محطة القطار في مدينة درعا
محطة القطار في مدينة درعا

صهيب المقداد: باحث في التراث

تعتبر سكة حديد درعا ومحطتها الرئيسية في مركز المحافظة، جزءاً من الخط الحديد الحجازي، التي بُنيت في عهد السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، وقد بدأت الدولة بإنشائها سنة 1900 للميلاد، بهدف ربط الأقاليم العثمانية بمكة المكرمة وخدمة الحجاج، انطلاقاً من دمشق (شام شريف)، وحتى مكة المكرمة.

رصدت الدولة العثمانية لمشروعها الضخم قرابة خمسة ملايين ليرة عثمانية، ومن محطاتها الرئيسية كانت محطة درعا، وقد سميت درعا المحطة بهذا الاسم نسبة لها.

إنشاء خطوط سكة حديد درعا

على الرغم من أن الخط الحديدي الحجازي يبدأ من محطة دمشق، متهجاً منها إلى سهل حوران، إلا أن بداية العمل بالمشروع كانت من بلدة المزيريب في سهل حوران، حيث أنجز أول خط  (سكة حديدية) من المزيريب إلى مدينة درعا في شهر أيلول من سنة 1901 م بطول 11 كم. وتلا هذا الخط، خط درعا-الزرقاء 190‪2 م، ثم اُفتتح خط دمشق-درعا سنة 1903 م، ثم خط درعا – حيفا سنة 1905 م، وبعدها درعا – بصرى 1912 م.

يشرح المهندس حسام أبازيد – أحد سكان مدينة درعا ومن المهتمين بالتاريخ الحوراني – في حديثه مع مراسل درعا 24: “يعود تاريخ بناء المرحلة الأولى من سكة الحديد إلى الفترة ما بين العامين 1900 – 1905، وكانت مدينة درعا (ذرعاه أو ذرعات)، تقسم إلى منطقتين بالأساس: درعا المحطة التي أُنشأت فيها سكة الحجاز، ودرعا البلد وهي البلدة القديمة، وكانت مركزاً مهماً أيام العثمانيين”.

ويتابع: “كانت درعا المحطة – قبل إنشاء السكة – عبارة عن أراضٍ يزرعها سكان درعا البلد، إلى أن قرر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في عام 1900، وصل خط الحجاز من دمشق إلى المدينة المنورة، ليخدم الحجاج، وتفرّع من خط درعا خطوط جانبية إلى مدينة حيفا، كون أهل درعا كانوا يذهبون إليها للعمل هناك.

وقد بُني جانب هذه السكة مبانٍ خدمية ومسجد المحطة القديم، فكان إنشاء السكة إيذاناً بإنشاء أحياء جديدة لمدينة درعا أولها حي شمال الخط، والعديد من الأحياء الجديدة، فأصبحت درعا المحطة مركزاً للمدينة”.

إقرأ أيضاً: درعا، من أقدم مدن العالم

أهداف بناء الخط الحديدي الحجازي في حوران

في البداية، لا بد لنا أن نشير بوجود خط حديدي آخر تم بناؤه قبل الخط الحديدي الحجازي، وهو الخط الفرنسي الذي مساره بيروت-دمشق-مزيريب، والذي أنشأ سنة 1896م، وهذا الخط كان يُستخدم بشكل كبير لشحن البضائع من حوران ودمشق إلى بيروت، للتصدير نحو أوروبا، وخاصة منتوجات السهل الحوراني من الحبوب والقمح.

امتلكت إحدى الشركات الفرنسية حق تشغيل خط بيروت-دمشق-المزيريب، كما أنها أخذت حق امتياز عدم بناء أي خطوط موازية لهذا الخط، ففكرت الدولة العثمانية في شراء هذا الامتياز، والبدء من قرية مزيريب ووصلها بدرعا، تسهيلاً للعمل واختصاراً للوقت وتوفيراً للاقتصاد.

