العنف الأسري ضد المرأة

يشكل العنف الأسري بحق النساء في درعا واحداً من أكبر الانتهاكات التي تتعرض لها، وقد شهدت محافظة درعا خلال السنوات القليلة الماضية عدداً من الجرائم انتهت بفقدان النساء حياتهن. وقد تفاقمت هذه الاعتداءات مع استمرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية بالتدهور بشكل كبير.

تعد الأوضاع الاقتصادية عامل كبير في تزايد العنف الاسري، تضاعفت حالات العنف ضد النساء في درعا في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية المتردية، وقد تركت العديد من الآثار السلبية على المجتمع بشكل عام والنساء بشكل خاص، أم ملاك ( 30 عاماً ) تقول لمراسلة درعا 24: “لقد أصبحنا نعاني بسبب صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية لأطفالنا كاللباس والغذاء، إضافة الى العديد من الاحتياجات التي لا يمكن الاستغناء عنها، يعمل زوجي كل أسبوع يومين أو ثلاثة فقط، وهذا الامر سبب العديد من الضغوطات النفسية داخل المنزل والتوتر بشكل دائم”.

أضافت أن النتيجة الحتمية بالنهاية كانت المزيد من العنف اللفظي والجسدي، بسبب طلبها منه العمل كامل الأسبوع لتوفير متطلبات المنزل، وأدى ذلك الى نشوء العديد من المشاكل بينهما، بعد أن كانت حياتهما هادئة سابقاً لا تخلو من بعض المشاحنات إلا أنها لا تصل الى درجة العنف الجسدي واللفظي الذي يستخدم ضدها الآن.

إقرأ أيضاً: العنف ضد المرأة: المجتمع يهاجمها والقانون لا يحميها

 (أمل 45 عاماً) ناشطة اجتماعية تقول: “شكلت الأوضاع المعيشية والاقتصادية في درعا خلال السنوات الماضية سبباً رئيسياً في ارتفاع معدلات العنف ضد النساء، لأن الفقر والبطالة فاقمت من العنف الأسري داخل الأسرة، حيث أن أحد أكثر الأسباب التي تدفع الزوج الى تعنيف زوجته هو تدهور الأوضاع المعيشية في ظل غياب فرص العمل وهو ما له تأثير نفسي كبير على الافراد”.

مضيفةً أن العنف ضد النساء يعتبر من أكثر انتهاكات حقوق الانسان انتشاراً في العالم وفي سوريا بشكل خاص، لذلك لا بد من تكاتف الجميع، إضافة الى وسائل الاعلام لمحاولة الحد من جرائم العنف ضد النساء، ورفع الوعي لتعزيز حقوق جميع النساء.

العادات والتقاليد في درعا تمنع المرأة من مواجهة العنف الاسري

حسب الأمم المتحدة فإن 45% من النساء فقط بلّغن أنهن أو نساء أُخر يعرفنهن تعرضهن لصورة ما من صور العنف ضد المرأة، وعبرت سبع من بين كل عشرة نساء عن اعتقادهن أن التعنيف اللفظي أو الجسدي من قبل الشريك غدا أكثر شيوعاً، وتشعر ست من بين كل عشر نساء باستفحال التحرش الجنسي واللفظي في الأماكن العامة.

على الرغم من تعرض العديد من النساء للعنف اللفظي والجسدي إلا أن التوجه الأكبر للنساء هو عدم التبليغ عن أي عنف يتعرضن له. وهذا نتيجة لعدة أسباب توضحها الناشطة الإعلامية (سهام 48 عاماً) في حديثها للمراسلة فتقول: “أن العادات والتقاليد المجتمعية السائدة والخوف من مواجهة المجتمع والأهل، هي السبب الأكبر في تكتم النساء حول موضوع تعرضهن للتعنيف الأسري سواء كان من قبل الأب أو الزوج أو الأخ”.

تضيف: “وعلى سبيل المثال ينظر المجتمع للمرأة المطلقة نظرة سلبية قاتلة نتيجة الفهم الخاطئ للعرف الاجتماعي، فالمجتمع والواقع في محافظة درعا يقبل العنف أكثر من قبوله للطلاق، لأن الطلاق  بنظر المجتمع والأهل وصمة عار توصم بها المرأة المطلقة، مما يجعل المرأة في كثير من الأحيان تقبل التعنيف والتعرض للضرب والإهانة خوفاً من سماع كلمة مطلقة، إضافة الى أن بعض العادات تمنع المرأة من ممارسة حياتها بالشكل الطبيعي بعد الطلاق،  ناهيك لردة فعل الطرف الآخر وخسارة الأولاد، فالرجال يعملون على حرمان زوجاتهم من حق رعاية الأولاد أو حتى الالتقاء بهم بحال قررت المرأة الخروج عن صمتها أو طلب الطلاق، وهذا يدفع بالمرأة الى الاستسلام وتقبل الواقع كما هو”.

