تجنيد الأطفال
تجنيد الأطفال AFP

ما زال بعض الشباب يعاني حتى الآن من الآثار النفسية، التي خلّفتها لهم المعارك التي عاشوها، وبعضهم خاضها بنفسه خلال سنوات الحرب الماضية، حيث تم تجنيد العديد من الأطفال في مختلف المجموعات القتالية، بين الأعوام 2013-2018. وقد دخل العديد منهم إلى ساحات القتال، بسبب الأفكار التي فرضها عليهم الجو المحيط آنذاك، بالإضافة لكسب بعض المال، لتأمين متطلبات حياتهم وحياة أسرهم.

أحد المدرسين في الريف الغربي وكان قائداً لأحد الفصائل في العام 2015 قال لمراسل درعا 24: «إنّ الحرب وما رافقها من الأوضاع المعيشية للسكان، وغياب التوعية، وانشغال أغلب أولياء الأمور بالاقتتال، ومشاهد السلاح، كل هذا تسبب بتدمير المؤسستين المعنيتين في تعليم الطفل وتربيته، الأسرة والمدرسة، الأمر الذي أدى لسلوك الأطفال طرق خاطئة وخطيرة».
وأضاف: «تم استخدام أو تجنيد الكثير من الأطفال من قبل كل أطراف النزاع في محافظة درعا آنذاك، مما أدى لحرمان الأطفال من حريتهم، بسبب ارتباطهم المزعوم أو الفعلي بأطراف النزاع، ولاسيما سيطرة الأفكار المتطرفة، التي كانت تنتهجها بعض الفصائل الإسلامية في ذلك الوقت، وتأثيرها على تكوينهم العقلي والبدني».

وأكّد: «بأن المجموعات المسلحة من كافة أطراف النزاع، قامت بتجنيد الأطفال، واستخدامهم للمشاركة في الأعمال القتالية، مما عرّض حياتهم للخطر، ومع تطور الصراع، كان الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 18 سنة، ينضمون إلى هذه المجموعات طواعية عن طريق إغرائهم بالحوافز المالية، من خلال استغلال حالتهم المعيشية السيئة، ولاسيما الأطفال الذين فقدوا آباءهم سواء في الحرب أو المعتقلات، أو بسبب تأثرهم بالأفكار الدعوية للمجموعات المتطرفة، أو بدافع الثأر عند مقتل أحد أفراد الأسرة على يد جماعة مسلحة أخرى».

تجنيد الاطفال
تجنيد الأطفال: أطفال الأمس، شباب اليوم 4

سمعت عن إحدى الفصائل المقاتلة في منطقتنا، وذهبت إلى مقرهم من أجل الانضمام، كان أهلي يعارضون ذلك بشكل قاطع، وخاصة والدتي -كانت خائفة جداً-، وكان عمري وقتها 17 سنة، ولكن أحد أعمامي كان موافقاً، وشجعني على الانضمام، وكان يُقاتل مع ذات المجموعة

وأضاف بأنه في ذلك الوقت تم أيضاً ، -ولاسيما إبّان حكم الجماعات المتطرفة لبعض المناطق في المحافظة-، تجنيد فتيات في الأدوار غير المسلحة، بما في ذلك العمل على نقاط التفتيش من أجل تفتيش النساء، وتهريب الأموال من منطقة لأخرى، ولاسيما نقل الأموال إلى المناطق التي تنتشر فيها خلايا تتبع للمجموعات المسلحة وتعمل في الخفاء (الخلايا النائمة)، وأيضاً للحملات الدعوية.

آثار نفسية عميقة 

تم تجنيد أكثر من 5700 طفل في القتال في الفترة ما بين عامي 2011 و 2020، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 7 سنوات، تشمل مختلف أطراف النزاع في سوريا. وفقاً ما أكدته بيانات منظمة اليونيسف الدولية. كما تحققت الأمم المتحدة أيضاً في تقريرها تحت عنوان “الأطفال والنزاع المسلح” الذي يغطي عام 2021، من عمليات تجنيد طالت 1296 طفلاً، من بينهم 1258 فتى و38 فتاة، واستخدم هؤلاء الأطفال بمعظمهم، 1285 طفلاً في القتال مع مختلف أطراف النزاع.

