قاتل بلا سلاح، رحلة المخدرات في الجنوب السوري

محتويات تقرير المخدرات:

يبدو أنّ الحرب الّتي طحنت السوريين لسنواتٍ عشر، لا تدور رحاها فقط باستخدام أسلحةٍ ثقيلةٍ وخفيفة، بل هناك أسلحة فتاكةٌ من شأنها أن تُمزق المجتمعات، وتفتك بالنساء والأطفال، وتنعكس آثارها لأجيالٍ وأجيال، خاصةً جيل الشباب في محافظة درعا، وفي عموم المحافظات السورية، إنّها المخدرات، الأشد فتكاً وانتشاراً في يومناً هذا.

جرائم بسبب المخدرات

رصدتْ درعا 24 العديد من الجرائم التي وقعت في محافظة درعا، كانت نتيجة تعاطي المخدرات، حيث في مدينة الحراك شرقي درعا في نيسان 2021 قُتلت “زهور أبو سالم” على يد زوجها، الذي لم يكتفِ بإطلاق النار عليها وقتلها فقط، بل أطلق النار على شقيقه الذي حاول أن يتدخل، وغربي درعا في مدينة طفس قُتلت امرأة في حزيران الماضي على يد زوجها، بواسطة أداةٍ حادة وكذلك كسر عظام ابنته نتيجة الضرب المبرح، وفي ذات المنطقة وفي ذات الشهر قُتلتْ الطفلة ذات الثلاث سنوات بسبب الضرب الشديد الذي تعرضت له من أبيها.

كشفت درعا 24 بعد البحث بدافع كشف التفاصيل الدافعة لهذه الجرائم وغيرها، وقد اتضح أنّ السبب الحقيقي والدافع هو تعاطي معظم فاعليها المخدرات، حيث أقدم هؤلاء على جرائمهم وقتلوا زوجاتهم وأبنائهم، إما تحت تأثير المخدرات وغيابهم عن الوعي بسببها، أو بدافع البحث عنها كون أجسامهم قد أدمنت عليها وهم مستعدون لفعل أي شيء في سبيل الحصول على المخدرات.

من الحدود اللبنانية إلى اللجاة بإشراف ضابط من الفرقة الرابعة

تواصل فريق التحقيق في درعا 24 مع “أبو خالد” وهو اسم مستعار لأحد العاملين سابقاً في تهريب المخدرات، والذي أشار إلى أنّ عمله كان في منطقة اللجاة، يقول: “يتم استلام شحنة المخدرات أولاً من الحدود اللبنانية، عبر مليشيا تابعة لحزب الله اللبناني، ويتم استلامها من قبل ضابط سوري في الفرقة الرابعة برتبة مُقدّم اسمه محمد عيسى، ثمّ على اتستراد دمشق، عبر سيارات شحن محروقات، وباصات نقل الركّاب، وسيارات عسكرية في بعض الأحيان، ولا يتم تفتيش هذه الآليات مُطلقاً على الحواجز العسكرية من الحدود اللبنانية وصولاً إلى قرية كريم في منطقة اللجاة، حيث يتم استلامها من قبل خالد السبتي المُلقب أبو وليد، والذي يقوم بإدخالها إلى منطقة اللجاة”.

فيما كشف مصدر آخر في حديثه إلى درعا 24 بأنّ طريق البادية يعتبر أشهر طرق التهريب التي تصل إلى اللجاة أيضاً، حيث تدخل شحنات المخدرات من الحدود العراقية، إلى مدينة الميادين في دير الزور، والتي تخضع بشكل كامل لسيطرة أجهزة أمنية وعسكرية سورية، وقوات تابعة لحزب الله، من هذا المدينة يتم تسليم الشحنة لآخرين، يذهبون بها عبر الصحراء، وصولاً إلى منطقة اللجاة.

مراكز تصنيع المخدرات!

