تجارة المخدرات في الجنوب السوري بين الموقف العربي والدولي والمحلي

 تنشط تجارة المخدرات وتزداد يوماً بعد يوم في محافظة درعا وعلى الحدود السورية الأردنية، وذلك منذ سيطرة السلطات السورية على جميع المنافذ الحدودية والمعابر الجنوبية مع الدول المجاورة في عام 2018.

يأتي ذلك في ظل تحذيرات دولية وعربية ومحاولات للقضاء على تجارة المخدرات، إلا إن الأوضاع الأمنية المتردية تزيد من انتشارها، وتُعقد عملية ضبطها، وتجعلها تتضاعف يوماً بعد يوم.

 ‏الموقف الدولي من انتشار المخدرات

 ‏ ‏لم يطلق الموقف الدولي إنذار الخطر فيما يخص قضية المخدرات، إلا في الثلاث سنوات الأخيرة، بعد أن تمكنت المخدرات من المنطقة كاملة، فبدأت التحذيرات من تداعيات المخدرات على سوريا والمنطقة كاملة.

واتهم المجتمع الدولي بشكل واضح السلطات السورية بالضلوع في هذه التجارة وتسهيل انتشارها في هذه المنطقة، كونها تجارة رابحة تعوض من العجز الاقتصادي في سوريا، بعد العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة عليها.

وأفردت صحيفة نيويورك تايمز عام 2021 تقريراً أوضحت فيه بأن مقربين من النظام في سوريا، بالإضافة إلى رجال أعمال هم من يديرون تجارة وتصنيع مادة الكبتاجون في البلاد على أنقاض عشر سنوات من الحرب، وأن قيمة تجارة المخدرات التي تقدر بالمليارات، تفوق قيمة صادرات سوريا، وفقاً لقاعدة بيانات جمعتها الصحيفة.

كذلك فرضت الولايات المتحدة في عام 2022 قانوناً ينصّ على أن تجارة الكبتاجون المرتبطة بالنظام في سوريا، تشكل تهديداً أمنياً عابراً للحدود الوطنية، وعلى الولايات المتحدة، وبالتالي هناك ضرورة لتطوير استراتيجية لتفكيك شبكات إنتاج المخدرات وتهريبها المرتبطة بالنظام.

وطالب وزراء الدفاع والخارجية والخزانة الأمريكية، ومدير إدارة مكافحة المخدرات، ومدير المخابرات الوطنية، بتزويد لجان الكونغرس المهتمة، في موعد لا يتجاوز 180 يوماً، باستراتيجية مكتوبة لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بالنظام في سوريا.

تضمنت هذه الاستراتيجية تعطيل الشبكات التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر البنية التحتية للمخدرات، وتتضمن هذه الاستراتيجية تعطيل الشبكات التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر للبنية التحتية للمخدرات.

فيما فرض الاتحاد الأوروبي خلال العام الجاري 2023، عقوبات طالت 25 شخصية و8 كيانات مقربة من السلطات السورية، لتقييد تجارة المخدرات والترويج لها، والتي تعتبر مصدر دخل أساسي لهم.

إقرأ أيضاً: قاتل بلا سلاح، رحلة المخدرات في الجنوب السوري، من أين تأتي، وإلى أين، ومن يرعاها؟

رصدت درعا 24 حتى أواخر تموز من العام الجاري، مقتل ما لا يقل عن 32 شخصاً يتهمون بالعمل في تجارة وترويج المخدرات، وإصابة ما لا يقل عن 25 أخرين، غالبيتهم في المنطقة الغربية من محافظة درعا.

عقوبات على قياديين من الجنوب

فرضت كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين عن تجارة الكبتاجون في سوريا في شهر مارس / آذار الماضي، وكان من بين الشخصيات قياديين محليين اثنين من محافظة درعا، وثالث من محافظة السويداء، جميعهم يعملون لصالح جهاز الأمن العسكري.