فيما خلفت الحرب في محافظة درعا آثاراً نفسيةً عميقةً لدى العديد من الأطفال، وزادت من خطر الانتحار وأمراض الاكتئاب وإدمان التدخين وتعاطي المخدرات، كما هو الحال الآن في المحافظة، حيث وثقت درعا 24 حالة انتحار لطفلة العام الماضي وحالة انتحار لطفل هذا العام، في حين وثقت سبع حالات انتحار في مختلف مدن وبلدات المحافظة خلال العام 2022، وسُجلت حالتا انتحار منذ بداية العام وحتى لحظة إعداد هذا التقرير.

(م. خ) مرشدة نفسيّة قالت في حديثها لمراسل درعا 24 بإنّ الأطفال من الذكور والإناث الذين جُندوا أثناء الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر، أصبحوا اليوم بالغين/ات وشبان/ات، وبأن هذه الفئة تواجه صعوبة في الاندماج بالمجتمع، وعجز عن بناء روابط عاطفية مع الآخرين، بالإضافة إلى الاضطرابات السلوكية وردود الفعل العدائية، وأيضاً عدم أو صعوبة قبولهم بالمجتمع بسبب ماضيهم، وتضيف بإنّ غياب دور الأسرة ومنظمات المجتمع المدني، وغياب مراكز الدعم النفسي لهذه الحالات، فاقم المشكلة.

من ضحايا تجنيد الأطفال

(أحمد محمد، 23 عاماً) وهو اسم مستعار لمقاتل في إحدى المجموعات القتالية سابقاً، في ريف درعا الشرقي، يتحدث عن انضمامه للقتال في إحدى المجموعات العسكرية قبل عام 2018 : «سمعت عن إحدى الفصائل المقاتلة في منطقتنا، وذهبت إلى مقرهم من أجل الانضمام، كان أهلي يعارضون ذلك بشكل قاطع، وخاصة والدتي كانت خائفة جداً، وكان عمري وقتها 17 سنة، ولكن أحد أعمامي كان موافقاً، وشجعني على الانضمام، وكان يُقاتل مع ذات المجموعة».

أضاف: «كان هناك أسباب مادية للالتحاق بالقتال طبعاً، حيث لم يكن هناك عمل (كنا قاعدين لا شغلة ولا عملة)، ولأنه كان يتوجب علينا أيضاً أن ندافع عن أنفسنا وعن أهلنا».

(أبو محمد، 50 عاماً) من ريف درعا الغربي، وأحد أبنائه كان قد انضم لإحدى المجموعات القتالية بين عامي 2014 ،2015 وذلك لتأثره بالحملات الدعوية القائمة على “غسيل الأدمغة” في ذلك الوقت وتأثره بأصدقائه الذين كانوا قد انضموا بالفعل لإحدى المجموعات المتطرفة. يوضح: «كانوا يعطوهم 200 دولار شهرياً، وحاولنا جاهدين إقناعه بالتخلي عن الانضمام لتلك المجموعة، لكن ذلك لم ينفع، ومع مرور الوقت أصبح ابني غريباً عنّا (معاد قدرنا نمون عليه وصار يمارس الأفكار المتطرفة على أخواته في العائلة وعلينا)». 

ويتابع: «يعيش ابني اليوم حالة اكتئاب وقلق ويأس من المستقبل، وتنتابه حالات غضب سريع، وهو منعزل كلياً عن المجتمع المحلي».

