العنف ضد الأطفال
العنف ضد الأطفال

تتزايد ظاهرة العنف ضد الأطفال يوماً بعد يوم، بالتزامن مع تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وقلة فرص العمل، مما يؤدي إلى عدم القدرة على تلبية احتياجات الأسرة، وهذا ينعكس سلباً على الاستقرار النفسي للعائلات، ويؤدي إلى ارتفاع وتيرة الصراعات والعنف بين أفراد الأسرة، بسبب عجز أرباب الأسر عن تحمل ضغوطات الحياة ومواجهتها.

الفقر والبطالة عوامل مساعدة على العنف ضد الأطفال

أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 14 يونيو / حزيران 2023، أن نحو 90 % من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

كذلك أشارت أديل خضر المديرة الإقليمية لليونسف في الشرق الأوسط إلى أن أكثر من 6,5 مليون طفل في سوريا يحتاجون إلى المساعدة، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ العام 2011 وحتى اليوم. وأن ملايين الأطفال السوريين يعيشون في خوف وحاجة وعدم يقين، سواء في داخل سوريا أو في دول الجوار.

 يعتبر هذا الوضع الاقتصادي المتردي لأغلب الأسر، من أكثر الأسباب التي تدفع برب الأسرة لممارسة العنف ضد أطفاله، فقد كان لانتشار الفقر واتساع دائرة البطالة دور بالغ في توسيع ظاهرة العنف ضد الأطفال، فهم يذوقون مرارة العيش، ويتعرضون للضرب والعنف الجسدي واللفظي.

فيما لا تنحصر ظاهرة العنف في المنزل، بل تمتد إلى استخدام العنف ضد الأطفال في بيئات العمل، وبالطبع هم غير قادرين على حماية أنفسهم، وهم بحاجة ماسّة للعمل، حيث إنه هناك العديد من الأسر تدفع بأطفالها إلى سوق العمل في أعمار صغيرة، للمساعدة في توفير سبل المعيشة للأسرة.

 ‏تقول (حنان خليل، وهي باحثة اجتماعية) في حديثها مع مراسلة درعا 24: “تمارس العديد من الأسر في درعا العنف الجسدي واللفظي ضد أطفالها، بسبب صعوبة مواجهة مشاكل الحياة المادية، واتساع دائرة الفقر والحاجة، دون إدراك منهم لمخاطر هذا العنف على الأطفال، وانعكاساته السلبية على المجتمع بشكل عام. فكلما ازدادت الضغوطات المعيشية ازدادت معها وتيرة الصراعات الأسرية، التي تنتهي حتماً بتعنيف الأطفال، باعتبار أنهم الحلقة الأكثر ضعفاً وتأثراً، بتلك الصراعات، التي تظهر نتائجها على حياتهم بأشكال متعددة، فينتج عنها إما تعرض الأطفال للضرب المبرح والإهانة، والتي تترك آثاراً عميقة في شخصية الطفل، أو دفعهم لسوق العمل، حيث يواجهون هناك شتى أنواع العنف الجسدي واللفظي”.

تضيف الباحثة بأنه ينتج عن ذلك أيضاً تزويج الفتيات في سن مبكرة، قبل بلوغ سن الـ 18، ظناً منهم أن الزواج المبكر، يمكن أن يوفر لبناتهم حياة أفضل، ولتخفيف الأعباء الاقتصادية عليهم أيضاً، وبالتالي حرمانهم من العديد من حقوقهم، ودفعهم للضياع.

وتتابع بأن عدم الاستقرار الاقتصادي يسبب عدم استقرار نفسي، ويدفع باتجاه استخدام العنف، كطريقة للتعامل مع الأطفال.

إقرأ أيضاً: مقتل الطفلة ” ليمار ” حادثة جديدة في درعا، وروايات متعددة

نماذج لأطفال يتعرضون للعنف

كان (الطفل منذر. ع 13 عاماً) يعمل في تصليح السيارات، ويتعرض للضرب والشتم بشكل مستمر من قبل والده، والذي كان يطلب من رب عمله أن يضربه ويؤدبه، عندما يُقصر في عمله، ويقول له بشكلٍ مستمر، العبارة الشهيرة “لك اللحم ولنا العظم)، ظناً منه أن ذلك يجعله أكثر صلابة، وقدرة على التحمل.

يقول هذا الطفل في حديثه مع المراسلة، بأنه كان يتعرض للضرب بشكلٍ دائم من قبل والده، وفي بعض الأحيان كان يطرده من البيت. موضحاً بأن والده أجبره على العمل، وترك الدراسة بعد أن ضاقت به السبل، إذ لم يعد بإمكانه توفير متطلبات أسرته المتزايدة، فمردود عمله غير كاف لشراء وجبة الغداء لأسرته المكونة من 7 أفراد.

يؤكد الطفل أنه خلال السنوات الماضية، أصبح والده يعاني من ضغوطات نفسية كثيرة، بسبب انقطاعه عن  العمل، وزاد ذلك من  حدة الصراعات بين والده ووالدته، مما جعل لغة الحوار بينهم تتحول إلى إهانة وضرب، حيث أصبح والده يقوم بالتنفيس عن مشاكل المنزل والحياة والضغوطات التي يتعرضون لها، باستخدام الضرب والألفاظ البذيئة تجاهه واتجاه إخوته.

