معاناة يدفع ثمنها الأطفال
معاناة يدفع ثمنها الأطفال – أطفال درعا مسلوبي الحقوق

يعتبر الأطفال من أكثر فئات المجتمع تأثراً من تداعيات الحرب والنزاع والظروف المعيشية الغاية في السوء، وما تركته من انعكاسات سلبية خطيرة على مستقبلهم سواء على الصعيد الصحي أو النفسي أو الاجتماعي، حيث يعاني الأطفال في درعا من أوضاع نفسية سيئة، وذلك بسبب الحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة، وفقدان الأمان وتردي الخدمات العامة في قطاعات التعليم والصحة.

تأثير الأزمات الاقتصادية على الأطفال

لقد أدى تدهور الاقتصاد في محافظة درعا إلى اتساع دائرة العنف الأسري الموجه ضد الأطفال بشكل مريع، وذلك بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل، الذي انعكس سلباً على الاستقرار النفسي للعائلات في درعا، حيث باتت المعيشة القاسية تسبب المزيد من العنف الأسري.

 (أمل، س، ناشطة إعلامية من محافظة درعا) تقول : “تركت الظروف الاقتصادية المتردية العديد من الآثار النفسية على الأسر في درعا وبالأخص على الأطفال،  حيث باتوا يواجهون أوضاعاً إنسانية صعبة نتيجة تعرضهم للعنف، ناهيك عن الحصار الاقتصادي الذي حرمهم من حقوقهم في التعليم والحصول على الخدمات الصحية الضرورية والغذاء  الصحي المتوازن، وقد أجبرت تلك الظروف أُسر العديد منهم على تغيير نمط حياتهم وزجهم بسوق العمل، تحت ضغط لقمة العيش”.

 إضافة الى خطر تعرضهم للألغام والمتفجرات بكل أنواعها الذي سبب للعديد من الأطفال إعاقات دائمة حرمتهم من أبسط حقوقهم. ومن ناحية أخرى تواجه الفتيات في درعا خطر الزواج المبكر هرباً من الواقع الاقتصادي المتردي في المنطقة، وكل هذه التراكمات سوف تؤثر سلباً على مستقبل الأطفال بشكل خاص وتعرضهم للعديد من الاضطرابات النفسية ومشاكل سلوكية مختلفة”.

إقرأ أيضاً: عمالة الأطفال ظاهرة يضاعفها الفقر

يشير (الخبير الاقتصادي، جمال حامد) إلى أن الصعوبات الاقتصادية أثرت على الأطفال تأثيراً سلبياً، فالفقر ونقص الموارد اللازمة لتوفير الرعاية الصحية وتراجع النظام المدرسي، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة والعنف الأسري والمجتمعي، سبب لهم مخاطر عالية.

يقول : “الأوضاع المعيشية الصعبة غالباً ما تسبب التسرب من التعليم وضعف حصولهم على الرعاية الصحية، والطفل الذي يتسرب من المدرسة لا يعود اليها مرة أخرى، ويمكنني القول أن الفقر يرتبط عكسياً بقدرة الطلاب على التحصيل، فكلما زادت الضغوطات الاقتصادية على أسرهم تراجع مستوى الطلاب التعليمي، فمواجهة الأسر للصعوبات الاقتصادية تحمل الأطفال ضرراً كبيراً وتعيق تقدمهم في مجالات التكيف المختلفة على مدار حياتهم فيما بعد، وانضمام الأطفال إلى سوق العمالة لأسباب معيشية بسبب انقطاع مصادر الدخل لأسرهم أو بسبب فقدان العائل دفعهم إلى هجر مرحلة الطفولة باكراً وضاعف من معاناتهم بشكل يومي بسبب انعدام وسائل الحماية الأساسية لهم، وأصبحوا أكثر حاجة للتأهيل النفسي من أجل معالجة آثار الأزمات المتتالية التي انعكست على حياتهم بشكل مباشر”.

