في الذكرى الثانية لاغتيال الزميل محمود الحربي: توقيف القاتل… فهل تتحقق العدالة أخيرًا؟

الزميل محمود الحربي
الزميل محمود الحربي

في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، فقدت درعا واحدًا من أكثر أبنائها صدقًا وشجاعةً. في مثل هذا اليوم، قبل عامين، اُغتيل الزميل محمود الحربي (الكفري)، أحد أبرز العاملين في شبكة درعا 24، في بلدة معربة شرقي محافظة درعا.

تحلّ الذكرى الثانية لاغتياله اليوم، بعد أن أُلقي قبل أيام قليلة فقط القبض على المتهم الرئيس بجريمة قتله، محمد العارف العباس، في العاصمة دمشق، بعد محاولته الفرار إلى لبنان.

القاتل بيد العدالة

تشير المعلومات إلى أن عملية القبض نفذتها إدارة مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية في دمشق، وتم تحويل “العباس” إلى محافظة درعا لاستكمال التحقيق.

وكانت لجنة “شرعية” محلية في الريف الغربي قد أصدرت في آذار/مارس 2024 حكمًا بالإعدام بحقه بعد إدانته بجرم القتل العمد، لكنه تمكن من الفرار في نيسان من العام نفسه في ظروف غامضة، ما أثار آنذاك جدلاً واسعًا حول غياب المحاسبة وحماية الجناة.

عودة الملف إلى الواجهة مع إلقاء القبض على القاتل تُعيد سؤال العدالة إلى الواجهة: فهل تُطوى صفحة الإفلات من العقاب هذه المرة؟

محمود الحربي… صوت الحقيقة

وُلد محمود الحربي في كانون الثاني/يناير 1986، وكان أباً لخمسة أطفال: بتول، سيف، محمد، ريتال، وميس. درس اللغة العربية في جامعة البعث في حمص قبل أن يترك الدراسة عام 2011 مع بداية الثورة السورية.

دخل مجال الإعلام عام 2019، وكان من الفريق المؤسس لشبكة درعا 24. عرفه زملاؤه بتفانيه وجرأته، وبأنه كان “يبحث عن الحقيقة لا عن العناوين”، بحسب وصف أحد أصدقائه المقربين.

عمل محمود على تغطية الأحداث اليومية وتوثيق الانتهاكات في محافظة درعا، وكرّس عمله لإيصال صوت الناس البسطاء.

كما شارك في حراك السويداء عام 2023، حيث عبّر من “ساحة الكرامة” عن تضامنه مع المحتجين قائلاً:

“نحن جميعًا أبناء هذا الوطن، يجب أن يكون صوتنا المدني أعلى من صوت السلاح.”

من التهديد إلى الاغتيال

بعد مشاركته في مظاهرات السويداء، تلقى محمود عدة تهديدات من مسؤولين في الأجهزة الأمنية، بينها اتصال مباشر من رئيس مفرزة الأمن العسكري في بصرى الشام يطالبه بالحضور إلى الفرع “لمحادثة سريعة”، لكنه رفض.

في 15 أيلول/سبتمبر 2023، أُطلق النار على منزله في معربة أثناء وجوده مع أطفاله، ونجا من الحادثة.

بعد أقل من شهرين، وفي 10 تشرين الثاني/نوفمبر، قُتل أثناء محاولته فضّ مشاجرة في البلدة، حيث أطلق عليه أحد عناصر مجموعة مسلحة النار من مسافة قريبة، فأرداه قتيلًا على الفور.

عامان على الرحيل… والأطفال يكبرون بغيابه

منذ رحيله، تعيش عائلة محمود مأساة الفقد اليومية.

بتول، التي كانت في الثانية عشرة من عمرها حين فقدت والدها، صارت اليوم تكتب مذكراتها عنه وتحتفظ بصوره في دفترها المدرسي.

وسيف، الذي كان يقول دائمًا إنه يريد أن يصبح صحفيًا مثل والده، يسأل الآن عن معنى العدالة، وهل سيُحاسَب قاتل والده حقًا.

أما الصغير محمد فيتحدث عن والده كما لو أنه ما زال يسمع صوته كل صباح، بينما تكتفي ريتال وميس بالنظر إلى صورته، دون أن تدركا تمامًا لماذا لم يعد إليهما.

العدالة المؤجلة

منذ لحظة الاغتيال، طالبت شبكة درعا 24، ومعها مؤسسات إعلامية سورية ودولية، بمحاسبة الجناة وضمان حماية الصحفيين في الجنوب السوري.

لكن القضية ظلت معلّقة، حتى الإعلان مؤخرًا عن إلقاء القبض على القاتل الفارّ.

ورغم أن هذه الخطوة تمثل تطورًا مهمًا، إلا أن كثيرين يخشون من أن تتحول مجددًا إلى ملف إداري أو تفاوضي دون تحقيق العدالة الكاملة.

تطورات جديدة وتساؤلات مفتوحة

رغم الإعلان عن إلقاء القبض على المتهم الرئيس باغتيال الزميل محمود الحربي، ما يزال والده موقوفًا منذ نحو أسبوعين، بعد اتهامه بالمشاركة في الهجوم الذي استهدف منزل القاتل في اليوم نفسه الذي قُتل فيه محمود، رغم تأكيد الشهود أنه لم يكن طرفًا في الحادثة، وأنه تجاوز السبعين من العمر.

في المقابل، أفادت مصادر محلية لـ درعا 24 بأن الجهات الأمنية أفرجت عن سعيد محمد العباس بعد أيام من توقيفه، رغم ظهوره في مقطع الفيديو الذي وثّق لحظة الاغتيال وهو يحمل السلاح إلى جانب عناصر المجموعة المنفّذة، كما أُفرج أيضًا عن اثنين آخرين ظهرا في الفيديو ذاته، هما بشار الحمد ومحمد الخالد.

هذه التطورات المتناقضة، بين استمرار احتجاز رجل مسنّ لا تربطه علاقة مباشرة بالقضية، وإطلاق سراح مشتبهين رئيسيين، تثير تساؤلات متجددة حول مصير الملف وإمكانية الوصول إلى محاسبة عادلة وشفافة.

إرث من الضوء

ما زال زملاء محمود في درعا 24 يحتفظون بتسجيلاته الصوتية في أرشيف التقارير، ويسمعونها بين الحين والآخر. يقول أحد زملائه:

“محمود لم يكن مجرد صحفي، كان ضميرًا حياً. كل من عرفه يعلم أنه لم يخَف يومًا من قول الحقيقة.”

اليوم، وبعد عامين على رحيله، يظل سؤاله معلقًا في وجدان من عرفوه:

هل يمكن للعدالة أن تنتصر بعد كل هذا الوقت؟

اقرأ أيضاً: الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الزميل الإعلامي محمود الحربي

الرابط: https://daraa24.org/?p=55129

موضوعات ذات صلة