حال الصحفيون في درعا
يُخفي الشاب “محمد يوسف، 30 عاماً” هويته الحقيقية حفاظاً على حياته، ولا يريد أن يُدلي بأي معلومة لشبكة درعا 24 حول عمله كصحفي، إلا بعد تطمينات كثيرة حول عدم الكشف عن أي شيء من الممكن أن يدل على هويته، يؤكد: “الحال اليوم يختلف عن أي وقت مضى”. يعيش الشاب في خضم التوترات الأمنية في محافظة درعا هذه الأيام، ولكنه يقول أنّ من واجبه الاستمرار بنقل ما يحدث على هذه البقعة الجغرافية، ويصف ما يحدث فيها أنّه يختلف عمّا يحدث في أي منطقة أخرى في سوريا.
يُفصّل الشاب: “الوضع أصبح أكثر خطورة وتعقيداً، منذ العام 2018 بعد سيطرة النظام على الجنوب السوري. كان هناك في الماضي تعدد للمؤسسات الإعلامية مع هامش بسيط من الحرية، لكن الآن تقلصت هذه المؤسسات، ومعظم الإعلاميين غادروا المحافظة، ومن بقي، أصبح محط الأنظار”.
بعد إعلان السلطات في سوريا سيطرتها على درعا والجنوب السوري عامةً، أجرتْ تسوية شملت جميع العاملين في الفصائل المحلية، وتبع ذلك تسويات متعددة جرت خلال السنوات التالية. هذا فيما يخصّ من حملوا السلاح، بينما الصحفي يوسف والعشرات غيره ممن حملوا كاميرات وعملوا في المجال الإعلامي، فقد كان الأمر مختلفاً، حيث بذلوا جهوداً كبيرة لتسوية أوضاعهم، وتطلّب الأمر مفاوضات طويلة، وبعد واسطات من قادة محليين، قُبلتْ تسوية الإعلاميين. يعلّق يوسف: “إذا كنت مسلح فالتسوية سهلة جداً، أما إعلامي شيء آخر، واحتاج المفاوضات”.
مخاوف متعددة بتعدد الجهات المُسيطرة اليوم
يؤكد الشاب بأن العمل كصحفي في درعا اليوم يحمل تحديات ومخاوف متعددة بتعدد الجهات المُسيطرة، فمن الفصائل التي خضعت للتسوية ولم تنضم للأجهزة الأمنية، إلى التي انضمت، كاللجنة المركزية واللواء الثامن ومن يتبع لهم، إلى الأجهزة الأمنية نفسها، إلى بقايا داعش وغيرها: “كل هذا يُشكل تهديداً يومياً على حياتي وحياة أي صحفي”.
يضيف الشاب الذي يعمل بشكل سرّيّ مع عدد من الوكالات الإعلامية سواء بنقل الخبر أو الصورة أحياناً: “إذا وصل اسمي للأفرع الأمنية أني أعمل مع وكالة إعلامية غير مرخصة بشكل نظامي، فالتُهمة فوراً هي الإرهاب والتعامل مع جهات خارجية، وقد شاهدنا الإعلامي محمود الحربي، كيف تلقى عدّة اتصالات من فرع الأمن العسكري، ليس لنقله حدث على قناة تلفزيونية بل لظهوره في مقابلة من خلال شاشاتها، قبل أن يتم اغتياله بعدها”.
يتيح قانون الجرائم الإلكترونية للسلطات في سوريا، فرض عقوبات على الصحفيين إذا نشروا عبر الانترنت ما يُسمّيه “أخبار مزيفة بما يقوض هيبة الدولة”، وذلك منذ اعتماد هذا القانون في العام 2021، وتعديله بعدها في 2022. وتعلّق منظّمة مراسلون بلا حدود بأنه منذ العام 2011، عزز قانون الصحافة بالفعل سيطرة الحكومة في سوريا على الحقل الإعلامي، في حين أن هناك نصوصاً تشريعية أخرى تهدد حرية الصحافة بشكل خطير، ولعل أبرزها قانون مكافحة الإرهاب الصادر في 2012 وقانون العقوبات.
