خالد المحاميد في مقابلة خاصة مع شبكة درعا 24

أتمنى أن يكون أبناء حوران على قلب واحد وأن يطووا صفحة الماضي وينظروا للمستقبل. هذا مطلب وطني وأخلاقي وديني“، يقول الدكتور خالد المحاميد، نائب رئيس هيئة التفاوض السورية السابق في مقابلة خاصّة مع شبكة درعا 24. وهو رجل أعمال يُقيم في الإمارات العربية المتحدة، وينحدر من درعا.

تناولت المقابلة مع الدكتور خالد المحاميد العديد من القضايا التي تخصّ المنطقة وسوريا بشكل عام في ظل المتغيرات الجديدة وكذلك دور الفصائل المحلية في درعا، ولا سيما اللواء الثامن. كما تحدث عن رؤيته لهذا الدور، وشرح بالتفصيل حول ما حصل في العام 2018 في الجنوب السوري قبل وبعد تطبيق اتفاقية التسوية والمصالحة. وكذلك تطرق إلى مسألة إعادة بناء البنية التحتية وتحسين القطاعات الصحية والتعليمية في المحافظة، ودور المغتربين ورجال الأعمال من أبناء حوران في دعم التنمية الاقتصادية، وإلى العديد من المواضيع الأخرى.

ما هو تصورك لمستقبل الجنوب السوري في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية؟ وهل تعتقد أن هناك فرصة حقيقية لتحقيق استقرار دائم في درعا؟ وما الذي يتطلبه ذلك على المستويين السياسي والاجتماعي؟

موضوع الاستقرار اليوم هو سؤال وطني لا يقتصر على محافظتي درعا والسويداء، أو ما يُعرف بالجنوب. ففي السويداء، شهدنا عاماً ونصف العام من الاحتجاجات السلمية التي نجحت في إبعاد عناصر النظام التنفيذية والأمنية. أي مشكلة أمنية تواجهها المحافظة اليوم تأتي من الخارج، سواء من حكومة تسيير الأعمال أو غيرها.

أما في درعا، فإن التركيز المبالغ فيه على المحافظة والهجوم المنظم من أطراف مشبوهة يثير الاستغراب. تتناقل الأطراف هذه الأكاذيب، مثل ادعاءات سرقة وثائق أجهزة الأمن أو سيارات الدبلوماسيين، أو حتى اتهام أهالي درعا بالسعي للاستقلال عن سوريا. هذه الادعاءات لا تهدف إلا إلى تشويه سمعة المحافظة وأهلها. هل هذا التركيز لأن درعا كانت في طليعة المحافظات التي قاومت الإرهاب وطهرت نفسها من داعش وغيره؟ أم لأن هناك من يريد السيطرة على المحافظة بنفس أسلوب النظام الدموي الذي قامت الثورة ضده؟

درعا والسويداء وغيرهما من المحافظات أعلنت الثورة من أجل القضاء على الفساد ومحاربة الاستبداد بكل أشكاله، ومن أجل الحرية والعدالة والكرامة. كل من يتهم هذه المحافظات بتهم باطلة إنما يحارب هذه القيم التي تجسدها ثورة الجنوب.

نحن أول من يطالب بالاستقرار ويسعى إليه، ولكننا لا نريد استقراراً مستنقعياً كالذي عانى منه الشعب السوري لنصف قرن. الاستقرار الحقيقي يجب أن يقوم على الحرية والعدالة والكرامة، وإلا سيكون مجرد طغيان وظلم ومذلة. هل نسيتم شعار شباب درعا: “الموت ولا المذلة”؟

كأهالي ومواطنين، يجب أن ننظم أنفسنا لمواجهة التحديات الراهنة. أولاً، يجب العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الناس، وتعزيز القطاع الصحي في المحافظة. العديد من الأطباء من اللجنة الطبية السورية، التي تأسست عام 2011 في درعا، عادوا من منفاهم القسري لدراسة الاحتياجات الطبية والدوائية وتأمينها من أوروبا. كما يعملون على بناء مركز إعادة تأهيل ضحايا التعذيب والعنف، بدعم من الاتحاد الأوروبي.

