بروشور 2 للتوعية حول المخدرات

المخدرات في الجنوب السوري: إجراءات محلية للمكافحة غير كافية وأدوار غائبة

“أصعب شيء يمكن أن يصادفك بحياتك أن ترى ابنك غارقًا في الإدمان ولا تستطيع مساعدته”، هكذا وصف والد أحد المدمنين على المخدرات تجربته المريرة، وهو يشاهد ابنه يعاني مرارة الموت كل يوم أمامه دون أن يتمكن من علاجه أو حتى تقديم المساعدة له، بسبب غياب أي إجراءات أو مراكز يلجأ إليها.

يوضح هذا الأب في حديثه مع شبكة درعا 24 أنه اكتشف إدمان ابنه على المخدرات بعد أكثر من عام ونصف من بدء تعاطيه. وعند مراجعة واستشارة أحد الأطباء، قال له إن ابنه يحتاج علاجًا متكاملًا خلال فترة زمنية تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة تقريبًا. نصح الطبيب بعدم العلاج في المنزل، لأن الشاب يحتاج خلال هذه المدة إلى رعاية ومتابعة دقيقة من قبل طبيب نفسي وأخصائي في علاج الإدمان، والمنزل لا يمكن أن يوفر له هذه الرقابة المطلوبة.

تنتشر المخدرات في الجنوب السوري بشكل متصاعد منذ عام 2018، بينما تغيب مراكز التوعية أو علاج الإدمان، ويقتصر دور الحكومة على الحديث إعلاميًا حول استهداف سوريا بالمخدرات في الوقت الذي تتجه فيه أصابع الاتهام إليها لضلوعها في التصنيع والتجارة. أما دور المنظمات غير الحكومية فهو غائب منذ اتفاقية التسوية، وأما الفصائل المحلية الموجودة فالإجراءات التي تقوم بها غير مناسبة وغير فعالة، حيث تقتل في بعض الأحيان المدنيين أو تطلق النار عليهم لإصابتهم إصابات غير قاتلة بدلًا من البحث عن علاج لهم.

مركزان فقط لعلاج الإدمان في سوريا

يقول أحد أخصائيّ الطبّ النفسيّ وعلاج الإدمان من أبناء محافظة درعا في حديثه مع مراسل درعا 24: “بالرغم من تفاقم أزمة المخدرات في سوريا، فإن المراكز المتخصصة بمعالجة الإدمان تقتصر على مركزين فقط، هما مشفى ابن رشد وقسم آخر موجود في مشفى ابن خلدون في حلب. وفي ظل الظروف الحالية يصعب على أبناء المحافظات الأخرى الوصول إلى هذين المركزين”.

مستدركًا: “توجد أيضًا مراكز حجر موزعة في جميع المحافظات، إلا أن هذه المراكز تعاني من الإهمال ونقص الكوادر وضعف الإمكانيات”.

كشف مدير مشفى ابن رشد للأمراض النفسية في دمشق العام الماضي، غاندي فرح، في تصريح لجريدة البعث الرسمية، عن ازدياد حالات الإدمان بين المراهقين، حيث يراجع الأهالي المشفى للاستفسار عن بعض الأمور التي باتوا يلاحظونها على أبنائهم. وأضاف أن هناك أعدادًا كبيرة تراجع العيادات الخارجية في المشفى، وتتراوح بين 30 إلى 100 مريض يوميًا، مما يوضح مدى تفاقم الظاهرة.

وأوضح فرح أن الضغط كبير على الأطباء، خاصة مع وجود طبيبين نفسيين فقط لمعاينة أكثر من 100 مراجع يوميًا. ويكون تركيز الأطباء في القبول أكثر على المرضى النفسيين، لأنهم الأهم والأولوية للحالات الخطرة بينهم.

