المبعوث الخاص الألماني لسورية شتيفان شنيك
المبعوث الخاص الألماني لسورية السيد شتيفان شنيك

«تتجه البلاد للانقسام إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر.. والنظام ليس مستعداً أو قادراً على تحمل مسؤوليته في رعاية شعبه وبلده». هذا ما قاله المبعوث الألماني الجديد إلى سوريا، السيد شتيفان شنيك، في مقابلة خاصة مشتركة مع شبكة درعا 24 و راديو آرتا

تحدّث السيد «شنيك» حول دور ألمانيا في سوريا، حول الأوضاع الأمنية وتزايد العنف وسوء الحالة المعيشية في سوريا عامة، وفي الجنوب السوري ومناطق شمال شرقي سوريا بشكل خاص. كما تحدّث المبعوث الخاص حول مبادرة بيدريسون خطوة مقابل خطوة، وحول مشاريع التعافي المبكر…

الأوضاع الأمنية في مناطق شمال شرقي وجنوبي سوريا بشكل خاص سيئة جداً حالياً، حيث الاغتيالات مستمرة والوضع متوتر للغاية. إلى أين تتجه الأمور حسب رؤيتكم؟ وما هو الدور الألماني المتوقع في هذا الصدد؟

سوريا تحتاج إلى حل سياسي للبلد بأكمله، والمصالحة يجب أن تقوم على أساس العدالة للضحايا، ومساءلة كل مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان. ألمانيا وشركاؤها الدوليين مستعدون لدعم هذه العملية، لكن حالياً، النظام هو من يعيق أي تقدم.

إن تزايد العنف في الجنوب ليس مفاجئاً، بل هو نتيجة منطقية لسنوات من الإهمال من قبل النظام وغياب جهود مصالحة صادقة، وفي المحصلة، لا يمكن حلّ أي من هذه المشكلات في منطقة لوحدها.

الوضع في سوريا يقلقني جداً. فالوضع الاقتصادي في تدهور مستمر، ونرى الجوع والفقر في كل أرجاء سوريا، وتتجه البلاد للانقسام إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر. والنظام ليس مستعداً أو قادراً على تحمل مسؤوليته في رعاية شعبه وبلده. نرى مراراً وتكراراً احتجاجات وانتفاضات في عموم البلاد، كما حدث مؤخراً في الجنوب. كما أن النزاع في شمال شرقي البلاد يهدد جدياً بزعزعة استقرار وضع متوتر أصلاً.

لذلك نحاول دائما بكل قوة أن نُثني تركيا عن القيام بعملية عسكرية برية في شمال شرق سوريا، ويجب أن نكون واضحين جداً: إن داعش سيستغل أي إلهاء لأعدائه ليستعيد قوته السابقة. 

الأوضاع المعيشية في سوريا متدهورة جداً، كما تعلمون. الناس في عموم البلاد يعانون بشكل كبير بسبب الأسعار المرتفعة وانهيار قيمة الليرة السورية. يبدو أن العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على سوريا انعكست بشكل أساسي ليس على السلطات في سوريا، بل على الشعب السوري. هل يمكن أو يجب رفع العقوبات برأيكم؟

إن مسألة كيفية تخفيف المعاناة جوهرية في عملنا اليومي. وقد قدّمت ألمانيا أكثر من عشرة مليارات يورو من المساعدات الإنسانية منذ 2011. وفيما يخص العقوبات فهناك استثناءات إنسانية واسعة في نظام العقوبات الخاص بنا. لهذا نحن نعدّل إجراءاتنا بشكل دوري كلما أدت عقوباتنا – التي هي موجهة جداً في الحقيقة – إلى عواقب غير مقصودة. 

في المقابل، الرئيس الأسد ودائرته المقرّبة هم من يعيشون حياة بذخ، وقد تقاسموا ما بقي من اقتصاد البلاد فيما بينهم. وهم الذين – دعونا لا ننسى ذلك – من يجْنون المليارات من الدولارات من تجارة المخدرات غير الشرعية. من السخرية أن النظام، بدلاً من محاولة إنهاء بؤس الناس، يبدو مصمماً أكثر من أي وقت مضى على استغلال هذه البؤس والشقاء لأغراض دعائية وللحفاظ على السلطة.

ما هي بدائلكم في حال استمر تعطل العملية السياسية في سوريا؟ هل ترون مبادرة خطوة مقابل خطوة التي طرحها السيد بيدرسون فعالة؟ وفي هذه الحال، ما هي الاستجابة التي تتوقعونها من النظام، وما هي خطواتكم المقابلة في حال استجاب النظام؟

إنني شخصياً مستاء فعلاً من ركود العملية السياسية. منذ سنوات عدة ونحن نشهد تكتيكات المماطلة التي يستخدمها النظام السوري وحلفاؤه المقربون. لكن على الرغم من كل العواقب، ما زلت شخصياً مقتنعاً بشدة أننا نحتاج إلى حل كهذا، لأنها الطريقة الوحيدة لإحلال سلام دائم في هذا البلد الذي مزّقته الحرب. نحن بحاجة ماسّة لطريقة ما لإعادة الحياة للعملية السياسية المتوقفة. 