دخلت الدولة العثمانية بخلافات عديدة مع الشركة الفرنسية، مما جعلها تقرر إنشاء خط آخر من دمشق-لدرعا على وجه السرعة، ولكن، وبسبب الحق الذي تمتلكه الشركة الفرنسية، بعدم إنشاء خطوط موازية، تأخر إنشاء خط دمشق-درعا سنة كاملة.

كان للخطوط الحديدية أهداف اقتصادية، من خلال نقل البضائع والمنتوجات، وحوران منطقة غنية وكانت تصدر قمحها لأوروبا، فتأججت مخاوف الفرنسيين من الخط الحجازي خوفاً على مصالحهم، وخاصة بعد أن امتد الخط من درعا إلى حيفا، ليتحول التصدير إلى مرفأ حيفا، بدلاً من بيروت، وقد ذكرت إحدى التقارير بأن مجموع الصادرات من حوران إلى مرفأ حيفا سنة 191‪8 م، بداعي التصدير بلغت: 260154 طن ومن دمشق 23000 طن(1). وبهذا الشكل تأثر خط التصدير القديم بالخط الحجازي، الذي فضلته الأغلبية لاتساعه وإنخفاض أسعاره وجودته.

محطات قطار الخط الحديدي الحجازي في درعا

كانت المحطات في درعا على الشكل التالي وبالترتيب :

– (المسمية، جباب، خبب، محجة، إزرع، خربة غزالة، درعا، قم غرز، نصيب) ثم يتجه نحو المملكة الأردنية.

– أما محطات خط حيفا – درعا، داخل سهل حوران فهي(2): (درعا، مزيريب، نهج، تل شهاب، زيزون، مقارن، الشجرة).

– ومحطات خط درعا – بصرى الشام، والذي أنشأ سنة 1912 ويعتبر متأخر الإنشاء، فهي: (درعا، قم غرز، الطيبة، غصم، بصرى الشام، قلعة بصرى الشام).

 عانت الدولة العثمانية عند البدء بالعمل على تنفيذ هذه السكة، من عدم وجود اليد العاملة في الإنشاء، لأنها كانت تعاني من أزمة اقتصادية، فاستعانت بالجنود للعمل.

بنت 24 جسراِ مقنطراً على طول خط المزيريب – درعا، كما تم بناء 83 جسراً من خط المزيريب – الأردن و 141جسر من المزيريب إلى حيفا.

احدى الجسور المتبقية والتني بنيت للخط الحديدي الحجازي
أحد الجسور المتبقية لقطار الخط الحديدي الحجازي

بدوره يوضح الباحث والأستاذ مهند المسالمة – أحد سكان مدينة درعا ومن المختصين بالتاريخ الحوراني – في حديث لشبكة درعا 24: “اعتمد العثمانيين حفر الأنفاق، عند مواجهة منحدرات صخرية لمسار السكة الحديدية الحجازية، فحفروا سبعة أنفاق في الصخر، من وادي تل شهاب، وحتى وادي خالد قبيل الحمة، على خط درعا – حيفا، والتي يسميها أهل المنطقة بالخرق”.

احتاج العثمانيون أثناء العمل، إلى تأمين الماء في خط درعا – حيفا، وقد كان الأسهل ضمن الخط الرئيسي، لأن المنطقة كانت زاخرة بالمياه في الصيف والشتاء. في حين كانت العقبة الأكبر هي تأمين الوقود للخط، فلا يوجد على طريق خط درعا – حيفا  أي نوع من أنواع الوقود، فكان من الضروري استيراد الوقود لتشغيل الخط، فقامت الدولة باستيراد الفحم من “كارديف في إنكلترا” لتشغيل خط درعا – حيفا.

إقرأ أيضاُ: الآثار في حوران، عراقة الماضي تروي حكايات الحاضر

كيف كان شكل محطة درعا وإزرع؟

تعتبر محطة درعا من الدرجة الثانية، وكانت محطة القطار على طابقين(3)، وطول رصيفها حوالي 46 م، وتميزت بأن كان فيها أربعة خطوط فرعية، بلغ طولها مجتمعة 1645 م، وبُنيت فيها منازل سكنية لموظفي الخط الحديدي، وقد احتوت المدينة على صهريجين ضخمين للمياه بسعة 25 م٣ يتم تعبئتها بمضخات من آبار المدينة.

