلين في منطقة جسر الرئيس في العاصمة دمشق بعد أول عملية إفراج بموجب العفو رقم 7. حيث كانت الأجهزة الأمنية تنقل المُفرج عنهم من السجون إلى منطقة جسر الرئيس في البرامكة، دون إصدار قوائم إسمية أو تفاصيل عن المعتقلين المُفرج عنهم. وقد نزلت كاميرا إذاعة شام إف إم شبه الرسمية إلى هذه المنطقة، ورصدت معاناة الأهالي في انتظار وصول المعتقلين، وأجرت مقابلات معهم، لكنها حذفت الفيديو في وقت لاحق.

اقرأ أيضاً : وزارة الداخلية تدعو ذوي المعتقلين لعدم الانتظار تحت جسر الرئيس

 ترويج إعلامي كبير

بذلت السلطات جهوداً كبيرة للترويج لمرسوم العفو 7 لعام 2022، فسخّرت وسائل إعلامها لأيام للحديث عنه وعن أهميته والانعكاسات المتوقعة له على الأزمة في البلاد، وكأنه العصا السحرية التي ستعيد الأمور في سوريا إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، وساهمت في ذلك المؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية من خلال بيانات وتصريحات متناغمة، وكأنها تنبع من مصدر واحد.

وقد أصدرت جهات حكومية وبعثات دبلوماسية بيانات للترويج لهذا المرسوم والتسويق له، ومن ذلك بيان لوزير العدل أحمد السيد في أيار 2022، وإعلانات صادرة عن السفارات السورية في العديد من العواصم الأجنبية والعربية مثل ستوكهولم وعمان.

كذلك ففي لقاء مع جريدة البعث كشف مندوب شؤون الإعلام في سوريا أحمد أبوغزالة أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبالتعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعة الافتراضية، بصدد إطلاق ماجستير هو الأول من نوعه في سوريا بعنوان “ماجستير تأهيل وتخصص بالقانون الدولي الإنساني” بهدف التوسع في مجال تعزيز القيم الإنسانية، ونشر القانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى أنه تم عقد ولأول مرة منذ ٨ سنوات دورة تدريبية لـ ١٠٠ قاضي، عن القانون الدولي الإنساني، بالشراكة مع اللجنة الوطنية السورية للقانون الدولي الإنساني، وتدريب الكوادر لوزارات الداخلية والدفاع والشؤون الاجتماعية والتنمية الإدارية والخارجية، وطلبة الجامعات حول القانون الدولي الإنساني.

بالإضافة إلى ذلك في حزيران 2022 أكد نائب وزير الخارجية والمغتربين بشار الجعفري لجريدة الوطن السورية، والتي وصفت نائب الوزير بانه رئيس “اللجنة الوطنية السورية للقانون الدولي الإنساني”، أن سوريا من الدول الرائدة عالمياً في مجال التوعية بالقانون الدولي الإنساني، مشدداً على أهمية دور الحكومة السورية في تقديم كل التسهيلات المطلوبة لـ«اللجنة الدولية للصليب الأحمر» لتمكينها من ممارسة عملها الإنساني، في تلبية احتياجات السوريين المتضررين من “الحرب الإرهابية”.  

وقد ترافق إصدار هذا العفو مع سابقة في تاريخ سوريا، تمثلت في تنصيب وزير دفاع جديد لم يسبق له قيادة وحدات عسكرية مقاتلة، وكذلك تعيين رئيس لهيئة الأركان العامة، بعد شغور المنصب لأربع سنوات منذ بداية عام 2018. 

كما بين القاضي نزار صدقني معاون وزير العدل في تصريح لوكالة سانا الرسمية، أنه وفق المرسوم رقم 7 لم يطلب من المشمولين بالعفو أي اجراءات أو مراجعة الدوائر المختصة، وأن مؤسسات الدولة ستقوم بالإجراءات المناسبة، لتنفيذ هذا المرسوم بشكل فوري، منوهاً بأن المرسوم رقم 7 جاء مكملاً لمراسيم العفو السابقة، التي شملت جرائم مختلفة. 