وأعتقد أننا يجب أن ننظر إلى مبادرة السيد بيدرسون خطوة مقابل خطوة من هذا المنظور. خطوة مقابل خطوة – وهذا مهم جداً – ليست بديلاً عن العملية السياسية، بل هي محاولة لإعادة إحيائها. نحثّ النظام على التفاعل مع السيد بيدرسون وفريقه، لأنه من دون تقدم في العملية السياسية، ألمانيا والاتحاد الأوروبي لن يغيّرا سياستهما.

ما رأيكم بعمل اللجنة الدستورية، ومَن السبب في تعطيل أعمالها؟ هل تتوقعون أن تستأنف اللجنة أعمالها وتتجه الأمور نحو التغيير السياسي وتطبيق القرار الأممي 2254، أم أن ذلك أصبح من الماضي؟

دعوني أقول ما هو معروف أولاً: التعطيل الروسي للجنة الدستورية أدّى إلى توقف أعمالها بشكل كامل. وبصراحة، نعلم جميعاً أنه، قبل حزيران، لم تتمكن اللجنة الدستورية خلال جولاتها الثمانية من تحقيق أي نتائج ملموسة بسبب موقف النظام المتزمت. لكن في الوقت نفسه، يجب ألا ننسى أن هذه هي الصيغة الرسمية الوحيدة التي يمكن أن تجمع بين ممثلي النظام السوري، مع المعارضة والمجتمع المدني. لذلك فأنا أؤمن بشدة بأننا يجب أن نستمر في دعمنا لجهود السيد بيدرسون لإعادة عقد اجتماعات اللجنة في جنيف.

سبق أن قلتم إنكم تريدون سوريا موحدة. لكن ذلك يبدو مستحيلاً في الظروف الراهنة. ما رأيكم في الفيدرالية كحل لمنع التقسيم؟ هل ألمانيا مستعدة للعب دور وساطة بين الأطراف الدولية والمحلية لتحقيق مثل هذا المسعى؟

بعد ما يقارب اثني عشر عاماً من النزاع، سوريا مجزأة كبلد أكثر من أي وقت سبق. لذلك يتوجب علينا العمل على المحافظة على سوريا موحدة من خلال إعادة بناء مجتمع مدني سوري. 

وفي هذا الصدد تدعم ألمانيا عدداً من المبادرات والصيغ، ونأمل أنّنا نساهم بذلك في الحفاظ على وحدة سوريا ككل. من أجل سوريا يعمّها السلم والازدهار في المستقبل.

 من المهم جداً أن يكون لكل الجهات السياسية رأي متساوٍ في عملية صنع القرار. لكن القرار يعود للشعب السوري والفاعلين السياسيين بخصوص كيف يمكن أن يبدو ذلك، وعلى أي مستوى يجب أن تتخذ أي قرارات سياسية في المناطق المختلفة. ألمانيا مستعدة، بالطبع، لتشارك خبراتها وتلعب دورها إذا طلب السوريون المساعدة في لمّ شمل الأجزاء السورية المختلفة مرة أخرى.

إقرأ أيضاً: مقابلة خاصة مع الكاتب والمحلل السياسي “رامي الشاعر” المستشار السياسي لوزارة الخارجية الروسية

يعتقد معظم السوريين أن أوروبا لم تلعب الدور الذي كان يمكن أن تلعبه في الأزمة السورية، وأنها تركت زمام المبادرة السياسية لأمريكا وروسيا وتركيا وإيران. هل يمكن أن تتغير الموازين قريباً، خاصة بعد حرب أوكرانيا؟

لقد لعبت أوروبا دوراً استثنائياً في التخفيف من الآثار الكارثية على السوريين، جرّاء الحرب التي شنها النظام بمساعدة حلفائه، روسيا وإيران، ضد شعبه.

 الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يدفعون المليارات كل عام لإطعام اللاجئين وإصلاح الأضرار. لقد أنفقت ألمانيا 1,05 مليار يورو عام 2022 وحده لمساعدة السوريين. 

من الواضح اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أنه لا يوجد حل عسكري في سوريا. يوجد فقط حل سياسي، ولذلك تضع أوروبا ثقلها خلف جهود الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص غير بيدرسون.

كيف تنظرون إلى مسألة التعافي المبكر؟ هل تنوي ألمانيا إطلاق مشاريع تعافٍ مبكر في جميع الجغرافيات السورية؟ وكيف ستضمنون أن تؤدي هذه المشاريع إلى ربط الجغرافيات ببعضها بدلاً من تكريس التقسيم؟

ألمانيا تشارك منذ سنوات في تمويل جهود الاستجابة الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة، بما في ذلك مشاريع التعافي المبكر في جميع أنحاء سوريا. وقد ساهمنا بشكل ملحوظ في تحسين وضع المياه والصرف الصحي، والملاجئ، والتعليم، وحماية الأطفال، والأمن الغذائي وإعادة تأهيل البنية التحتية. نحن ملتزمون بالاستمرار في تعزيز صمود الشعب السوري، بما في ذلك من خلال مشاريع التعافي المبكر.

لكن يجب أن نضع حداً فاصلاً حين يتعلق الأمر بإجراءات إعادة إعمار، لأن النظام سيعتبر ذلك ضوءاً أخضراً للاستمرار في سياسته المتزمتة في قمع شعبه.

 لذلك تلتزم ألمانيا بسياسة الاتحاد الأوروبي «لا تطبيع، لا إعادة إعمار، لا رفع للعقوبات» طالما لم ينخرط النظام في العملية السياسة.

رابط المقابلة: https://daraa24.org/?p=28025

Similar Posts