هناك في منطقة اللجاة وفي قرية تُدعى جدل تصل كميات المخدرات كمواد خامّ، ويتم تحويل البودرة عبر مكابس مُخصّصة إلى مخدرات جاهزة للتصدير والتوزيع في أنحاء درعا، بعد البحث توصّل فريق التحقيق في درعا 24 إلى أن معمل التصنيع في قرية جدل، يتمركز حالياً في المدرسة في القرية، وأمام هذه المدرسة يتمركز حاجز تابع لفرع أمن الدولة، وأحد أكبر الحواجز تعاملاً مع حزب الله اللبناني في المنطقة.

مصدر مُطّلع أكّد بأنّ المسؤول عن مركز الكبس والتخزين المؤقت في مدرسة جدل هو “صافي الخلف” قيادي سابق في فصائل محلية كانت تعمل في منطقة اللجاة، وأمّا المشرف على وصول المواد وتصنيعها ونقلها وتوزيعها من مدرسة جدل، هو “الحاج أبو هاشم” أحد أبرز أذرع حزب الله في الجنوب السوري.

بعد تواصل درعا 24 للتحقق من صحة المعلومات الواردة من مصادر أخرى اتضح بأنّ المدرسة في قرية جدل هي إعدادية، وتُعتبر خارج الخدمة منذ سنوات طويلة، وقد طالب الأهالي أكثر من مرّة بإعادة تشغيلها بسبب الحاجة المُلّحة لها في القرية، ولكن كانت دائماً الإجابات بالرفض التامّ، والطلب من الأهالي عدم المطالبة بذلك مرة أخرى.

بعد إتمام عمليات التصنيع عبر المكابس، يتم نقل جزء من هذه المواد المُخدرّة إلى مكان ليس ببعيد، في منطقة اللجاة أيضاً في قرية تُدعى صور، وهناك في مقسم القرية “مركز الهاتف” يتم تخزين كميات المخدرات التي أصبحت جاهزة للتوزيع والتصدير.

بعد التواصل مع أهالي من المنطقة تبيّن بأنّه يتم تعزيز حماية هذا الموقع “مركز الهاتف” في قرية صور، وعملية النقل السرّيّة من قبل الفرقة التاسعة إحدى أكبر فرق الجيش في درعا.

مرحلة ما بعد اللجاة.. إلى خراب الشحم والأردن

جلب الموقع الجغرافي لمحافظة درعا تجارة المخدرات إليها، حيث تقع على الحدود الأردنية، التي تعتبر بوابة لتهريب المخدرات باتجاه دول الخليج العربي. وبعد أن تم توقيع اتفاقية التسوية والمصالحة في منتصف العام 2018، منحت السلطات السورية وأجهزتها الأمنية مساحات واسعة في المحافظة لمليشيات إيران وحزب الله اللبناني كمكافأة لهم بعد المساعدات العسكرية التي قدموها للسلطة، ووجدوا في درعا موقعاً خصباً لتجارتهم الرائجة “المخدرات”.

بعد أن تمت عمليات التصنيع والتخزين في منطقة اللجاة، ويتم تخزينها بشكل مؤقت تبدأ المرحلة التالية، وهي نقل هذه المواد المُخدرة وتهريبها، حيث يتم تحميل هذه المواد بسيارات مدنية مخصصة لنقل الخضروات أو المحروقات، إلى قرى المنطقة الشرقية من درعا، القرى الحدودية مع الأردن.

بعد المتابعة مع أبناء المنطقة فقد تبيّن بأنّ من يشرف على هذه العملية مجموعة من المتطوعين في مجموعة محلية تعمل لصالح حزب الله اللبناني شرقي درعا، ويُشارك في عمليات النقل كلّاً من “خضر البيدر، وفهد مسلّم” وهما أيضاً متطوعان لصالح الحزب.

