تتميز البيوت القديمة في حوران سواء في السهل أو الجبل بطراز معماري مميز، تطور عبر آلاف السنين، من خلال تعاقب الكثير من الحضارات على المنطقة التي أعطت لحوران تنوعاً معماريّاً، مازالت تحافظ على سماته الاساسية حتى وقتنا الحاضر، وخاصة البيوت المبنية بالحجر البازلتي الأسود والذي تمتاز به حوران.
البيت الحجري القديم
يتم بناء البيت الحوراني القديم باستخدام الحجر البازلتي الأسود، حيث تُبنى الجدران ويحتوي المنزل على مجموعة من القناطر في وسطه (عدد القناطر بحسب مساحة البيت)، والقنطرة تساهم في حمل السقف وتوزيع الأحمال ما بين الجدران والسقف، وتبنى القنطرة برصف الأحجار البازلتية المصقولة بإتقان فوق بعضها البعض على قاعدة متينة ويتم إمالتها شيئاً فشيئاً لتشكل قوسا متكاملا عند الانتهاء من بنائها، ثم يتم وضع مجموعة من الحجار فوقها، ثم توضع عليها العوارض الحديدية أو الخشبية، التي يستند عليها سقف البيت.
الباحث في التراث «صهيب المقداد» قال لمراسل درعا 24: «لا يمكننا الحديث عن المنزل الحوراني وخصائصه، دون التطرق لأهم ميزة اختص فيها وهي استخدام الحجر الأسود البازلتي، وهو صخر ناري ينتشر في أرجاء حوران، يتميز بالقساوة ومقاومته للعوامل الطبيعية، غير أن “الحوارنة” برعوا في استخدامه ونحته لبناء بيوتهم على نحو فريد، ولم يقتصر استخدامه على بناء البيوت فقط، فقد استخدم في بناء الكثير من المرافق، كمحطات الحديد الحجازية والمباني الحكومية والمساجد والكنائس والقلاع، ليكون شاهدًا على براعتهم في الفن المعماري».
اقرأ أيضاً: الآثار في حوران، عراقة الماضي تروي حكايات الحاضر
الحاجة حمده المقداد (84 عاما) تحدثت لمراسل درعا24 عن البيت التي نشأت فيه حيث قالت “كان يتألف من قسمين الأول يحتوي على المضافة، وكانت كبيرة وفيها ثلاث قناطر. والقسم الثاني مجموعة من الغرف للنوم وغرفة لجلوس أهل البيت، وكان يختلف حجمه حسب الحالة المادية لأصحابه، وقالت الحاجة “كان أبي من شيوخ المقداد، مشان هيك كان بيتنا كبير”
أضافت بأن ارتفاع السقف كان أكثر من خمسة أمتار، وكانت تزين جدران المضافة بأطباق القش والسيوف العربية وطبعا كانت دلال القهوة المرة والمهباش من ضرورات المضافة، بالإضافة للربابة.
كذلك أوضح «ميلاد مطرود» رئيس شعبة آثار ازرع لـ سانا أن ما يميز البيوت القديمة هو الاتساع والمساحة الكبيرة واستعمال الحجر البازلتي الذي يعبر عن تاريخ حوران مبيّناً أن ارتفاع السقف سمة أساسية في البيوت القديمة وقد تم استخدام الاقواس والقناطر في عملية البناء.
البيت الحجري في وقتنا الحالي
وفي الوقت الحالي نجد بعض البيوت الحديثة والتي بنيت باستخدام الحجر البازلتي المصقول، ولكن بطرق حديثة حيث تم الاستعاضة عن القناطر بالأعمدة الإسمنتية، وأصبح السقف من الأسمنت والحديد.
أبو سالم الشقيري يعمل في بناء البيوت من الحجر الأسود قال لمراسل درعا 24:” نقوم بإحضار الحجارة الكبيرة من السهل ونجمعها في الأرض التي سنبني عليها البيت، ونبدأ بتكسير هذه الحجارة بالمطرقة والإزميل لصقلها وجعلها على شكل مستطيل ليتم تثبيتها فوق بعضها البعض، بواسطة الإسمنت”
أضاف “الناس حاليا لا يرغبون بالقناطر بل يتم بناء الغرف بمساحات صغيرة ويتم تثبيت الجسور الحديدية على الجدران الجانبية للغرفة”.
وعند سؤاله إذا كانت هذه المهنة كافية لإعالة عائلته قال «لا يوجد الكثير يبني بهذه الطريقة الآن فقد أصبحت طرق البناء الحديثة هي الطاغية، فقد حلّ البلوك بدل الحجر والأعمدة بدل القناطر».