كما تم في درعا بناء وإقامة ورشات لصيانة محركات القطارات وتصليح المقطورات، ومستودعات يتم فيها تخزين 20 طن من الفحم.

كان فيها أيضاً مطعم(4)، تم الإعلان في الجريدة الرسمية بتاريخ 20 أيار  سنة 1919 م عن مزايدة لإيجار مطعم محطة درعا الذي تم بناؤه، والذي تراوح عدد زبائنه بشكل يومي من 50 إلى 60 شخص، وحدد للقطار أن ينتظر نصف ساعة في محطة درعا ليتناول المسافرون الطعام، واحتوت المحطة على فرن، كما تم الإعلان عن إيجاره وذلك سنة 1920 م، على أن يكون الإيجار لمدة سنة كاملة، وإعلان آخر لمن أراد تنوير منزله أو حانتوه، يراجع مستودعات السكة الحديدية، لمد الكهرباء وإنارة مدينة درعا.

أما في محطة إزرع، فكان فيها خزان المياه الذي يتسع لـ 25 م٣ من المياه، وفيها معسكر القوات العثمانية والمنازل. فيما تبعد عن المحطة الرئيسية بدمشق 91.4 كم، وتعتبر محطة إزرع محطة من الدرجة الثالثة.

الأجور والنقل في العهد الفيصلي

تسعيرة النقل من درعا إلى حيفا 106 قروش درجة أولى، 71 قرشاً للدرجة الثانية، 27 قرش درجة ثالثة، بحيث ينظر إلى الحالة الاجتماعية للمسافر ليُرى في أي درجة يمكنه أن يسافر.

وعلى المسافرين إلى ما بعد درعا، شراء تذكرتين، الأولى:  من وجهته إلى درعا، والثانية: من درعا إلى ما بعدها، وينطلق القطار من الشام إلى درعا ليصل الساعة 05:30 صباحاً وينطلق من درعا، الساعة 06:15 صباحاً، وفي الرجعة من حيفا يصل درعا 04:18 بعد الظهر، وينطلق 05:30 بعد الظهر، يتم الإعلان عن المواعيد في حال تغييرها، في الجريدة الرسمية وذلك لإبلاغ الراغبين بالسفر.

إقرأ أيضاً: بلدة خبب في ريف محافظة درعا الشمالي

بقي الخط الحديدي الحجازي معمولاً به حتي قيام الحرب العالمية الأولى وأحداث الثورة العربية الكبرى، حيث ساهم الخط بشكل كبير في نقل الجنود والمعدات خلال فترة الحرب، ليتعرض الخط للتدمير والأضرار في بعض أجزائه، وذلك لمنع نقل الجنود والمعدات، وتقرر فيما بعد تقسيم الخط بين الدول التي يقع على أراضيها في مؤتمر عقد في اسطنبول سنة 192‪4 م ، وتعددت المحاولات فيما بعد لإعادة ربط جميع خطوط السكة من دمشق لمكة، وانحصر المشروع الضخم في بعض الخطوط التي عملت داخل سوريا والأردن والسعودية.

الرابط: https://daraa24.org/?p=38047

إذا كنتم تعتقدون بأن هذا المقال ينتهك المعايير الأخلاقية والمهنية يُرجى تقديم شكوى

المصادر:

  • 1- بلاد الشام في مطلع القرن العشرين، وجيه كوثراني، صفحة 147‪
  • 2-الخط الحديدي الحجازي تاريخ عريق ومستقبل واعد، د.حسنين محمد علي، صحة 65
  • 3-الخط الحديدي الحجازي، المشروع العملاق للسلطان عبدالحميد الثاني، أ.د.متين هولاكو، صفحة 151.
  • 4-الوثائق الهاشمية، المجلد الثامن، القسم الثاني، محمد عدنان البخيت، صفحة 

Similar Posts