أهداف خفية ومُعلنة للعفو

أكد القاضي العسكري العقيد أحمد طوزان في تصريح مماثل لوكالة سانا، أن المرسوم رقم 7 منعطف قانوني جريء في تاريخ الحياة القانونية السورية، وصفحة جديدة في حياة سورية المستقبلية، وأن “الدولة السورية أرادت منه انتشال الأشخاص من الجرائم، التي تورطوا بها، والانتقال بهم من مسارات الهدم والتخريب إلى مسارات العلم والبناء وإعادة إعمار البلد”.

ولفت إلى أن مرسوم العفو سيساهم بملء ميادين العمل والبناء، بأيدي السوريين، من خلال هذا التسامح الفريد بحق كل من ارتكب جرماً إرهابياً وعودته إلى حياته الطبيعية.

وقال القاضي طوزان: “إنه منذ هذه اللحظة كل جريمة إرهابية، تنطبق على مرتكبها شروط العفو، أصبح في حلّ من أي ملاحقة أو إذاعة بحث وطلب مذكرة توقيف عن الغياب، أو مذكرة إحضار أو مذكرة حكم أو عقوبة، فالعفو محا الجريمة من صفحة الملاحقة القضائية.

ولفت القاضي إلى أن من سمة المرسوم الجديد أيضاً، أنه أغلق الأبواب أمام ضعاف النفوس والمحتالين، الذين كانوا يستدرجون بعض الأشخاص المطلوبين أو الملاحقين، ويعملون على ابتزازهم. مشيراً إلى أن جريمة الخطف لم يشملها العفو. 

لم يحظ أي مرسوم عفو سابق بالاهتمام الذي لقيه هذا المرسوم، سواء على المستوى الشعبي أو لدى العديد من الفاعلين الدوليين والأقليميين، بحسب الأستاذ المحامي ن. السعدي، من الريف الغربي، الذي يرى أنه بقدر هذا الاهتمام كانت خيبة الأمل، إذ لم تمض إلا أياما قليلة لتتكشف حقائق وتفاصيل ذهبت بالآمال أدراج الرياح.

اقرأ أيضاً: الإفراج عن المعتقلين، وحجم الكارثة في سوريا

بدوره يلخص الناشط السياسي م. المسالمة لمراسل درعا 24 أهداف السلطات السورية وراء إصدار هذا العفو، فيقول : “يهدف النظام السوري من وراء إصدار هذا العفو إلى إصلاح علاقته بالعواصم العربية والدولية، ولا سيما مع الدول التي استقبلت أعداداً كبيرةً من السوريين، وخاصّة تركبا والأردن، مستغلاً بذلك المزاج الحكومي والشعبي في هذه الدول الساعي لإنهاء ملف اللجوء. بالإضافة إلى محاولة تجميل الصورة البشعة للنظام في ملف حقوق الانسان، وابداء الاستعداد والقدرة على إدارة عمليات إعادة الإعمار”.

أما الباحث في شؤون المعارضة السورية ع. أبازيد  فيرى في حديثه مع المراسل أن هناك هدف للعفو، مرتبط بمعالجات الحكومة السورية تجاه فعل وبروبوغاندا المعارضة. يقول: “تستخدم المعارضة السياسية السورية بمختلف أطيافها ملفات المختفين قسرياً والمعتقلين والمهجّرين في نشاطها ضد النظام، وتعتمد عليها في شيطنة النظام على الصعيدين المحلي والدولي، الأمر الذي حاول النظام الالتفاف إليه من خلال هذا العفو”.

يقول الأستاذ المحامي سليمان القرفان عضو اللجنة الدستورية عن قائمة المجتمع المدني في مكالمة عبر تطبيق وتساب مع المراسل: “إن هذا العفو يُكرّس سياسة النظام السوري في حكم البلاد بقبضته الأمنية، لدى تعاطيه مع القضايا الأكثر إلحاحاً ووجعاً للسوريين والسوريات. ومن جهة أخرى فإنه يرمي لتدعيم روايته القديمة الحديثة، بأن مايحدث في سوريا هو محاربة الحكومة للإرهاب”.