الأطفال هم الأكثر تضرراً

تقول منظمة اليونسف في تقرير لها صادر في آذار / مارس 2022: بعد مرور 11 عاماً على بدء الأزمة في سوريا، لا يزال العنف والنزوح ونقص الوصول إلى الخدمات الأساسية يعيق حياة الأطفال. في العام الماضي فقد حوالي 900 طفل في سوريا حياتهم او أُصيبوا، ليصل العدد الإجمالي للقتلى والجرحى من الأطفال منذ بداية الأزمة الى حوالي 13 ألف طفل، كانت الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة السبب الرئيسي لوقوع هؤلاء الأطفال الضحايا في عام 2021، وهو ما يمثل حوالي ثلث اجمالي الإصابات والوفيات المسجلة تاركةً العديد من الأطفال بإعاقات مدى الحياة.

إقرأ أيضاً: ارتفاع نسبة زواج القاصرات في سوريا من 10% إلى 45 % بعد الحرب 

يعاني الأطفال في سوريا من عدم توافر مقومات الحياة ومن أكثر الظواهر التي يعانون منها هي سوء التغذية وفي تقرير سابق لليونسف عام 2021 بين أن أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخمس سنوات في سوريا يعانون من التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن، وحوالي 2,45 مليون طفل في سوريا و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة،  40% منهم من الفتيات.

وحسب البيانات بين 2011 و2020 تم توثيق مقتل أو إصابة ما يقرب من 12 ألف طفل، وتجنيد أكثر من 5,700 طفل للقتال بعضهم لا تزيد أعمارهم عن السبع سنوات، بالإضافة إلى تضاعف عدد الأطفال الذين تظهر عليهم أعراض الضيق النفسي والاجتماعي في عام 2020، فالتعرض المستمر للعنف والخوف الشديد والصدمات له تأثير كبير على الصحة النفسية للأطفال، مع ما يترتب عليها من آثار قصيرة وطويلة الأمد.

تبعات نفسية

ممثل اليونيسف في سوريا، بو فيكتور نيلوند في بيان صحفي: “وُلد حوالي 5 ملايين طفل في سوريا منذ عام 2011، ولم يعرفوا شيئًا سوى الحرب والنزاع. في أجزاء كثيرة من سوريا، ما زالوا يعيشون في خوف من العنف والألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب”.

ويضيف: “لا تزال الأزمة تترك جراحاً نفسية لدى الأطفال السوريين. في العام الماضي، أظهر ثلث الأطفال في سوريا علامات الضيق النفسي بما في ذلك القلق والحزن والتعب أو اضطرابات النوم المتكررة”.

إقرأ أيضاً: غالبية الأطفال خارج سوريا وداخلها لا يمكنهم تخيل مستقبلهم في سوريا!

 ‏تقول ‏(أسماء، م، مرشدة اجتماعية) : “تضرر الأطفال في محافظة درعا بسبب الحرب بشكل كبير، وتبع ذلك عواقب نفسية ناتجة عن خوضهم عدة تجارب قاسية، منها النزوح وخسارة البيوت أو الحزن الشديد على فقدان أحد أفراد العائلة أو من فقد أحد أطرافه نتيجة إصابة ما، وكل هذه المشاهد التي عاشها أطفال درعا تجسدت بانعكاسات مؤلمة تتداخل مع حياتهم اليومية ولعل أبرزها الشعور بفقدان الثقة، وتراجع الشعور بالأمان والدعم العاطفي والأسري، إضافة إلى اضطرابات في المزاج والشخصية والاكتئاب وضعف التركيز الذي سيؤدي الى مشاكل تعليمية، منها تراجع التحصيل الدراسي لهم”.

إقرأ أيضاً: زواج القاصرات: فتيات كبش فداء لأسرهن في ظل سوء الأوضاع وغياب المُعيل

يعيش الأطفال في درعا ظروفاً قاسية فبدلاً من أن يعيشوا طفولتهم كغيرهم من الأطفال يلعبوا ويغنوا ويمارسوا أبسط حقوقهم أصبحوا يعملون لتوفير بعض الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم، وتظهر عليهم  مشاعر  اليأس والحزن بدلاً من الفرح والتفاؤل، وهذا يدل على انهم أصبحوا مهدوري الحقوق ومحاطين بالإحباط والقلق والتشتت والضياع، إن ارتفاع مستويات الفقر إضافة إلى عقود من النزاعات والإهمال والحرمان حملت المجتمع عبئاً ثقيلاً وأدت الى تمزق نسيجه الاجتماعي الذي يعتبر حجر الأساس لبناء جيل واع قادر على النهوض والتنمية من جديد.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=28305

Similar Posts