ولكن وعلى الرغم من غزو طريقة البناء الحديث، حيث تم الاستعاضة عن الحجارة بـ “البلوك” والقناطر بالأعمدة الإسمنتية إلا أن طريقة عمارة البيوت حافظت على نفس النسق القديم من حيث مساحة الغرف وارتفاعها، ووجود المضافة والتي هي عنصر أساسي ومهم في كل بيت حتى الآن.
المضافة في حوران
الصفة المشتركة لكل البيوت في حوران هي المضافة وهي أساسية في كل بيت ويكون لها بابان داخلي يكون مفتوحا على البيت، وخارجي مستقل عن البيت يبقى مفتوحاً دائماً لاستقبال الضيوف، وكانت تُناقش فيها مختلف الأحاديث الثقافية والدينية والاجتماعية، وكل ما يخص أمور البلدة، ومن هذه المضافات انطلق أبطال سطروا بدمائهم أعظم ملاحم البطولة في وجه الاستعمار والطغيان.
تتشابه المضافات بين مختلف مناطق حوران مع اختلافات بسيطة من الداخل، ففي السويداء يقول الحاج أكرم مراد :24 «تبنى داخل المضافة على مسافة متر أو أقل من جدرانها وبارتفاع حوالي ستين سنتيمتر مصطبة حجرية تُسمّى” التواطي “وتُصَبُّ بالإسمنت ويُفرش عليه السجاد والفرشات، وتوضع عليها الوسائد المصنوعة من الصوف ليتكئ عليها الضيف، وتوضع في الوسط دلال القهوة المرة والمهباش، بينما يعلق على جدرانها السيوف، وبعض صور أفراد العائلة، وبعض الشخصيات الوطنية».
أضاف «كانت تتوسط المضافة حفرة مستطيلة تسمى (النقرة) توضع على أطرافها أباريق ودلال القهوة المرة والمهباش، التي تعتبر أهم عادات الضيافة، وهي موجودة الآن ولكن أصبح مكانها في معظم المضايف على الزاوية».
أما في محافظة درعا فيتم الاستعاضة عن الـ “التواطي” بما يُسمي “المجلس العربي” أو ” الديوانية” وهي مجموعة من الفرشات مع الوسائد، ومساند للضهر، توضع على مدار جدران المضافة المفروشة بالسجاد، ويعلّق على الجدران أيضاً السيوف وبعض الصور، وتستخدم التواطي كذلك في بعض المضافات في محافظة درعا كما مضافات السويداء، ولكن تكون مصنوعة من الحديد بدل الإسمنت.
الباحث في الموروث الشعبي الحوراني “تيسير الفقيه” قال لموقع esyria: «معظم أهالي مناطق حوران، سواء في المدينة أو الريف، يفضلون المجالس العربية التي كانت قديماً عبارة عن مساند فقط مصنوعة من الإسفنج المضغوط، وتغطى بكسوة ذات ألوان متعددة جميلة، وتوضع لراحة ظهر الضيف، لكنه انتقل لتحديث وتطوير شكل المجالس العربية، بعدما تم إضافة خامات ومواد جديدة لها في الآونة الأخيرة، فأصبحت هذه المجالس من أساسيات كل منزل ومضافة في حوران، ويمكن أن نقسم من حيث الشكل بين المجالس في منطقة “بصرى الشام” القريبة من جبل العرب، حيث تكون مرتفعة عن الأرض والجلوس عليها كما الجلوس على الكنبة أو الكراسي، بينما يختلف الأمر في المناطق الغربية من حوران، وتكون على شكل فرش توضع على الأرض ويوضع لها مساند خلفية ووسائد جانبية، وغالباً ما تكون بلون موحد».
إن طريقة البناء السائدة في كل قرى وبلدات حوران سهلا وجبلا، وتلك البيوت الحجرية والتي هي جزءٌ من تراث هذه المنطقة، سمة عامة نشاهدها في كل الأبنية القديمة والحديثة، فمن يمشي من مدينة بصرى الشام باتجاه القريا وباقي قرى وبلدات السويداء لا يعرف أنه انتقل من محافظة إلى أخرى نتيجة التشابه الكبير في العمران وطريقة البناء، وماضيها العريق، حيث تحكي حجارتها حكاياتٍ عظمية عن جذور سكان هذه الأرض الغائرة في عمق التاريخ.
رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=25404