كذلك، يجب على المواطنين حماية قطاع التعليم وإعادة بناء المدارس التي لم يتم ترميمها بعد. يجب تنظيم توزيع المواد الغذائية والمساعدات عبر اللجان المحلية، ورفض أي تعيينات خارجية مؤدلجة في النقابات المهنية. وأن يعمل أبناء المحافظة في الخارج على جمع التبرعات لتغطية احتياجات الموظفين في القطاعات الخدمية.

إذا انتظرنا قرارات حكومة الأمر الواقع، فلن نحصل على أمور ملموسة، شعبنا بتقاليده وإيمانه، ليس بحاجة إلى دروس من أحد. علينا أن نتحرك ونبادر في كل القضايا غير السيادية، مثل إدارة الشؤون المحلية

أنا مع اللامركزية الإدارية، حيث يُترك لأهل كل محافظة انتخاب مجالسهم المحلية ومحافظيهم، وألا يتم تعيين المحافظ من قبل الحكومة لأنها ستعين الشخص الذي يُناسبها.

 بينما تبقى كل الأمور السيادية كإعلان الحرب والسلم وحماية الحدود … من صلاحيات الحكومة المركزية. هذا النهج يعزز المشاركة الشعبية ويفتح آفاقًا جديدة للتنمية المحلية، دون المساس بسيادة الدولة.

ما هي رؤيتك لدور الفصائل المحلية، إن استمر وجودها، في المستقبل السياسي لسوريا؟ وكيف يمكن أن تساهم في تعزيز الاستقرار أو تعرقل تحقيقه؟ 

الفصائل المحلية هي نتاج 13 سنة من النزاعات المسلحة، حيث أجبرت الظروف الناس على حمل السلاح للدفاع عن أعراضهم وخيراتهم وحقوقهم. لولا هذه الفصائل المحلية، لاستباح الغرباء من تنظيمات مثل النصرة وداعش، بالإضافة إلى مليشيات النظام الطائفية وعناصر أجهزة الأمن، كل شيء واستباحوا الأخضر واليابس.

من الذي منع النصرة من التوجه إلى جبل العرب؟ ومن الذي حرر حوض اليرموك من الدواعش؟ كانت الفصائل المحلية هي الدرع الذي حمى هذه المناطق من التمدد الإرهابي. اليوم، بقي شكل منظم واحد يُعرف باسم اللواء الثامن، الذي يتبنى أفكاراً كبيرة حول بناء جيش وطني غير مؤدلج. هناك جهود جادة لتحقيق هذا الهدف، حيث يُعتبر الجيش الوطني المكان الطبيعي لمن يختار الحياة العسكرية، بينما يُترك الخيار الشخصي لمن يرغب في العودة إلى عمله أو أرضه.

هناك من يقف ضد اللواء الثامن والفصائل المحلية، وهناك أيضاً من يساندهم. أنا لا أخفي تعاطفي ودعمي لها، وأعلم أن الكثيرين يشاركونني هذا الرأي. هذه الفصائل كانت وما زالت تمثل خط الدفاع الأول عن المجتمع ضد التطرف والفساد.

كيف تنظر للإدارة السورية الجديدة وقرارات حكومة تصريف الأعمال الحالية؟ هل تعتقد أنها تتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة وتلاقي رضا الشارع السوري، خصوصاً في الجنوب؟

مع كل الاحترام للقيادة الجديدة، إلا أنها منذ الشهر الأول قامت بمصادرة ثلاث مسائل سيادية لا يحق لحكومة تصريف الأعمال التصرف بها:

أولاً: تغيير المناهج الدراسية والتدخل في الحياة الشخصية للمواطنين والمواطنات.
هذا التدخل يُعتبر انتهاكاً لخصوصية الأفراد وحرياتهم، ويُظهر محاولة لفرض رؤية معينة على المجتمع، وهو ما لا يتناسب مع دور حكومة مؤقتة.

ثانياً: الاستفراد ببناء أجهزة أمنية.
بدلاً من العمل على بناء مؤسسات أمنية وطنية شاملة، يتم إنشاء أجهزة أمنية موازية تخدم أجندات ضيقة، مما يقوّض الثقة بين الدولة والمواطنين.