أين سوريا من التقارير والقوانين الأممية؟ 

أصدر الرئيس السوري بشار الأسد القانون رقم 11 للعام 2013، المتضمن إضافة مادة جديدة على قانون العقوبات بشأن إشراك الأطفال في الأعمال القتالية. وتقضي المادة بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة من 10 إلى 20 سنة والغرامة من مليون إلى 3 ملايين ليرة سورية (من 19962 إلى 29889 دولاراً) آنذاك، على كل من جند طفلًا دون سن الثامنة عشرة بقصد إشراكه في عمليات قتالية أو غيرها من الأعمال المتصلة بها، وذكرت صحيفة «الثورة» التابعة للحكومة السورية في ذاك الوقت ، أن القانون الجديد يتشدد «بالعقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة إذا نجم عن الفعل إحداث عاهة دائمة بالطفل أو الاعتداء الجنسي عليه أو إعطائه مواد مخدرة أو أي من المؤثرات العقلية فيما تكون العقوبة الإعدام إذا أدى الجرم إلى وفاة الطفل».

كذلك كانت صادقت سوريا على اتفاقية حقوق الطفل عام 1993، كما صادقت على البروتوكولين الاختياريين الملحقين باتفاقية حقوق الطفل، وفق ما جاء في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة الذي قدمه إلى مجلس الأمن الدولي في حزيران 2022 “حول الأطفال والنزاع المسلح” عن عام 2021، حيث أكد أن سوريا أسوأ بلد في العالم من حيث تجنيد واستخدام الأطفال. وأشار التقرير إلى أن جميع أطراف النزاع انتهكت حقوق الطفل.

وقد سلَّط التقرير الضوء على الاتجاهات السائدة فيما يتعلق بأثر النزاع المسلح على الأطفال، وتضمَّن الانتهاكات المرتكبة من قبل أطراف النزاع من قوات حكومية وجماعات مسلحة أخرى تابعة للحكومة، أو مناهضة لها، بحقِّ الأطفال في عدة دول من بينها سوريا في عام 2021. كما يُحدد التقرير المسؤولين عن الانتهاكات. وتشمل الانتهاكات التي يوثقها التقرير: تجنيد الأطفال واستخدامهم، القتل والتشويه، اغتصاب الأطفال وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي ضدهم، الاعتداء على المدارس والمشافي، واختطاف الأطفال.

إقرأ أيضاً: عمالة الاطفال، الاسباب والاثار

وفي ذات السياق، أكد تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في اليوم العالمي للطفل الذي صدر في 20/11/2022، أنَّه على الرغم من ترسانة القوانين الدولية التي تُعنى بحقوق الطفل وتهدف إلى حمايتها في جميع الأوقات، إلا أّنَّ الانتهاكات بحق الأطفال في سوريا لم تتوقف منذ قرابة أحد عشر عاماً، ولم تحترم أيٌّ من أطراف النزاع تلك القوانين، بمن فيهم النظام السوري الذي صادق على اتفاقية حقوق الطفل، لكنها لم تردعه عن ارتكاب انتهاكات بحق الأطفال يرقى بعضها إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية عبر القتل خارج نطاق القانون، الإخفاء القسري، التعذيب، وجرائم حرب عبر عمليات التجنيد الإجباري، وأضافَ التقرير أنَّ كثيراً من الانتهاكات التي مارستها بقية أطراف النزاع بحق الأطفال قد تشكل جرائم حرب إن ارتكبت على خلفية النزاع، وانتهاكات واسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان إذا تم ارتكابها بحق الأطفال الخاضعين لهذه القوات.

red hand day poster 320x202 1
تجنيد الأطفال: أطفال الأمس، شباب اليوم 5

ويبقى للحرب تبعاتها ومخلفاتها النفسية غير المرئية في المجتمع، ويبقى شباب اليوم الذين تم تجنيدهم وهم أطفال خلال السنوات السابقة يعانون من صدمات نفسية متعددة، في ظل غياب الوعي المجتمعي بحالاتهم، وغياب اهتمام السلطات والجهات المسؤولة، فضلاً عن غياب عمل المنظمات الحكومية في هذا الجانب.

الرابط: https://daraa24.org/?p=30452


إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًاً من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدّم/قدّمي شكوى

Similar Posts