سلك “محمود ياسر، 34 عاماً، من بلدات الريف الغربي من محافظة درعا” طريقاً جديداً بعد العام 2018، معتزلاً النشاط الإعلامي، بعد عمله فيه لأكثر من ست سنوات، في نقل ما يحدث في محافظة درعا بالصوت والصورة، وذلك لعدم اتضاح الرؤية لمشهد التسويات والملف الأمني في الريف الغربي، حيث هناك توتر مستمر، وتخوّف على مصير الناشطين آنذاك. يؤكد في حديثه مع مراسل درعا 24: “الخوف جعلني اجلس في بيتي، وافتش عن لقمة العيش لأولادي”.
يعتبر محمود واحداً من الإعلاميين الذين لم يغادروا درعا بعد إعلان السلطات في سوريا سيطرتها عليها وعلى الجنوب السوري عامةً في العام 2018، عبر اتفاقية التسوية والمصالحة التي رعتها روسيا، حيث تحركت حينها قوافل التهجير باتجاه الشمال السوري، والتي استقلّها 13 ألف شخصٍ من الجنوب السوري كاملاً، وضمت مسلحين من الفصائل المعارضة وعاملين في منظمات دولية وغير حكومية، وبالطبع صحفيين.
يؤكد الشاب أنّه رفض مغادرة المنطقة، وأجرى تسوية، بعد صعوبات كبيرة، ولذلك لم يعد للعمل بشكل حقيقي حتى اليوم، وتعاون مع بعض الوكالات الإعلامية بعد ذلك، ولكن لفترة وجيزة بعد العام 2020 كمساعد لبعض الصحفيين السوريين خارج سوريا. حتى هذا تركه غير مطمئن، حيث التوتر الأمني والخوف من خطر الاعتقال، بقيا كهاجسٍ يسيطر على حياته، لذلك ترك هذا أيضاً.
إقرأ أيضا: الصحفيون في درعا (1/ 2): انتهاكات متكررة وخوف لا ينتهي
يشرح: “بعد العام 2022 وفشل عناصر وقوات الأمن والمخابرات من اعتقال من أسمتهم (متورطين وإرهابيين)، بدأت بمخطط الاغتيالات من خلال تجنيد عناصر محليين، والتي كانت تستهدف المؤثرين في الجنوب السوري والناشطين خصوصاً، وعندها توقفت نهائياً وأخبرت الزملاء بخوفي من تسرّب معلومات”.
يتابع: “ازدادت نسبة الخوف بعد تعرّض عدد من الناشطين للاغتيال والتهديد والاعتقال، خصوصاً بعد الاتهامات التي كانت تتوجه لنا بعد نشر منشورات بأسماء وهمية على صفحات التواصل الاجتماعي، وكأن صفحات التواصل هي ملك للناشطين الإعلاميين، كان أي تهديد أو أي صفحة تنشر شيء، فوراً يقولون فلان الإعلامي”.
وضع صعب وخطر كبير
تحدثت شبكة درعا 24 في هذا التقرير مع الصحفي “إبراهيم محمد حسين” مدير المركز السوري للحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين (ووفقاً لموقعها على الانترنت فهي: رابطة مهنية ديمقراطية مستقلّة تأسّست في 2012)، والذي يصف وضع الصحفيين في محافظة درعا أنه صعب، وهناك مخاطر عديدة محدقة بهم، قد تحدث في أي وقت ودون سابق إنذار، إذ إن المحافظة تعاني من فلتان أمني وانتشار للميليشيات المتعددة وانتشار للسلاح، ما يؤدي بالتالي إلى زيادة الخطر على الصحفيين في المحافظة، وقد يعرضهم إلى عمليات اغتيال أو تصفية.
يقول الحسين: “وهو ما وثقناه مراراً في السنوات السابقة، حيث قتل العديد من الصحفيين والناشطين الإعلاميين نتيجة لعملهم في تغطية الأحداث وتوثيق انتهاكات القوى المسيطرة في المحافظة، وهو ما لا يروق لتلك الميليشيات المسلحة والأجهزة الأمنية التابعة للنظام وإيران وروسيا أيضاً، والتي تقف وراء معظم تلك الانتهاكات، مع ملاحظة وجود بعض خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ما يزيد الوضع خطورةً”.