ثالثاً: توزيع الرتب والمناصب القيادية على أساس لونها السياسي حصراً.
تم منح رتب عسكرية قيادية لأفراد غير سوريين أو غير مؤهلين، بل وحتى تم فرض دورة شرعية للانتساب للقوات المسلحة، مما يُظهر محاولة لبناء جيش إيديولوجي ديني وليس جيشاً وطنياً. هذا النهج يستبعد حوالي 30% من السوريين بسبب هويتهم أو معتقداتهم، مما يخلق تمييزاً خطيراً.

هذه التصرفات لا تخلق فقط شروخاً مجتمعية عميقة، بل قد تقود إلى حرب أهلية إذا استمرت. يجب أن تكون المؤسسات العسكرية والأمنية وطنية وشاملة، تعكس تنوع الشعب السوري وتحمي مصالحه، وليس مصالح فئة معينة أو أجندات ضيقة.

ما تعليقك على تصريح قائد اللواء الثامن أحمد العودة الأخير لمدير شبكة درعا 24 حول عدم رغبته في أي دور في المرحلة المقبلة؟ وهل هذا يعكس تغيرًا في استراتيجية اللواء الثامن أو قيادته؟

رأيي حسب معرفتي بأحمد، أنه شخص يكره السلطة والمناصب، وهذا حقه تماماً. لكنني أعرف أيضاً، وبشكل جيد، أن شخصاً مثله، فقد الكثير من الأهل والأصدقاء خلال السنوات الماضية، لن يتقاعس عن النضال من أجل خلاص حقيقي لسوريا.

هذا النضال لا يعني مجرد تغيير في القشرة أو الأسماء، بل يجب أن يكون تغييراً جوهرياً يلامس حقيقة معاناة الشعب السوري ويحقق العدالة والحرية للجميع. أحمد، وغيره ممن عانوا من الخسائر الفادحة، لن يقبلوا بأقل من ذلك.

خالد المحاميد الإعلان عن المقتبلة
خالد المحاميد في مقابلة خاصة مع درعا 24

تواجهون انتقادات بأنكم لعبتم دوراً في تسليم درعا للنظام السوري عام 2018. كيف تردّ على هذه الاتهامات؟ وكيف تصف دورك الشخصي في التسوية التي حدثت؟ وهل تعتقد أنها كانت الخيار الأفضل في ذلك الوقت؟

في عام 2018، كان الجنوب السوري يشهد وضعاً خاصاً تمت تسويته عبر اتفاقية بين الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان معروفاً أن الجنوب يتمتع بخصوصية معينة، حيث كانت الفصائل فيه مدعومة من غرفة عمليات “الموك” التي كان مقرها في الأردن. كانت هذه الفصائل متنوعة وكثيرة، بما في ذلك شباب السنة، وجيش الثورة، وفصائل أخرى في درعا والمنطقة الغربية. في منطقة حوران وحدها، كان هناك حوالي 54 فصيلاً، وهو أمر كان مقلقاً للجميع، إذ لم يتمكن أبناء المنطقة من التوحد تحت فصيل واحد.

بعد عام 2018، جرت اجتماعات بين الأمريكيين والروس لمناقشة وضع الجنوب. أول هذه الاجتماعات عُقد في فيينا، ثم تلاه اجتماع في جنيف. تم الاتفاق على أن الجنوب، بسبب خصوصيته الجغرافية كمنطقة متاخمة لإسرائيل، يجب أن يعود إلى سيطرة النظام السوري. في ذلك الوقت، كانت الفصائل غير راضية عن هذا القرار. وقد شاركت شخصياً في بعض هذه الاجتماعات التي عُقدت في الأردن، حيث طرحنا سؤالاً على الفصائل: “هل أنتم قادرون على المقاومة؟” وكانت الإجابة من البعض: “نحن على استعداد للموت ولا نرضى بالمذلة.” لكننا أوضحنا لهم أن الوضع اختلف، وأن القرار الدولي قد اتُخذ بالفعل.