اقرأ أيضاً: الإفراج عن عشرات المعتقلين، وآلاف الأهالي ما زالوا ينتظرون أبناءهم

جائحة كورونا ربما تكون حاضرة عند الحديث عن هذا المرسوم. يقول الحقوقي أحمد الزعبي: “منذ بداية انتشار جائحة كورونا تعرض النظام السوري لضغوط كبيرة من جهات دولية، متخوفة من أن تسهم ظروف الاعتقال في سوريا، إلى انفجار وبائي، ومن خلال هذا المرسوم نجح النظام في التعامل مع هذه الضغوط، بإغراقها بتفاصيل العفو وإجراءاته التنفيذية”.

يتابع الزعبي: “تمت عمليات الاعتقال والإفراج عن المعتقلين منذ بداية الاحتجاجات عام 2011، وفق مقاربات تتماهى مع الأجندة الامنية والسياسية للنظام، وتتطور معها”. يضرب مثالاً على ذلك: “في بداية الاحتجاجات شمل العفو الرئاسي حينها السجناء الجنائيين وأصحاب السوابق، بهدف تعويض النقص في العنصر البشري في الأجهزة الأمنية والعسكرية، نتيجة الانشقاقات الواسعة التي عانت منها هذه الاجهزة، بالإضافة إلى هدف آخر يتمثل في تسميم المجتمع، وتشويه أهداف الحراك السلمي”. وعن مرسوم العفو رقم 7 يرى الزعبي أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بملفات العودة الطوعية للمهجّرين والإصلاحات الداخلية، وإعادة تعويم النظام عربياً وإقليماً ودولياً.

وفي إجابته على سؤال مراسلتنا عمّا يميز مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022 عن سابقاته، قال القاضي المتقاعد م. الأحمد: “هذا العفو في ظاهره أكثر شمولاً من جميع مراسيم العفو التي سبقته، فهو يشمل لأول مرة العفو عن الجرائم المنصوص عليها بالقانون رقم 19 لعام 2012، والمتضمنة الجرائم الإرهابية المتعلقة بتشكيل وتمويل منظمات إرهابية، وكل ما يتعلق بالأسلحة والمتفجرات من تصنيع وتهريب وحيازة، بينما استثنت المراسيم السابقة هذه الجرائم، علماً أن التهم التي وجهتها الأجهزة الأمنية للمتظاهرين السلميين، واقتصرت المراسيم السابقة على العفو عن جرائم الفرار العسكري وعدم الالتحاق بخدمة العلم والجرائم والجنح والمخالفات، مثل المخدرات والتهريب والخطف والجرائم الاقتصادية والدعارة ومخالفات البناء والرشاوي وغير ذلك من جنح ومخالفات جنائية”. 

مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022 سابقة في تاريخ السياسة السورية، سخرت الحكومة السورية للترويج له ماكينتها الإعلامية، ولم تدّخر جهداً في توظيف جميع مؤسساتها الرسمية وبعثاتها الدبلوماسية، للحديث عن أهميته، وما ذلك إلا لإنجاز جملة من الأهداف الاستراتيجية المعلنة وغير المعلنة، وسط تشكيك المعارضة بأهمية هذا العفو، والدوافع الحقيقية وراءه، وفي ظل استمرار مشكلة المعتقلين، حيث لم يُسهم هذا العفو إلا في الإفراج عن أعداد قليلة كثيرٌ منهم تُهمهم جنائية.

استطلاع رأي

للمشاركة في استطلاع الرأي الذي تجريه درعا 24:

استطلاع رأي حول مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022
استطلاع رأي حول مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=32171


إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًاً من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدّم/قدّمي شكوى

Similar Posts