بدورها (سناء الصالح التي تبلغ اليوم 15 عاماً)، تروي تفاصيل تعرضها للتعنيف الدائم من قبل والدها تقول : “كان والدي كثير الغضب بسبب عدم وجود عمل يقوم به، وفي كثير من الأحيان كان يقوم بصب غضبه علي وعلى إخوتي، ويضربنا بشكلٍ مستمر، وكانت أمي تطلب منا أن نتحمل ضربه وتوبيخه، لأنه لم يكن كذلك ولكن الظروف غيرته، بعد أن أصبح بلا عمل، وأصبح اعتمادنا الأكبر على عمل أمي في التنظيف. وعلى الرغم من أننا كنا نساعدها في أعمال التنظيف إلا أننا كنا نتعرض للضرب والتوبيخ بشكلٍ دائم.

إقرأ أيضاً: ظاهرة التعنيف في المدارس (ضرب التلاميذ)، أسبابها ونتائجها

العنف ضد الأطفال
العنف ضد الأطفال

الآثار النفسية والاجتماعية للأطفال المعنَّفين

تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل لنمو الانسان بشكلٍ سليم، وهي الأساس في تكوين شخصيته، وأي خلل يتعرض له الطفل في هذه المرحلة يمكن أن ينعكس تأثير على المجتمع بشكلٍ عام. تقول المختصة النفسية هناء أكراد): إن لظاهرة العنف آثاراً نفسية وبدنية تنعكس وتظهر تدريجياً في سلوكيات الأطفال واخلاقياتهم وتعاملهم مع من حولهم، فيتحولون إلى عدوانيين ومرضى نفسيين، مما يؤثر على مستقبل الأطفال، وتجعلهم يمارسون سلوكيات اجتماعية سلبية، مثل الميل للعزلة والتوحد وتعاطي المخدرات، وتجعل الأطفال المعنَّفين غير قادرين على تكوين علاقات اجتماعية سليمة، وينفرون من المجتمع ويواجهونه بعنف آخر”.

تضيف بأن ازدياد ظاهرة تعنيف الأطفال ترجع لعدة أسباب أهمها، الجهل بأساليب التربية الحديثة، والظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تعاني منها أغلب العائلات، والتي باتت تهدد استقرار المجتمع وتعيق تقدمه، وتؤدي إلى التفكك الأسري، وارتفاع معدلات عمالة الأطفال، وزيادة نسبة الجريمة. وفقاً للمختصة النفسية.

تجنيد الأطفال: أطفال الأمس، شباب اليوم

القانون لا يحمي الأطفال من التعنيف

 يقول المحامي غسان الحريري: “لا يوجد في قانون العقوبات السوري أي مادة مستقلة تتعلق بحماية الأطفال من التعنيف، أو تعتبر جريمة العنف الأسري جريمة ضد الفرد والمجتمع، وفي حال وصل التعنيف لإلحاق الأذى الجسدي بالطفل، أو تسبب بحصول عاهة دائمة، فإن القضية تخضع لأحكام قانون العقوبات العام”.

 ‏ويفصّل بأن المادة 185 من القانون تسمح للأهل بضرب أولادهم، تحت ما يسمى ضروب التأديب، ووفق المادة فإن لم يتسبب هذا الضرب بأي أثر، فتسقط العقوبة عن المتسبب، ضمن ضروب التأديب للطفل. ويُعقب أنه لا بد من تشريع قانون خاص للحماية من العنف الأسري، علّه يساهم في ردع العنف ضد الأطفال، ورغم أن التشريعات في سوريا تشمل على نصوص قانونية تتعلق بحماية الأطفال، إلا أن هذه القوانين شكلية، ولا يتم تطبيقها على أرض الواقع ولا توفر الحماية للأطفال .

 ‏‏وكانت رصدت درعا 24 بتاريخ 17 ديسمبر / كانون الأول 2022، مقتل طفل قاصر يبلغ من العمر 17 عاماً، بعد تعرضه لتعنيف شديد من والده، وضرب مبرح، وتقييده وربطه بحبل في بلدة محجة شمالي درعا. وفي نفس العام أقدم عنصر من القوات الحكومية والذي يسكن في مدينة الصنمين، على قتل ابنه بطريقة وحشية أثر خلاف مع طليقته، وفي مدينة الحراك كان قضى طفلان، وأصيبت شقيقتهما بجروح أثر ضربهم بأداة حادة من قبل أحد أقربائهم، الذي دخل المنزل بقصد السرقة.

إقرأ أيضاً: مقتل طفل تحت التعذيب على يد والده

 ‏فيما كان قد قتل الطفل محمد ذياب 12 عاماً، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، على يد والده بعد سجنه في غرفة صغيرة مع ضربه بشكلٍ مستمر وتعذيبه بطريقة بشعة في مدينة الصنمين.

إقرأ أيضاً: مقتل طفلة في مدينة طفس على يد والدها

مع ازدياد معاناة الأسر من الفقر والعوز، ترتفع حالات العنف الأسرى وتزداد معها ظاهرة عمالة الأطفال، ويزداد عدد الفتيات الصغيرات اللواتي يواجهن خطر الزواج المبكر، مما يدعو لضرورة العمل على التغيير العكسي لواقع الأطفال المعرضين للعنف، وسوء المعاملة والمحرومين من أبسط مقومات الحياة الكريمة.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=32431

Similar Posts