تحدثت مراسلة درعا 24 إلى الطبيب أحمد (ك) من الريف الشرقي من درعا، الذي أكد أن “إدمان المخدرات يُعد مرضًا مزمنًا يؤثر على دماغ المريض وسلوكه ونمط حياته. وعدم توفر مراكز لعلاج وتأهيل المدمنين في محافظة درعا يعد سببًا رئيسيًا في مضاعفة معاناة المرضى ويشكل حاجزًا منيعًا أمام علاج الكثير منهم. ويصعّب عملية التعافي نتيجة عدم الحصول على الرعاية الصحية والنفسية اللازمة والضرورية لهم قبل أن يصل المرضى إلى مراحل لا يقدرون فيها على الاستغناء عن التعاطي”.

دور الحكومة: تبريرات واتهامات للموقع الجغرافي

تُعد وزارة الداخلية في أي دولة هي المسؤولة الأولى عن مكافحة المخدرات والاتجار بها، وبينما سوريا غارقة في المخدرات، خرج وزير داخليتها محمد رحمون في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات بتصريحات يقول فيها إن سوريا تشارك المجتمع الدولي في هذا اليوم لتؤكد على “التزامها الفعال في مواجهة هذه الآفة الخطيرة والمدمرة”.

ثم أضاف الوزير أن سوريا كانت وما زالت تلعب دورًا مهمًا في دعم جهود المجتمع الدولي لمكافحة ظاهرة المخدرات، حيث شاركت في كل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالاتجار غير المشروع بالمخدرات، إضافة إلى مشاركتها في مختلف الفعاليات الدولية التي تعنى بمكافحة المخدرات.

أما مدير إدارة مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية السورية فألقى باللوم على الموقع الجغرافي، حيث اعتبر أن سبب ازدياد عدد الأشخاص المتورطين بجرائم المخدرات والكميات المضبوطة منها خلال السنوات الأخيرة يعود إلى الموقع الجغرافي لسوريا وتوسطها القارات، ما جعلها بلد عبور بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للمخدرات. كما أرجع الانتشار أيضًا إلى الظروف السياسية والأمنية المعقدة في المنطقة، واستغلال الحدود لتنفيذ الغايات الإجرامية، واستخدام المخدرات كإحدى أدوات الإرهاب الموجه الذي تتعرض له سوريا.

إقرأ أيضاً: ارتفاع عدد القتلى المُتهمين بتجارة المخدرات في درعا مؤخراً

الفصائل المحلية: “دون كفاءة أو مهنية”

رصدت درعا 24 أكثر من حادثة استهداف بالرصاص لأشخاص يُقال إنهم يعملون بتجارة المخدرات، ثم يتضح لاحقًا أنهم متعاطون وليسوا مروجين. آخر تلك الحوادث كان في 16 آب / أغسطس 2024، حيث احتجزت مجموعة محلية شابين من مدينة داعل وسط درعا، وبعد يوم واحد تركتهما في محيط مدينة طفس غربي درعا، بعد إطلاق النار على ساق كل منهما. تم نقلهما إلى مشفى طفس، وبعد لحظات، بُثّ شريط مصور يعترف فيه الشابان بتعاطيهما المخدرات وليس بالاتجار بها.

تحدث أحمد الخطيب (اسم مستعار لناشط حقوقي من أبناء محافظة درعا) لمراسل درعا 24 حول دور اللواء الثامن واللجان المركزية في مكافحة المخدرات: “يقتصر دورهما على عمليات مداهمة وملاحقة لأشخاص ذوي صلة بمشكلة المخدرات. وفي كثير من الأحيان يتم اعتقال ومعاقبة المدمنين بدلًا من تقديم الرعاية الصحية لهم”.

إقرأ أيضاً: المخدرات في الجنوب السوري (1/ 3): أزمة تستفحل وتؤثر على شتى مناحي الحياة

اجتماع محلي غربي درعا للمواجهة

جرى اجتماع في بلدة سحم الجولان في الريف الغربي من محافظة درعا، يوم الخميس 19 أيلول 2024، ضم وجهاء من المنطقة وقادة محليين من اللجنة المركزية، وحسب ما أفاد به أحد الحضور لمراسل درعا 24 فإن الاجتماع لمواجهة مروجيّ المخدرات، ورفع الغطاء العشائري عن هؤلاء التجّار والمجرمين بشكلٍ عام. فيما غلب على الاجتماع الطابع الخطابي، حيث ألقى قادة محليين ومشايخ ووجهاء وأطباء كلمات متفرقة، تكلمت عن خطر المخدرات على المجتمع والفرد، والطرق اللازمة لمواجهتها.

