المخدرات في درعا

اتسع نطاق تعاطي المخدرات بين الشباب في درعا خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع ما تشهده المنطقة من انهيار أمني واقتصادي، حيث يلجأ الشباب إلى تعاطي المخدرات هرباً من الواقع المرير، والتمزق الاجتماعي، والفقر، والظروف النفسية السيئة، التي يعيشها الشباب بشكل خاص. وقد تحولت محافظة درعا من معبر للمخدرات إلى مستهلك حيث أن تجارة المخدرات وتعاطيها وصلت إلى آفاق غير مسبوقة في درعا.

كشف تقرير لصحيفة الوطن شبه الرسمية في مطلع سبتمبر / أيلول 2022 عن انتشار كبير للمواد المخدرة في المناطق التي تسيطر فيها السلطات السورية، ولا سيما مادتي الحشيش المخدر وحبوب الترامادول، وقد أكد التقرير أن تداول تلك المواد أصبح رائجاً في أوساط اليافعين والفئات العمرية الصغيرة.

أسباب تفشي المخدرات

 تعتبر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتردي الأحوال المعيشية وضعف الرقابة الأمنية دوافع رئيسية، ساهمت بإيصال الشباب إلى تعاطي المخدرات، إضافةً إلى غياب دور الأهل وارتفاع معدل الفقر والبطالة، حيث إن 90 % من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وفق تقارير أممية. وقد كانت نشرت صحيفة البعث المحلية عام 2022 تقريراً تقول فيه إن نسبة البطالة في سوريا ارتفعت من 8% عام 2011 إلى 56 % عام 2013.

 ‏وعن انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في درعا يقول الناشط الاجتماعي محمد خير الله: “تشهد محافظة درعا انتشاراً مخيفاً في تعاطي المخدرات، ويمكن اعتبار فئة الشباب الشريحة الأكثر عرضة للوقوع في هذا الفخ، لأنه يمنحهم بعض النشوة في ظل هذه الظروف القاسية، التي يعيشونها، كما أنه يساعدهم على التخفيف من التوتر والقلق والهرب من سوء الواقع المعيشي”.

 ‏وأكد أن نسبة مدمني المخدرات من الشباب ارتفعت بشكلٍ كبير منذ إعلان النظام في سوريا سيطرتها على محافظة درعا منتصف عام 2018، وأن هذا الأمر لم يكن مصادفة، بل هو عملية مُنظّمة تستهدف الشباب تحديداً، حيث أن انتشار المخدرات بهذه السهولة واليسر يشير إلى أن الهدف من ترويجها ليس الكسب المادي فحسب، بل الهدف هو تدمير طاقة الشباب بشكلٍ مباشر. وفق تعبيره.

 ‏ويرى أن هناك أسباب كثيرة توجه الشباب لتعاطي المخدرات مثل عدم وجود فرص عمل واليأس من الوضع المتدهور والفقر، وختم حديثه بأن انتشار المخدرات بهذه الصورة، بات أمراً مقلقاً، حيث أنها  تشكل خطورة كبيرة على المجتمع وتهدد حاضر ومستقبل الشباب.

إقرأ أيضاً: تجارة المخدرات في الجنوب السوري بين الموقف العربي والدولي والمحلي

 ‏‏مصدر رزق للعاطلين عن العمل

 ‏لقد أصبحت تجارة المخدرات مصدر رزق للكثير من العوائل، التي يعمل شبابها على الترويج والاتجار بها لكسب المال، بسبب تدني المستوى الاقتصادي لهم، حيث أنها تدر أرباحاً كبيرة عليهم في ظل غياب فرص العمل وتدني الأجور.

 ‏وحول هذا الأمر يقول (خ. ع، 37 عاماً، من أبناء الريف الشرقي لمحافظة درعا والذي يعمل في بيع المخدرات ضمن بلدته) : “لم يعد بإمكاني توفير دخل جيد لعائلتي المكونة من خمسة أفراد”. وعند سؤاله عن عمله السابق أجاب بأنه كان عامل باليومية ويعمل طيلة اليوم مقابل مبلغ زهيد يتراوح بين الـ 10 و  الـ 15 الف ليرة سورية، ‏وأضاف أن هذا المبلغ غير كافٍ لتأمين وجبة غداء واحدة لأسرته، وشدد على أن الأجور لا توازي تكاليف المعيشة الباهظة، حتى لو وصل العامل ليله بنهاره عملاً.

 ‏و أكد أنه فقد الأمل من تحسن الأوضاع المعيشية، وهذا ما دفعه للعمل في تجارة المخدرات، بحجة أنه يريد تحسين وضعه المعيشي وتوفير مستلزمات أسرته، لافتاً إلى أن معظم الذين يشترون منه المخدرات هم من فئة الشباب التي يتراوح أعمارها بين 18 والـ 27.

 ‏عجز حكومي ومجتمعي لمواجهة هذه الظاهرة

 ‏على الرغم من استفحال ظاهرة تجارة المخدرات وتعاطيها في درعا، لم تشهد المنطقة أي مساعٍ للحد من الظاهرة ومكافحتها، ولا يوجد أرقام وإحصائيات حقيقية لأعداد المدمنين، وسط غياب أي دور للسلطات الحكومية والمحلية لمعالجة هذه المشكلة، مع عدم وجود مراكز تأهيل للوقاية ومكافحة آفة الإدمان. وقال العديد من أبناء المحافظة من الناشطين ومن الذين عايشوا هذه الظاهرة عن قرب، بإن المخدرات أصبحت تباع بشكلٍ علني، وتنتشر بين فئة الشباب بشكلٍ كبير، حيث تقوم عصابات الإتجار باستغلال الشباب العاطلين عن العمل لغرض الترويج والنقل، وشددوا على أن علاج الإدمان مرهق ومكلف للأسر، ويتطلب تدخلاً وجهداً متكاملاً.

إقرأ أيضاً: المخدرات تصل إلى المدارس في درعا

 ‏وتروي هند السلامات – وهو اسم مستعار لامرأة في الأربعينات من العمر – عن تجربة عائلتها القاسية في علاج أخيها البالغ من العمر 19 عاماً تقول : “بدأ الأمر مع أخي بنصيحة من أحد أصدقائه لتجربة المخدر لمرة واحدة، حيث أنها تمنحه شعوراً بالسعادة، وكانت هذه المرة هي أولى خطواته للإدمان”. وتضيف : “بدأنا بالعلاج منذ قرابة السنة، عندما اكتشف والدي الحالة المزرية التي وصل لها أخي، لقد عشنا جميعاً ظروفاً نفسية قاسية بسبب عدم وجود أي جهة تعنى بمعالجة الإدمان في المنطقة، فأخي كان بحاجة  لمراقبة دائمة ومتابعة، وقد وقع هذا العبء الكبير على والدي، الذي خصص كل وقته لرعايته، وبعد قرابة العام على بدء رحلة العلاج لم يُشفَ تماماً، ولكنه تجاوز الكثير من المراحل الصعبة”.

 ‏لا يبدو غريباً اليوم تعاطي المخدرات أو الاتجار بها بين شباب درعا، في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، التي يعاني منها أهالي المنطقة، وتهاون المسؤولين، والفساد المنتشر، والانفلات الأمني، الذي ساهم بتكثيف ترويج المخدرات في درعا.

الرابط: https://daraa24.org/?p=34354

 ‏إذا كنتم تعتقدون بأن هذا المقال ينتهك المعايير الأخلاقية والمهنية يُرجى تقديم شكوى

Similar Posts