شهادات حية

(إذا مش عاجبك انقلعي على بيت أهلك اللي ما عرفوا يربوكِ) بهذه الكلمات تلخص (حنان، 30 عاماً، اسم مستعار) والتي تسكن في ريف درعا الشرقي معاناتها اليومية مع زوجها العاطل عن العمل، وتشير الى أنه قد خسر عمله وأصبح غير قادر على تلبية مستلزماتهم اليومية والملحة، وقد أدى ذلك الى مشاحنات شبه يومية بين حنان وزوجها، وعندما طلبت منه أن تبحث عن عمل لمساعدته في تأمين الاحتياجات اليومية رفض بشدة، وقام بتعنيفها لفظياً أمام أولادها قائلاً لها (بدك تفضحيني قدام الناس!).

أضافت أنها باتت تتعرض للإساءة اللفظية بشكل مستمر، وكأنه يحمّلها السبب لعدم قدرته على تأمين مستلزمات العائلة، وبعد ذلك تطورت الخلافات فيما بينهم أكثر وأكثر، إلى أن وصلت إلى حد الاعتداء الجسدي والضرب، وعند محاولتها الشكوى لأهلها قوبلت بهذه الكلمات ( أنتِ لا أول وحدة ولا آخر وحدة بضربها زوجها  هذا كأس على كل الناس، بدك تتحملي مشان ولادك ولا شو رايك تتطلقي وتيجي تقعدي عندنا بالبيت ؟)، ووصفت حنان الحال في منزل والدها (بالخروج من تحت الدلف لتحت المزراب) فالحال في منزل أهلها لم يكن بالأفضل، وقد تلقت تهديد صريح من قبل أهلها بحال فكرت بالطلاق بأنهم لن يستقبلوا أولادها معها، فهم حسب تعبيرهم غير مجبرين على رعايتهم وهذا ما أجبرها على الصمت وتحمل المعاناة اليومية علها تجد في يوم من الأيام فرصة للخلاص من هذا المأزق.

إقرأ أيضاً: المرأة في درعا، انتهاك حقوقها، وقتلها في حالة الغضب!

(سناء 43 عاماً) وهي من الريف الغربي لمحافظة درعا تقول: “لقد كسرتُ حاجز الصمت عندما قررتُ طلب الطلاق من زوجي الذي، كنت أتعرض عنده لكافة أنواع التعنيف اللفظي والجسدي والنفسي”، وأشارت الى أنها كانت محرومة من أبسط حقوقها عند زوجها ولم يكن للأوضاع الاقتصادية أي تأثير في حياتهما لأن زوجها ميسور الحال  إلا أنه  كبر وترعرع  على مبادئ خاطئة  غير مبنية على احترام المرأة، أو الأخذ برأيها، وكان يقلّل من شأنها  دائماً، بل ويشجعه أهله على تلك التصرفات.

تابعت قائلة: “دون خوف أو تردد واجهتُ المجتمع من حولي بكل جرأة وشجاعة ولم أهتم يوماً لما قيل او سيُقال عني من إشاعات وكلام فارغ”، وبعد حصولها على الطلاق قررتْ أن تعمل وتواجه الحياة والمجتمع وأسست مشروع صغير بدأت به حياتها وأثبتت نجاحها لكل من حولها.

وأشارت الى أن هذه العادات والتقاليد البالية هي أكبر عائق تواجهه المرأة في حياتها لذلك يجب أن تتغير، وعلى النساء اليوم أن تعمل بكل ما أوتيت من قوة، للتحرر من هذا العنف المتوارث.

أهمية التوعية

بدأت حملة ال(16 يوماً العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة ) والتي تمتد من 25 تشرين الثاني ( اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة ) وتنتهي ب 10 كانون الأول (اليوم العالمي لحقوق الإنسان) لذلك لا بد من العمل على زيادة نسبة الوعي لدى النساء والإرشاد وتشجيعهن  للتخلي عن ثقافة الصمت على العنف، وكيفية معالجة ذلك وعدم الاستسلام للعادات والتقاليد التي تعيب على المرأة المطالبة بحقوقها نتيجة الفهم الخاطئ للموروث الاجتماعي فهي بنظر المجتمع متهمة بتهمة الطلاق، لذلك تحتاج النساء الى التعريف بأنواع العنف ومسبباته لكي تتمكن من حماية نفسها من التعنيف ولكي تكون اكثر قدرة وقوة لمواجهة العنف الجسدي الذي يعتبر من اكثر انتهاكات حقوق الانسان تفشياً  في العالم.

جديرٌ بالذكر أن الكثير من قصص العنف ضد النساء تُدفن ولا تصل إلى العلن، حيث يتم التكتم عليها من قبل النساء والأهل وهذا من شأنه أن يُشجع على المزيد من حالات العنف، خاصة وإن القوانين في سوريا لا تنصف المرأة المُعنّفة، والجميع يعرف قصة «آيات الرفاعي» والتي قتلها زوجها بمساعدة أهله الذين داوموا على تعنيفها طيلة فترة زواجها، حيث جاء الحكم سبع سنوات سجن للزوج، وهذا الحكم لم يكن منصفاً للمغدورة، ولن يساهم بالتخفيف من تلك الجرائم.

الرابط: https://daraa24.org/?p=27695

Similar Posts