كان الأمريكيون يعتبرون الجنوب “خطاً أحمراً”، لكن موقفهم تغير خلال 24 ساعة فقط. ولم يجرؤ المسؤول الأمريكي الموجود في الأردن على إعلان هذا التغيير رسمياً، بل أرسل قصاصة ورق طالباً توزيعها على الفصائل، مفادها أن الإدارة الأمريكية لن تتدخل عسكرياً في الجنوب، وأن مصير المنطقة يعود الآن إلى أبنائها والفصائل الموجودة فيها. كما أعلن الجانب الأردني موقفاً مماثلاً، مؤكداً أن هذا الشأن سوري بحت، وأن المملكة لن تتدخل أو تقدم أي دعم عسكري، مع إغلاق الحدود خوفاً من موجة هجرة جديدة.

في ذلك الوقت، كانت الفصائل تواجه خيارين: إما القتال حتى الموت أو قبول التسوية. بدأت المفاوضات أولاً عند معبر نصيب، ثم انتقلت إلى بصرى الشام. وشهدنا نزوحاً جماعياً لأهالي حوران، حيث انتقل حوالي نصف مليون شخص، بما فيهم النساء والأطفال، إلى الحدود الأردنية، بينما توجه بعضهم نحو الحدود الإسرائيلية. لم يكن هناك خياراً آخر غير التهجير، وأعتقد أن الجنوب اتخذ الطريق الصحيح بقرار من الفصائل نفسها، وليس بضغط من أي طرف خارجي.

من تبقى من الثوار والمحافظين على هيكليتهم استمروا في الحفاظ على وجودهم، مما أدى إلى عدم استقرار النظام في الجنوب. وقد شهدنا عدة صدامات عسكرية، خاصة في مدينة درعا والصنمين ومناطق أخرى، حيث أدرك النظام أنه لا يسيطر تماماً على الجنوب بسبب القوة الثورية الموجودة هناك. وهذا ما انعكس في الانتخابات، حيث لم يحصل النظام على أي تأييد من الجنوب، الذي حافظ على طابعه الثوري.

أعتقد أن هذا الأمر كان جيداً، لأن الخيار الوحيد الآخر كان التهجير إلى الشمال أو إلى الأردن لو فُتحت الحدود. ,لو حدث ذلك، لكان معظم أهالي حوران قد تهجروا خارج محافظتهم. في النهاية، أرى أن ما حدث كان أفضل السيناريوهات الممكنة، في ظل الظروف الدولية آنذاك.

كيف تنظر إلى دور رجال الأعمال من أبناء الجنوب السوري في إعادة إعمار المنطقة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؟ وما هو التأثير الذي يمكن أن يحدثوه لتحقيق الاستقرار؟

للجنوب السوري خصوصية كبيرة، فيما يتعلق برجال الأعمال، حيث أن حوالي 30% من رجال الجنوب يعيشون في المغترب، وخاصة في دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت. هؤلاء الأشخاص يمتلكون خبرات واسعة ونفوذاً اقتصادياً، حيث يعمل الكثيرون منهم في مجال الشركات والأعمال. نعوّل على هؤلاء المغتربين أن يعودوا بمهاراتهم وخبراتهم التي اكتسبوها في دول الخليج، والتي تشهد تطوراً كبيراً في مختلف المجالات، ليساهموا في إعادة إعمار الجنوب وتنميته.

يمكن لهؤلاء رجال الأعمال أن يلعبوا دوراً محورياً في إعادة بناء البنية التحتية، خاصة في قطاعي التعليم والصحة، بالإضافة إلى فتح مشاريع زراعية واعدة. حوران، المعروفة بخصوبة أراضيها وثرائها الزراعي، كانت تُعتبر في الماضي “سلة الغذاء” التي كانت تُطعم مملكة روما، كما يُقال: “عندما تمحل حوران، تجوع روما”. اليوم، يمكن أن تعود حوران لتكون سلة الغذاء ليس فقط لسوريا، بل أيضاً للتصدير الخارجي.

للأسف، ما زالت الزراعة في المنطقة تعتمد على الأساليب التقليدية، مما أدى إلى انقطاع الدورة الزراعية وتراجع الإنتاج. لذلك، نحن بحاجة إلى تنمية زراعية حقيقية تعتمد على أساليب متطورة وتكنولوجيا حديثة. يمكن لرجال الأعمال المغتربين الاستثمار في الصناعة الغذائية، حيث أن حوران تنتج العديد من المنتجات الزراعية التي يمكن تحويلها إلى صناعات غذائية نموذجية.