وكان القيادي المحلي الأول الذي فرضت عليه العقوبات هو “عماد أبو زريق”، وقالت بأنه زعيم ميليشيا في جنوب سوريا لها صلة بتهريب المخدرات، وبعمليات اغتيال واختطاف معارضين سياسيين. ومن المعروف أن “أبو زريق” ينحدر من بلدة نصيب شرقي درعا، وكان قيادياً سابقاً في فصيل محلي كان يسمي “جيش اليرموك”، وكان في الأردن عند تطبيق اتفاقية التسوية والمصالحة في منتصف العام 2018، ثم عاد بعد ذلك بأشهر، باتفاق مع ضباط في جهاز الأمن العسكري، وبدأ يعمل لصالحه برفقة قادة وعناصر محليين.

وأما القيادي الثاني “مصطفى المسالمة، المُلقب بـ الكسم”، وهو قائد ميليشيا في جنوب سوريا ضالعة في إنتاج المخدرات، وهو ضالع في اغتيال معارضين للنظام السوري، وفقاً لنص قانون العقوبات. ومن المعروف بأن “المسالمة” كان يقود مجموعة محلية قبل أن ينضم بعد اتفاقية التسوية والمصالحة التي تمت في العام 2018، وانضم بعدها إلى جهاز الأمن العسكري.

 وأما الثالث فكان من محافظة السويداء وهو المدعو “راجي فلحوط”، الذي كان قائداً لميليشيا في السويداء، تتبع للأمن العسكري، وكان يستغل مقر الميليشيا التي يقودها لتيسير إنتاج الكبتاجون.

إقرأ أيضاً: المخدرات في درعا، عملية مُنظّمة تستهدف الشباب تحديداً

الموقف العربي من ازدياد تجارة المخدرات

تصدر بيانات بين الحين والآخر عن القوات المسلحة الأردنية، تفيد بقيامها بعمليات إحباط تهريب الكبتاجون من سوريا إلى الأردن، بالإضافة إسقاط الأردن ثلاث طائرات مسيرة خلال شهر واحد فقط، كانت محملة بأسلحة ومواد مخدرة.

وقال وزير الخارجية الأردني في تصريحاته الأخيرة لشبكة CNN: “من الضروري إنهاء الأزمة السورية لأننا عانينا من عواقبها، كما عانى الشعب السوري، ولا يمكننا التعايش مع الوضع الراهن بعد الآن، ونحن لا نأخذ تهديدات تهريب المخدرات باستخفاف، وإذا كنا لا نرى تدابير فعالة لكبح جماح هذا التهديد، سنفعل كل ما يلزم لمواجهته بما في ذلك القيام بعملية عسكرية داخل سوريا للقضاء على هذا التهديد الخطير. 

 وضمن مساعي الأردن لكبح تهريب المخدرات على حدودها، نظمت اجتماعاً ضم رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة من الجانب الأردني ووزير الدّفاع ومدير المخابرات العامة من الجانب السوري.

 ‏إقرأ أيضاً: وزير الخارجية الأردني: وجود المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري خطر على أمن الأردن

 ‏وعقدت اللجنة الأردنية السورية المشتركة اجتماعها الأول، للتعاون في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى الأردن، وبحث الاجتماع التعاون في مواجهة خطر المخدرات ومصادر إنتاجه وتهريبه، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات التهريب عبر الحدود إلى الأردن، ومواجهة هذا الخطر المتصاعد على المنطقة بأكملها، بحسب بيان أصدرته وزارة الخارجية الأردنية.

 ‏كما جرى ‏اجتماع آخر، شارك فيه وزراء خارجية السعودية وسوريا والعراق ومصر في العاصمة الأردنية عمان، وتم على هامشه لقاء بين وزيري الخارجية السوري فيصل المقداد والأردني أيمن الصفدي، وبحث الصفدي مع المقداد الجهود المبذولة لإطلاق دور عربي قيادي، للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، بناءً على المبادرة الأردنية والطروحات العربية الأخرى، كذلك بحث الوزيران العديد من القضايا الثنائية كأمن الحدود ومكافحة تهريب المخدرات واللاجئين.

تأتي هذه الاجتماعات لزيادة التقارب بين الدول العربية وسوريا، الذي بدأ في أواخر شهر آذار من العام الحالي، بالتزامن مع تحذيرات عربية مستمرة من تجارة المخدرات، التي مصدرها سوريا، وأثرت على المنطقة بشكل كبير وبشكل خاص على الأردن ودول الخليج العربي.