يؤكد “محمد يوسف” وصحفيان آخران يعملان في مناطق يُسيطر عليها اللواء الثامن، أن المخاوف ليس فقط من الأجهزة الأمنية بل من اللواء أيضاً، حيث هناك خوف من أي انتقاد لهذا الفصيل المحلي، وإذا عرفوا أنّ شخصاً يعمل مع قناة أو وكالة ما، فكل ما يصدر عنها محسوب عليه.
تلقتْ شبكة درعا 24 – التي تعمل بشكل سرّيّ، دون الكشف عن العاملين فيها – عدّة تهديدات من عاملين في اللواء الثامن عبر بريد الصفحة، وفحوى هذه التهديدات: “يُمنع نشر أي خبر يخصّ اللواء دون الرجوع إلينا”، الأمر الذي رفضته الشبكة.

صحفيون ضحايا
فقدتْ شبكة درعا 24 أحد أبرز الإعلاميين في فريقها في العاشر من تشرين الثاني 2023، الشاب “محمود الحربي (الكفري)”، حيث اعترضته مجموعة محلية مسلحة تتبع للأفرع الأمنية وتُتهم بالعمل في تجارة المخدرات، وسارع أحد أفرادها ووجه السلاح إليه مباشرةً، ثم أطلق عدة رصاصات باتجاهه، فارق الحياة فوراً على أثرها.
كما وثقّت الشبكة قبل ذلك، مقتل صحفي آخر، وهو الشاب “عاطف شبلي الساعدي” في الخامس من نوفمبر 2022، خلال اشتباكات في حي طريق السد في درعا، بين الفصائل المحلية ومُتهمين بالانتماء لتنظيم داعش، وهو ينحدر من بلدة المزيريب غربي درعا، وتعرّض قبل مقتله لأكثر من محاولة اغتيال، واتهم بها تنظيم داعش.
قبل مقتل الكفري والساعدي، أحصى “مكتب توثيق الشهداء في درعا”، (وهو موقع محلي يوثق الضحايا في محافظة درعا) اغتيال 136 ناشطاً إعلامياً وصحفياً في محافظة درعا، منذ العام 2011 حتى شهر نيسان 2022. وجاء في التقرير “أن 55 إعلامياً منهم قُتلوا خلال عمليات استهداف بعبوات ناسفة واشتباكات، بينما قُتل 40 آخرون نتيجة قصف قوات النظام للمحافظة، إضافة إلى تسعة عاملين في القطاع الإعلامي قُتلوا إثر استهدافهم مباشرة بالرصاص على أيدي مجهولين، وإعلاميين اثنين قُتلا قنصاً من جانب قوات النظام، وثلاثة آخرين أُعدموا ميدانياً، وثمانية قُتلوا تحت التعذيب”.
ويبقى المشهد في درعا، وسوريا عامّة بالنسبة للصحفيين خطراً، حيث بلغ عدد القتلى في سوريا عامة من العام 2011 وحتى 2021 أكثر من 709 من العاملين في الحقل الإعلامي، مما جعل هذا البلد يقبع في المرتبة 179 من أصل 180 دولة، على جدول المؤشر العالمي لحرية الصحافة والذي تصدره سنوياً “منظمة مراسلون بلا حدود”. والتي قالت في تقريرها: “لا تزال سجون نظام بشار الأسد تعج بأكثر من 25 فاعلاً إعلامياً، بينما لا يزال 6 في عداد المختفين قسراً، و3 في عداد المفقودين، علماً أن البلد شهد مقتل ما لا يقل عن 283 صحفياً منذ بداية الثورة السورية، ومن بينهم 3 لقوا حتفهم عام 2022”. وفي ختام التقرير أكدت المنظمة أن الصحفيون الذين يطالهم الترحيل إلى سوريا يواجهون خطر الاختفاء والاختطاف والموت.
الرابط: https://daraa24.org/?p=42936