بلغ عدد القتلى من الصحفيين في درعا منذ العام 2011 وحتى 2022، 136 شخصاً. بينما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في سوريا عامة، مقتل 709 من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، بينهم 52 بسبب التعذيب بينهم 6 سيدة (أنثى بالغة)، وذلك في الفترة ما بين العامين 2011 و 2021، وأوردَ التقرير رسوماً بيانية تُظهر توزع حصيلة الضحايا من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام بحسب الجهة الفاعلة وبحسب السنوات منذ آذار 2011 وتبعاً للمحافظات أيضاً، وأظهر التقرير أن النظام في سوريا وروسيا هما المسؤولان عن قرابة 82% من حصيلة الضحايا من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام.
وفي ذات التقرير اتضح أن العام 2013 هو العام الأكثر دموية بحق الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام بـ 25% من الحصيلة الإجمالية، تلاه عام 2012 ثم عام 2014. فيما سجَّلت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا بقرابة 22% تلتها محافظة درعا ثم ريف دمشق.
مع كل هذه الأرقام من الضحايا من الصحفيين، تبقى مسألة مساءلة الجناة شبه غائبة. ووفقاً لمدير المركز السوري للحريات الصحفية فقد قدّمت رابطة الصحفيين السوريين في وقت سابق، العديد من الملفات إلى منظمات أممية دولية، للمساهمة ودعم ملف محاسبة مرتكبي الانتهاكات في سوريا وتضغط الرابطة عبر تقاريرها ووسائل الحشد والمناصرة التي تتبعها، على كافة سلطات الأمر الواقع، لثنيهم عن ارتكاب الانتهاكات.
هل يتغير وضع الصحافة في سوريا؟
في ظل كل ما سبق من انتهاكات تقع ضد الصحفيين في درعا وفي سوريا عامة فهل يمكن تحسّين أو تغيير وضع هذه المهنة في هذا البلد؟ يجيب مدير المركز السوري للحريات الصحفية “إبراهيم محمد حسين” في شرح الخطوات الأساسية لتحسين وضع الصحافة في سوريا، حيث لخّصها في النقاط التالية:
- تعزيز دور الروابط والهيئات الإعلامية المستقلة: ومنها رابطة الصحفيين السوريين.
- تعزيز الأمان للصحفيين: توفير حماية فعالة للصحفيين من خلال القوانين والأنظمة التي تضمن سلامتهم وتحد من الانتهاكات.
- دعم الإعلام المستقل: تشجيع الصحافة المستقلة بعيدًا عن التأثيرات السياسية والأمنية لضمان تغطية مهنية وغير منحازة. التدريب والتطوير المهني: تقديم برامج تدريبية للصحفيين لتعزيز قدراتهم ومهاراتهم في التعامل مع الظروف الصعبة والتحقيق الصحفي.
- التعاون الدولي: على المجتمع الدولي أن يدعم حرية الصحافة في سوريا من خلال الضغط على النظام السوري ومختلف قوى الأمر الواقع لوقف الانتهاكات، وتقديم الدعم المالي والتقني للصحفيين والمنظمات الصحفية المستقلة.
ويختم الصحفي بأنه يمكن للمجتمع الدولي أن يساهم بشكل فعّال في دعم حرية الصحافة، من خلال إصدار تشريعات تزيد من الحصانة، التي يجب أن يتمتع بها الصحفيون والعاملون في قطاع الإعلام، إضافةً لتشريعات وآليات تساهم في عدم إفلات المجرمين من العقاب في الجرائم التي تقع بحقهم، وبطبيعة الحال فإن الحل الرئيسي يكمن في الضغط الفعّال نحو إيجاد حل سياسي للقضية السورية، والمساعدة في إنجاز دستور عصري يضمن الحريات وخاصة حرية الرأي والتعبير ويمنع الاستبداد.
إقرأ أيضاً: سوريا مجدداً، في ذيل مؤشر حرية الصحافة العالمي

الرابط: https://daraa24.org/?p=42943