في العاشر من نوفمبر 2023، اُغتيل الزميل الإعلامي محمود الحربي، أحد أبرز أعضاء شبكة درعا 24، بالقرب من منزله في بلدة معربة شرقي محافظة درعا. شكّل اغتياله صدمة كبيرة وأعاد تسليط الضوء على التهديدات والعنف المتصاعد الذي يواجهه الصحفيون والنشطاء في جنوب سوريا. يعرض هذا التقرير حياة محمود، وظروف اغتياله، ومساعي تحقيق العدالة التي ما زالت تواجه تحديات عديدة.
حياة محمود الحربي: صحفي مدافع عن الحق والعدالة
وُلد محمود في يناير 1986، وكان أباً لخمسة أطفال: بتول (12 سنة)، وسيف (10 سنوات)، ومحمد (6 سنوات)، وريتال (4 سنوات)، وميس (سنتان). التحق بجامعة البعث في حمص لدراسة اللغة العربية، لكنه انقطع عن الدراسة في 2011 مع اندلاع الثورة. انخرط في مجال الإعلام منذ 2019، حيث كان جزءاً من الفريق المؤسس لشبكة درعا 24. وعُرف بجهوده الحثيثة في توثيق الأحداث وتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، وعمل على رصد تفاصيل الأحداث اليومية في المحافظة.
إقرأ أيضاً: في ذكرى مرور أربعين يوما على رحيله: محطات من حياة الزميل محمود الحربي
اغتياله المأساوي وتداعياته
في العاشر من نوفمبر، وبينما كان محمود يقود سيارته شاهد مشاجرة ونزل من السيارة محاولا التدخل للحل ، ولكن وفور نزوله باغته أحد عناصر مجموعة مسلحة ترتبط بالاجهزة الأمنية، وأطلق النار عليه مباشرة ومن مسافة قريبة، ليفارق الحياة فوراً. أثار اغتيال محمود غضباً واسعاً، وخرجت تظاهرات في السويداء حداداً على روحه، حيث رُفعت لافتات استذكرت شجاعته وكلماته، ومن أبرزها: “روح محمود الحربي تحلّق فوق جبل العرب”.
مشاركته في حراك السويداء والتضامن مع الجوار
أبرز محمود التزامه بالوحدة والسلام عبر مشاركته في المظاهرات السلمية في السويداء، حيث حضر مع وفد من محافظة درعا، ليؤكد على وحدة المصير بين المحافظتين. في تصريح إعلامي من “ساحة الكرامة” في السويداء، عبّر محمود عن تضامنه الكامل مع مطالب المحتجين قائلاً: “نحن جميعاً أبناء هذا الوطن، يجب أن ندعم بعضنا البعض، وأن يكون صوتنا المدني أعلى من صوت السلطة العسكرية.”
تصاعد التهديدات والترهيب ضده
بعد مشاركته في المظاهرات بيوم واحد، تلقى محمود اتصالاً من رئيس مفرزة الأمن العسكري في مدينة بصرى الشام طالبه فيه بالذهاب الى الفرع لمقابلة رئيس الفرع اللواء لؤي العلي “لمحادثة سريعة” لكن محمود، إدراكاً منه لخطورة الأمر، رفض الحضور. تبع ذلك عدة اتصالات وتهديدات، شملت تهديدات مباشرة بالقتل، مما جعله يعيش حالة من القلق الدائم.
بعد أيام من هذه التهديدات، وفي 15 سبتمبر 2023، تعرض منزله في بلدة معربة لإطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين أثناء تواجده مع أطفاله، وقد نجا من هذا الاعتداء بأعجوبة، مما زاد من حالة الخوف والقلق لديه ولدى عائلته.
مساعي العدالة المعطّلة
أُنشئت لجنة تحقيق محلية في درعا، بقيادة القيادي محمود البردان (أبو مرشد)، للنظر في القضية. ورغم توافر أدلة دامغة، بما في ذلك تسجيلات فيديو وثّقت الحادثة، لم يُحاسب المتورطون بشكلٍ فعّال. المدعو محمد عارف العباس، المُتهم الرئيسي بقتل محمود، اعتُقل لفترة قصيرة، وحُكم عليه من لجنة شرعية غربي درعا منذ آذار 2024 بالإعدام بتهمة قتل محمود عمداً، لكنه فرّ من السجن في ظروف غامضة في نيسان، ما أثار شكوكاً حول تواطؤ بعض الجهات.
عبّرت عائلة محمود عن رفضها القاطع لطريقة معالجة القضية، وأشارت الى تورط اللجنة المركزية في هروب القاتل.
أطفال محمود: ألم الفقد والحنين للأب الغائب
منذ رحيل والدهم، يعيش أطفال محمود الحربي في حالة من الفقد المستمر والحنين له. بتول، البالغة من العمر 12 عامًا، وسيف (10 سنوات)، يحاولان التأقلم مع غياب والدهم، لكنّهما يجدان صعوبة في فهم السبب وراء هذا الغياب المفاجئ. محمد (6 سنوات) يعبر عن اشتياقه لوالده بأسئلة بريئة تترك أثرًا عميقًا في العائلة. أما ريتال، التي تبلغ من العمر 4 سنوات، وشقيقتها الصغرى ميس (سنتان)، فتفتقدان الحنان والحب الذي كان والدهما يمنحه لهما، ويجدان صعوبة في فهم أين ذهب ولماذا لم يعد.
يواجه أطفال محمود مشاعر الفقدان التي تفوق سنهم، فهم ليسوا مجرد أبناء فقدوا والدهم، بل ضحايا لجريمة حرمتهم الأمان والحب الأبوي الذي لا يمكن تعويضه.
حتى اليوم، ورغم مرور عام على اغتياله، لم يُحاسب المسؤولون عن جريمة قتل الزميل محمود. تُطالب شبكة درعا 24 بمساءلة جميع المتورطين في الجريمة، وتشدد على ضرورة توفير الحماية للنشطاء والصحفيين في محافظة درعا. محمود، الذي دفع حياته ثمناً لنقل الحقيقة، يبقى رمزاً للحرية والشجاعة، وذكراه تلهم زملاءه لمواصلة رسالته.
الرابط: https://daraa24.org/?p=45560