في حين على الجانب الآخر من درعا، في قرية خراب الشحم غربي درعا، هناك حصّة من المخدرات الواصلة إلى اللجاة كمواد خامّ يجب أن يتم إرسالها إلى خراب الشحم، حيث تنشط هناك عمليات التوزيع المحلي إلى مختلف قرى درعا، حيث يتم البيع لتجّار محليين يوزعون هذه السموم، مستهدفين فئة الشباب، حيث بات معروفاً للقاصي والداني شهرة هذه المنطقة، بتصنيع وتوزيه المخدرات.

أفاد لدرعا 24 أحد العاملين سابقاً ضمن مجموعات محلية في المنطقة، بأنّ من يقوم بذلك هي مجموعات محلية تتبع للفرقة الرابعة في منطقة غرب درعا، وتحديداً في خراب الشحم، يقودها المدعو “أبو سالم الخالدي” أحد أذرع حزب الله اللبناني في الجنوب السوري.

تهريب المخدرات إلى الأردن عبر الشريط الحدودي

بعد ذلك تتم مرحلة التهريب باتجاه الأردن، وتحصل كل شهر على أقل تقدير ثلاث محاولات تهريب، وتكون عبر عدة طرق، أولها أن يتم تهريب هذه المواد عبر الشريط الشائك بين الأردن وسوريا، ويتم ذلك عن طريق حمل هذه البضائع من قبل المهربين أو على الحمير.

يشرف على هذه المنطقة الحدودية من الجانب السوري منذ العام 2018 الجيش وبالذات الفرقة 15، والمتورطة بتسهيل عمليات التهريب، بواسطة ضباطها المشرفين على هذه النقاط.

أما الجانب الأردني فقد أحبط عشرات المحاولات لتهريب المخدرات من سوريا إلى أراضيه، وكان غالباً يطلق حرس الحدود الأردنية النار على المهرّبين، الذين يلقون كل ما معهم، ويهربون باتجاه العمق السوري، وعندها تضبط القوات العسكرية الأردنية، المواد المخدرة من حبوب الكابتيجون وكفوف الحشيش …، وبكميات كبيره. وفق ما أكدته عشرات المرات وكالات الإعلام الأردنية، ناقلةً ذلك عن مصادر عسكرية مسؤولة على الحدود.

التهريب بواسطة الطائرات المسيّرة (الدرون)

في بلدة نصيب شرقي درعا وفي مزارعها وسهولها الملاصقة للحدود الأردنية، حسب مصادر مُطلعة لدرعا 24 فإنّ هناك عمليات تهريب تتم بوضع كمية من المخدرات ذات الحجم القليل والسعر الأعلى، كالكوكائين والهيروين، في طائرات الدرون المخصصة للتصوير، ونظراً لقرب المسافة تطير هذه الطائرة مسافة أقل من 2 كم، حيث تتم العملية في غضون دقائق قليلة.

التهريب من معبر نصيب

أعادت السلطات الأردنية فتح معبر نصيب – جابر في أواخر العام 2018، وقد قامت السلطات في سوريا، بتقسيم السيطرة في المعبر بين قوات الفرقة الرابعة وجهاز الأمن العسكري، بحيث تستمر مصالحها في تهريب المخدرات، حيث تتم عمليات تهريب لمواد مُخدرة في شاحنات نقل، ولا يوجد الكثير من المعلومات حول ذلك، ولكن المعروف أن هناك شاحنات لا يتم تفتيشها من قبل الجانب السوري مطلقاً، وقد كانت السلطات الأردنية ضبطت عمليات تهريب في سيارات كانت تحاول العبور من خلال المعبر إلى الأردن.