باختصار، نرى في هؤلاء المغتربين طاقة كبيرة يمكن أن تساهم في إعادة إعمار الجنوب وتنميته اقتصادياً واجتماعياً. من خلال استثماراتهم في الزراعة والصناعة الغذائية والتعليم والصحة، يمكن أن يصبح الجنوب نموذجاً للتنمية المستدامة، ويعود ليكون سلة الغذاء ليس فقط لسوريا، بل للعالم أجمع.

إقرأ أيضاً: العقيد نسيم أبو عرة: الجنوب كتلة واحدة خالية من الخلافات، وتم تجاوز هذه المرحلة بسلام

هل لديكم خطط للمشاركة في أي مشاريع سياسية أو اقتصادية لتحسين الوضع في الجنوب السوري، وانت شخصياً هل ستنفذ مشاريع حيوية في محافظة درعا تدعم البنية التحتية للمرافق العامة وغيرها وماهي هذه المشاريع؟

يما يتعلق بالتوجهات السياسية في سوريا، نعلم كسوريين أن العمل السياسي كان ممنوعاً لفترة طويلة، وكان هناك فقراً حقيقيّاً في الحياة السياسية. لم تكن هناك أحزاب سياسية حقيقية باستثناء ما يُعرف بالجبهة الوطنية، التي كانت رديفة لحزب البعث. اليوم، نحن بحاجة ماسة إلى إحياء النشاط السياسي وفتح حوارات وطنية شاملة.

أعتقد أنه يجب على من هم في السلطة حالياً في دمشق، أو الحكومة المؤقتة، أن تبدأ بفتح ندوات ثقافية في جميع محافظات البلاد. لدينا مراكز ثقافية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في هذا الإطار. يجب أن تبدأ هذه المراكز بنشاطات حوارية في كل محافظة وكل مدينة، حيث يتمكن الناس من التعبير عن آرائهم ومشاكلهم وتوجهاتهم ورؤيتهم للمستقبل السوري.

هذه الأفكار والآراء يجب أن تُصاغ ضمن رؤية موحدة، يتم جمعها من جميع المحافظات والفعاليات. بعد ذلك، يمكن توجيه هذه الرؤى والأفكار إلى مؤتمر حوار عام يُعقد على مستوى الوطن، حيث يتم مناقشتها بشكل شامل. هذا المؤتمر يجب أن يعطي الناس الفرصة للتعبير عن رؤيتهم للمستقبل السوري، خاصة فيما يتعلق بالدستور ومبادئه. ما هي رؤيتهم للدستور؟ هل يجب أن يكون دستوراً جمهورياً، برلمانياً، أو مزيجاً بين النظامين كما هو الحال في بعض الدول؟

أعتقد أننا بحاجة إلى هذا النشاط السياسي والحواري لبناء مستقبل سوري يعبر عن تطلعات جميع السوريين. فتح مثل هذه الحوارات سيكون خطوة مهمة نحو بناء نظام سياسي أكثر شمولية وتمثيلاً لجميع فئات المجتمع.

 أما على الصعيد الشخصي، فإني ملتزم بدعم محافظة درعا عبر مشاريع حيوية تعزز البنية التحتية. قمت سابقاً بترميم الجامع العمري وثلاث كنائس ومدارس متضررة، وسأستمر في هذا النهج. حالياً، أخطط لترميم جميع مدارس مدينة درعا المتضررة وتنفيذ مشاريع خدمية أخرى تدعم البنية التحتية وتلبي احتياجات الأهالي. هذه خطوات عملية لمساعدة أهلي في محافظة درعا على بناء مستقبل أفضل.

في ظل الانقسامات السياسية والاجتماعية في سوريا، ما هو تصورك للمصالحة الوطنية؟ وما الذي يمكن فعله لإعادة بناء الثقة بين أبناء الجنوب السوري فيما بينهم  ومع باقي المحافظات؟

أعتقد أن المصالحة الوطنية هي أمر ضروري جداً لبناء مستقبل سوريا، ولكن قبل الوصول إلى المصالحة، يجب أن تكون هناك حكومة انتقالية ودستور جديد ومحاكم مختصة لتحقيق ما يُعرف بالعدالة الانتقالية. العدالة الانتقالية هي شرط أساسي لرد المظالم وجبر الضرر، حيث حدثت مظالم كثيرة وجرائم يجب أن يُحاسب كل من كان له دور فيها.