تجارة المخدرات إلى السعودية ودول الخليج
تجارة المخدرات تصل إلى السعودية ودول الخليج بطرق مختلفة

إقرأ أيضاً: المخدرات تصل إلى المدارس في درعا

دور منظمات المجتمع المدني

‏في ظل ضعف الموقفان الدولي والعربي، لحل هذه القضية، فإن هناك مسؤولية تقع على عاتق المنظمات غير الحكومية والدولية، التي غابت أيضاً عما يحدث على أرض الواقع، من تعاطي وتهريب المخدرات، وانتشارها بشكل كبير بين الشباب وطلاب المدارس وغيرهم من فئات المجتمع. حيث توقفت المنظمات عن العمل بعد فرض السلطات سيطرتها على المنطقة في العام 2018.

 ‏فيما تكاد تغيب عمليات التوعية من خلال المنظمات غير الحكومية، والجلسات التثقيفية والتوعوية في المدارس شبه معدومة، وكذلك لا يتم نشر ملصقات توعية عن المخدرات وأخطارها أو أشياء مشابهة. في وقت تقل فيه فرض العمل للشباب، والوضع الأمني والمعيشي غاية في السوء، ومراكز تقديم الدعم العلاجي والنفسي للمدمنين قليلة جداً، ولا تقوم بعملها بشكل كافٍ.

استهداف تجار المخدرات

رصدت درعا 24 حتى أواخر تموز من العام الجاري، مقتل ما لا يقل عن 32 شخصاً يتهمون بالعمل في تجارة وترويج المخدرات، وإصابة ما لا يقل عن 25 أخرين، غالبيتهم في المنطقة الغربية من محافظة درعا.

وكشفت مصادر من الفصائل المحلية لمراسل درعا 24 بأن اللجان المركزية (وهي لجان محلية تشكلت بعد اتفاقية التسوية والمصالحة التي تمت في العام 2018، وتضم وجهاء وقادة فصائل محلية، أبرزهم القيادي “محمود البردان، أبو مرشد” من مدينة طفس)، لها دور في هذه الاغتيالات، وأن العاملين فيها هم من ينفذون الاغتيالات ضد تجار المخدرات. في حين أكدت ذات المصادر أن هذه العمليات تتم بالتنسيق مع ضباط في الأجهزة الأمنية.

إقرأ أيضاً: خراب الشحم: عصابات تروّج المخدرات بين صفوف الشباب

موقف السلطات في سوريا من ازدياد ترويج وتجارة المخدرات

 ‏في وقت تتوجه فيه كل أصابع الاتهام إلى النظام في سوريا حول تصنيع وتجارة المخدرات، تصدر تصريحات متنوعة على ألسنة وزرائها، وخلال مؤسساتها الإعلامية، وكان منها تصريح وزير الدّاخلية السوري محمد الرحمون، الذي أكد أن سورية تشارك المجتمع الدولي في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، تأكيداً منها على التزامها الفعال في مواجهة هذه الآفة الخطيرة والهدامة، ولما تخلفه من أضرار مختلفة على المجتمع.

 ‏ولفت وزير الداخلية إلى أن سوريا كانت وما زالت تلعب دوراً مهماً في دعم جهود المجتمع الدولي لمكافحة ظاهرة المخدرات، حيث شاركت في كل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالاتجار غير المشروع بالمخدرات، إضافة لمشاركتها في مختلف الفعاليات الدولية التي تعنى بمكافحة ظاهرة المخدرات والاتجار بها.

 ‏وأضاف الرحمون: إن ظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار بها من أخطر المشكلات التي تواجه مجتمعات العالم، في ظل وجود كثير من الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى انتشار جرائم المخدرات، إضافة إلى الطابع الدولي العابر للحدود، وبات الاتجار بها وتعاطيها من أهم المشكلات التي تقلق العالم بأسره، رغم كل الجهود المبذولة في مجال مكافحتها.

يُشار إلى أنه تم خلال الأعوام القليلة الماضية، ضبط العديد من عمليات تهريب شحنات المخدرات، في دول مختلفة، كان أكبرها في السعودية وإيطاليا، وكانت من أكبر شحنات تهريب المخدرات على مستوى العالم، وكشفت تلك الدول أن مصدر هذه الشحنات كانت سوريا.

الرابط: https://daraa24.org/?p=32682


إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًاً من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدّم/قدّمي شكوى

Similar Posts