حصلت درعا 24 على بعض المعلومات من خلال بعض العاملين في معبر نصيب، حيث يشغل منصب مدير أمن الجمرك والمنطقة الحرة، ضابط من مرتبات جهاز الأمن العسكري برتبة رائد، يُدعى “إلياس“، وأمين الجمرك “مجد إسماعيل” وهو صاحب النفوذ الكلي في المعبر، يشاركه في هذا النفوذ كلّاً من  الملازم “جلال” من مرتبات الفرقة الرابعة، و”أبو علي مجاهد” من مرتبات المخابرات الجوية، وضباط آخرين من جهاز الأمن العسكري، ويتلّقون اتاوات مالية مقابل دخول السيارات والشاحنات، تتراوح للآلية الواحدة حسب حجمها، بين 500 – 2500 دولار أمريكي.

فيما يتواجد في معبر نصيب العديد من مكاتب الشحن تعمل في التخليص الجمركي، وأصحاب هذه المكاتب قياديين سابقين في فصائل التسوية والمصالحة من المنضوين ضمن صفوف جهاز الأمن العسكري، يشاركهم في جني الأرباح من هذه الإتاوات المالية التي يحصلون عليها من خلال هذه المكاتب العميد “لؤي العلي” رئيس فرع الأمن العسكري في محافظة درعا.

تواصلت درعا 24 مع العديد من المصادر الخاصّة بينهم من العاملين في معبر نصيب، حيث أفادت تلك المصادر بأنّ أصحاب مكاتب الشحن الشركاء مع “لؤي العلي”، أحد أبرزهم “عماد أبو زريق” القيادي السابق في الفصائل المحلية والعامل حالياً ضمن جهاز الأمن العسكري، و”كنان عيد” القيادي السابق أيضاً في الفصائل المحلية. ومن بين المكاتب مكتب “الجرادات” لصاحبها “لورنس الجرادات” والذي يعتبر مقرّبًا من ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، وشقيق بشار الأسد رأس السلطة في سوريا.

سوريا ممرّ لعبور المخدرات والسلطة تُبرر!

يصادف 26 حزيران / يونيو من كلّ عام اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، كان لوزارة الداخلية السورية تصريحاً في هذا التاريخ من هذا العام، حيث قال مدير إدارة مكافحة المخدرات في الوزارة، بإنّ سبب ازدياد عدد الأشخاص المتورطين بجرائم المخدرات، والكميات المضبوطة منها خلال السنوات الأخيرة، يعود للموقع الجغرافي لسوريا وتوسطها القارات، ما جعلها بلد عبور بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للمخدرات.

مُرجعاً الانتشار أيضاً إلى الظروف السياسية والأمنية المعقدة في المنطقة، واستغلال الحدود لتنفيذ الغايات الإجرامية، واستخدام المخدرات كإحدى أدوات الإرهاب الموجه، الذي تتعرض له سوريا بهدف تدمير ركائز الأمن والاستقرار الوطني بها ونشر الفوضى فيها.

في حين كانت أعلنتْ العديد من الدول في مختلف أنحاء العالم أنها احبطت محاولات تهريب مواد مخدرة مصدرها سوريا، حيث كانت مُعبَّأة بعلب تحمل ماركات منتجات سوريّة (كعلب حليب الأطفال، والمتة، كرتون ….). وكان أكبرها في إيطاليا حيث تم ضبط 14 طناً من “الامفيتامين” المخدَّر، والّتي تُعتبر الشحنة الأكبر عالمياً، وقالت مصادر إعلامية عربية وغربية بأنّ من يقف وراءها كان أحد أصحاب رؤوس الأموال والذي ينحدر من عائلة الأسد، وسبق ذلك في السعودية حيث تم ضبط عملية تهريب 19 مليون قرص مخدر داخل علب متّة من نوع خارطة التي تُنتجها شركة كبور الدولية، وكذلك في مصر تم إحباط محاولة تهريب لأربعة أطنان من الحشيش ضمن علب حليب لشركة “ميلك مان” وهي واحدة من شركات أقارب رأس السلطة في سوريا.

إقرأ أيضًا: سوريا بلد عبور المخدرات بامتياز، بحسب مسؤول، ماذا عن الجنوب؟

الرابط المختصر: https://daraa24.org/drugs

Similar Posts