بالمناسبة، الجرائم لم تقتصر على طرف واحد؛ فقد حدثت جرائم حتى في المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل وفي كل المناطق السورية. لذلك، يجب فتح تحقيقات شاملة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة كل من تورط في هذه الجرائم. نحن نعلم أن هناك تصفيات حصلت ضد ناشطين وغيرهم، وبعضها ما زالت مجهولة. العدالة الانتقالية يجب أن تأخذ مجراها الطبيعي لضمان تحقيق الإنصاف.

كما أرى أنه يجب تشكيل ما يُسمى “وزارة المصالحة”، يكون دورها الأساسي فتح حوار شامل بين جميع مكونات الشعب السوري. السوريون، في الواقع، لديهم تاريخ طويل من التعايش المشترك، وعندما تحضر اجتماعاً ما، ستجد تمثيلاً لكل المكونات، وهذا يدل على أن القبول بين السوريين موجود. السوريون عاشوا معاً لآلاف السنين، وأعتقد أننا لن نصل إلى مرحلة الانقسامات التي حدثت في دول أخرى، مثل العراق، حيث انقسم المجتمع حسب المكونات أو المعتقدات. في سوريا، ستجد في القرية الواحدة خليطاً من جميع الأطياف والمكونات، وهذا يعكس طبيعة المجتمع السوري المتعايش.

لذلك، أؤكد أن المصالحة الوطنية يجب أن تبدأ بخطوات عملية، مثل تشكيل حكومة انتقالية، وإقرار دستور جديد، وإنشاء محاكم لتحقيق العدالة الانتقالية، وتشكيل وزارة للمصالحة لفتح حوار وطني شامل. هذه الخطوات ستساعد في بناء مستقبل سوريا على أساس العدل والإنصاف والتعايش.

ما هي الرسالة التي تود توجيهها لأبناء الجنوب السوري اليوم؟ وكيف ترى المستقبل القريب لسوريا بشكل عام، والجنوب السوري بشكل خاص؟

تحية من القلب إلى أبناء الجنوب، إلى حوران، وإلى كل سوريا. أتمنى من أبناء الجنوب أن يكونوا على قلب رجل واحد، وأن يطووا صفحة الماضي وينظروا إلى المستقبل، مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. هذا ليس فقط مطلباً وطنياً، بل هو أيضاً مطلب أخلاقي وديني، على كل إنسان قادر أن يساهم في هذه المرحلة الحرجة.

أتمنى من أبناء الجنوب أن يشكلوا جسمًا سياسيًا يعبر عن طموحاتهم ورؤيتهم للمستقبل، ويكون له دور حقيقي وفعال، خاصة من قبل الشباب. نحن نعلم أن أبناء الجنوب كانوا دائماً حاضرين بقوة في المشهد الوطني، فمثلاً، كان ثلث طلاب جامعة دمشق في فترات سابقة من أبناء الجنوب. لذلك، نأمل أن يكون لأبناء الجنوب دوراً كبيراً في بناء مستقبل سوريا، وأن ندفع بالشباب إلى الواجهة، لأنهم عماد المستقبل.

كما أن للمرأة في الجنوب دوراً مهماً، يجب أن تُعطى الفرصة لتلعبه على جميع المستويات، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. المرأة هي شريك أساسي في بناء المجتمع، ويجب أن يكون لها حضوراً فاعلاً في صنع القرار.

باختصار، أتمنى أن يتوحد أبناء الجنوب، وأن يعملوا معاً لتشكيل جسم سياسي يعبر عن تطلعاتهم، مع إعطاء الفرصة للشباب والمرأة للمساهمة في بناء مستقبل أفضل. هذا هو الطريق لتحقيق التقدم والاستقرار، ليس فقط للجنوب، بل لكل سوريا.

رابط المقابلة: https://daraa24.org/?p=47609

موضوعات ذات صلة