غياب المنظمات للتصدي للمخدرات

قال الأستاذ قاسم، وهو ناشط إنساني ومدير سابق لمنظمة غير حكومية عملت سابقًا في الجنوب السوري، لمراسل درعا 24: “بعد اتفاق تسوية الجنوب وإعادة سيطرة النظام على درعا والقنيطرة في صيف 2018، تعرض العمل الإنساني لشلل حقيقي، حيث توقفت معظم المنظمات. وإلى اليوم، يرفض معظم الداعمين تمويل مشاريع إغاثية أو تنموية في الجنوب السوري، ويقتصر النشاط الإنساني على بعض الأنشطة لمنظمات مرتبطة بالسلطة، ولا يُنظر إليها على أنها محايدة وغير منحازة”.

وأضاف قاسم: “في جميع سياقات الأزمات في العالم، تلعب المنظمات الإنسانية غير الحكومية دورًا مهمًا في مواجهة المشاكل التي تنتجها الأزمة. هناك أمثلة مهمة لدور هذه المنظمات في التصدي لمشكلة المخدرات، ليس فقط في سياقات غير سورية، بل أيضًا في جغرافيات سورية أخرى، كشمال غرب وشمال شرق سوريا، حيث تقوم هذه المنظمات بدور مهم من خلال برامج الحماية المتضمنة جلسات وحملات توعية تستهدف الشباب وطلاب المدارس. بالإضافة إلى إطلاق المبادرات المجتمعية وإدماج المجتمع في جهود مكافحة المخدرات. ويضاف إلى ذلك برامج المنح الصغيرة والتدريب المهني وإدارة الحالة الفعالة في هذا المجال”.

الدور التوعوي مفقود أيضًا

أشارت الأستاذة عُلا، مدرّسة التربية الإسلامية في مدارس الصنمين، إلى دور الشيوخ والوعاظ في التوعية. وقالت لمراسلة درعا 24: “أستغرب عدم تركيز الشيوخ على قضية المخدرات، فهي أهم من الحديث عن الأحداث التاريخية والخلافات الفقهية التي شبعت نقاشًا وبحثًا”.

وأضافت: “أريد أن أقدم عبر درعا 24 نصيحة لإخواني الذين يمارسون العمل الديني أن يركزوا في خطب الجمعة ومجالس العزاء ومناسبات الأفراح والدروس الدينية على مشكلة المخدرات التي استفحلت، بحيث أصبحت الداء العضال الذي ينخر بجسد المجتمع، خاصة الشباب. وأيضًا على مدرسي التربية الدينية أن يعملوا على توعية الطلاب وتحذيرهم من هذه الآفة وآثارها على دينهم وعقلهم وجسدهم ومستقبلهم”.

إدمان المخدرات في الجنوب السوري يمثل تحديًا خطيرًا يتطلب جهودًا مشتركة من مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع. فمن الضروري أن تتكاتف الحكومة المحلية والمنظمات غير الحكومية والفصائل المحلية والأسر، بالإضافة إلى وسائل الإعلام، في مكافحة هذه الآفة من خلال تقديم حلول متكاملة تشمل العلاج، التوعية، وتأهيل المدمنين للعودة إلى المجتمع بشكل صحي وآمن. وبدون استراتيجية شاملة تستهدف جذور المشكلة وتعالجها، ستستمر ظاهرة الإدمان في التفاقم، وستظل عواقبها تؤثر على المجتمع المحلي في الجنوب.

الرابط: https://daraa24.org/?p=43890

موضوعات ذات صلة