انتشار الجريمة في درعا

مع دخول سوريا في نفق مجهول على واقع أسوء انهيار اقتصادي واجتماعي في تاريخ البلاد، شهدت محافظة درعا في الأشهر القليلة الماضية، ازدياد ملحوظ بنسبة انتشار الجريمة بكافة أشكالها، من سرقة وخطف وقتل، بشكل بات يهدد الاستقرار المجتمعي، ويضاف إلى ذلك ازدياد ملحوظ بنسبة تعاطي المخدرات وترويجها، وترتبط هذه الوقائع بالأوضاع المعيشية الناتجة عن سوء الأوضاع الاقتصادية.

تصدرت سوريا قائمة الدول العربية بارتفاع معدل الجريمة لتحتل المرتبة الأولى عربياً والتاسعة عالمياً للعام 2021 وذلك حسب موقع “numbeo” المتخصص بدراسة البيانات والمؤشرات والأبحاث حول العالم.

إن الظروف المعيشية الصعبة التي تشهدها المنطقة تنعكس على المواطن بشكل سلبي، فعوامل الفقر والجوع والحرمان وانتشار البطالة وفقدان الأمان، وعدم وجود مقومات الحياة الأساسية، تدفع بالمواطنين إلى الميل إلى ارتكاب الجرائم.

ويشير أحد المحامين من محافظة درعا في حديثه لمراسل درعا 24، بأن معظم هذه الوقائع ترتبط بالأوضاع المتردية، الناجمة عن الوضع المعيشي الصعب، وارتفاع معدل البطالة وكابوسها المرعب على الجيل الجديد، وانتشار الفقر، إضافةً إلى انهيار قيمة الليرة السورية، وغياب المؤسسات القانونية عن أداء واجباتها تجاه المواطن، ناهيك عن الضغوطات النفسية التي تتعرض لها الأسرة والفرد (خاصة فئة الشباب).

مؤكدًا، أن كل تلك المظاهر ساهمت بارتفاع مستوى الجريمة، وإن ازدياد انتشار أشكال الجريمة بشكل كبير يعتبر نتيجة حتمية لتدهور الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، وكل تلك المظاهر ما هي الا ردود أفعال ونتائج للسياسات الحكومية غير العادلة.

 أحد المختصين في الارشاد النفسي ذكر للمراسل أيضاً، بأنّ توسع انتشار الجريمة في الآونة الأخيرة، يعود لأسباب الضغط النفسي والقلق التي يتعرض لها المواطن، مما أدى لظهور سلوكيات غير معتادة من قبل افراد المجتمع، بسبب الظروف ‏القاهرة التي يعانون منها، والتي تسبب نوبات غضب وفقدان للسيطرة، مما يدفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة.

 ‏يضيف، بأن ‏الأوضاع الصعبة التي تشهدها البلاد ساهمت بتفكيك قيم المجتمع، إذ أن انتشار معدل الجريمة على النحو الذي نلاحظه ‏في الآونة الأخيرة، يشير إلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية المجتمعية، وهذا ما يدفع الافراد الى سلوك طرق غير أخلاقية ‏في سبيل تلبية احتياجاتهم المتزايدة.

 ‏تزداد الأوضاع الإنسانية صعوبةً يوماً بعد يوم، لتصبح مظاهر السرقة والخطف والسلب والقتل، كلمات نسمعها بشكل يومي، على الرغم من أنها جرائم تخطت المألوف، وسببت حالة من الذعر والقلق حيال الوضع الذي آلت إليه البلاد. إن انعدام حالة الاستقرار وعدم قدرة الأفراد على تأمين احتياجاتهم الأساسية، وظهور طبقة الفقراء بأكثرية كبيرة، دفع ‏العديد إلى السعي لكسب المال بعيداً عن الضوابط الاجتماعية، إضافة إلى أن التراخي بتنفيذ العقوبات، وعدم اكتراث ‏الحكومة بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، أدى إلى استسهال ارتكاب الجريمة.

أحد الناشطين في المجال الإنساني من أبناء المحافظة يقول: “إن ما يمر به المجتمع من تحولات وعدم استقرار، يعتبر أحد العوامل ‏الأساسية التي ساعدت في ازدياد تفشي مظاهر الجريمة، وسط غياب القانون والفلتان الأمني، وتراجع دور الدولة في ‏تأمين الحماية للمواطنين، ففي الآونة الأخيرة لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن جريمة سرقة أو خطف أو قتل تحت تأثير تعاطي المخدرات، أو بدافع كسب المال، إذ لم يعد يجرؤ أحد على التنقل من قرية لأخرى خوفاً من التعرض للسلب، فالأمر لم يعد بالشيء المستهجن، في ظل الضياع الاقتصادي والأمني الذي يعصف بالمنطقة، فالتغيير الاقتصادي ‏والاجتماعي الحاصل ينعكس بشكل سلبي على توازن الفرد النفسي، فتلك التغيرات ساهمت بخلق بيئة خصبة لانتشار

 ‏الجريمة مع مبرراتها، ناهيك عن تدهور المنظومة الأخلاقية وتراجع الوازع الديني، فكل تلك الأسباب مجتمعة ساهمت ‏بتفشي الفساد في المجتمع بشكل بات يهدد مستقبل الأجيال الناشئة.

 ‏أمام هذا الوضع الكارثي تتضاعف هموم المواطنين، ويزداد الشعور بالقلق وعدم الاستقرار، والرغبة بالهرب لبلاد أكثر ‏أمناً وعدلاً، فالعدل والأمان بات الحلقة المفقودة التي يبحث عنها كل مواطن من محافظة درعا، فقد أصبح المواطن يرى القانون كنسيج العنكبوت، يصطاد الضعيف، ويخترقه القوي، لذلك ينبغي تعزيز الجهود من قبل الشخصيات الفاعلة في ‏المجتمع (مثقفون وجهاء وزعماء دين وقادة مجتمعيين) لمكافحة الجريمة، وتحميل الجهات المسؤولة عن الفلتان ‏الأمني المسؤولية كاملة، بعد أن تخلت عن مهامها في حماية المجتمع، ولا بد من حملات توعية  إعلامية مستمرة من خطر انتشار هذه الجرائم، بين كافة الفئات العمرية، لوضع حد لتلك الظاهرة التي أصبحت كالسيف على رقاب الجميع.

الرابط المختصر: https://daraa24.org/?p=14292

Similar Posts