زواج القاصرات

ازدادت ظاهرة زواج القاصرات في محافظة درعا بعد منتصف عام 2018، وأصبحت أكثر شيوعا من ذي قبل، حيث تلجأ العديد من العائلات لتزويج بناتها في سن صغيرة، هرباً من جحيم هذه الأيام، وسوء الوضع المعيشي الذي أثقل كاهل الجميع.

حسبما ذكر العديد من الأهالي ممن التقتهم مراسلة درعا 24 أثناء إعدادها لهذا التقرير، فإنّ أسباب ازدياد هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة يعود الى سوء الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها عموم البلاد، وانتشار البطالة وازدياد معدل الفقر بشكل كبير بين شريحة واسعة في المجتمع.

ناهيك عن غياب الأب أو المعيل الذي نشهده في أغلب قرى ومدن محافظة درعا، وتحمّل الأم مسؤولية الأسرة كاملة، لتقف موقف العاجز أمام ارتفاع الأسعار الجنوني، مما يجعلها مجبرة على تزويج بناتها في سن صغيرة، كأحد الخيارات المتاحة أمامها، كسبيلٍ للنجاة بمن تبقى من أفراد أسرتها.

“أم محمد” 40 عاماً، وهي أرملة فقدت زوجها خلال سنوات الحرب في سوريا، فكانت الأم والأب لـ 4 أطفال، وقد زوجت ابنتها التي تبلغ من العمر 13 عاماً، لأنها لم تعد قادرة على تأمين متطلباتها المتزايدة، حيث تكاليف المدرسة أصبحت تفوق قدرتها على التحمل، لما تحتاجه من متطلبات، وثمن دروس خصوصية…

  وجدت “أم محمد في تزويج ابنتها طريقاً مختصراً، للهرب من تلك المتطلبات التي لم تعد قادرة على تلبيتها ، فكانت ابنتها “كبش فداء” وفق قولها، من أجل أن يكمل أخوتها الصغار تعليمهم. القاصرات وحدهن من يدفعن ثمن فاتورة هذا الزواج الذي يقضي عليهن ببطء.

إنّ غياب الوعي والجهل أيضًا لدى العديد من الأهالي ساهم بانتشار تلك الظاهرة، على الرغم من حجم الضرر والمشاكل الاجتماعية والصحية والنفسية المترتبة عليها، مما يؤثّر على المجتمع ككل ناهيك عن ازدياد نسبة المطلقات، اللاتي لم يبلغنَ من العمر 20 عاماً، والذي يُعتبر نتيجة حتمية لزواج غير متوازن.

أمّا نور ذات الـ 15 عاماً فقد تزوجت بعدما قُتل والداها جرّاء القصف الذي طال مدينتها في منتصف عام 2018، وبقيت على قيد الحياة مع أخيها الوحيد، الذي يصغرها بعامين. وبعدما أُغلقت كل الطرق بوجهها، وجدت نفسها مجبرة على الزواج، تلبيةً لرغبة عمها الأكبر، فتخلت عن طفولتها لتحظى بلقب “مطلقة” بعد عامين من زواجها، لأسباب لازالت تجهلها – حسبما ذكرت – حتى يومنا هذا.

تحدثت مرشدة اجتماعية إلى مراسلة درعا 24، حول ظاهرة زواج القاصرات، حيث قالت: “لا يمكن أن نتحدث عن ظاهرة زواج القاصرات في القرن الواحد والعشرين، بأنها تعود لأي سبب من أسباب الجهل وقلة الوعي، إلا ما ندر” تضيف، “لقد ازداد انتشار تلك الظاهرة بشكل كبير بعد منتصف عام 2018، بسبب الظروف المعيشية السيئة التي أجبرت الأهالي على إدخال بناتهم عش الزوجية غير أبهين بالنتائج، محاولين رفع العبء الكبير عنهم، كتكاليف الطعام واللباس التي يعجز اليوم رب الاسرة عن تأمينها لأطفاله بشكل لا يخفى على أحد”.

وقد نوهت المرشدة في معرض حديثها، إلى خطورة ازدياد انتشار تلك الظاهرة، واحتمالية انهيار الزواج بسبب الجهل، وعدم القدرة على التكيف، إضافةً الى مواجهة الصعوبة في تربية الأطفال، وذلك لنقص الإلمام الكافي بأساليب التربية، لأنها هي لازالت بحاجة للرعاية والإرشاد، وعدم القدرة على إكمال التعليم، نتيجة زيادة المسؤوليات، مما ينعكس على المجتمع بشكل سلبي.

في ذات السياق، فقد أكد العديد من النشطاء في المحافظة، بأنّ هناك غياب ملحوظ لدور منظمات المجتمع المدني في نشر التوعية المجتمعية، حول أضرار ومخاطر هذا الزواج في بلد مثل سوريا، عانى من ويلات الحرب وتبعياتها منذ عشر سنوات، لذلك لا بد من تسريع الجهود، من قبل المؤثرين الرئيسيين في المجتمع، للقضاء على هذه الظاهرة عن طريق السير في مسارين متوازيين، بأن يكون هناك خطاب، للقاصرات وآخر للآباء والأمهات، من خلال التوعية الميدانية التي تعتبر السبيل الأمثل لتحقيق نتائج إيجابية، ويمكن أن نعتبر بأنّ تمكين المرأة في المجتمع، أحد أهم وسائل محاربة هذه الظاهرة، لذلك أصبح التدخل ضرورة ملحة ومستعجلة للحد من هذه الظاهرة، وإعادة التوازن الطبيعي لمؤسسة الزواج.

“زواج القاصرات، زواج الأطفال الزواج المبكر”، هي مسميات عديدة، لجريمة ترتكب بحق فتيات قبل بلوغهن سن الـ 18 عاماً، وهي ظاهرة اجتماعية في منتهى الخطورة، حيث تخلف آثاراً اقتصادية واجتماعية وإنسانية سلبية على الأسرة والمجتمع على حد سواء، فمثل هذا الزواج يعد اغتصاباً للحق وحرماناً من الطفولة، لأن الفتاة في هذه المرحلة العمرية الصغيرة تحتاج إلى من يرعاها، لا من ترعاه.

الرابط المختصر: https://daraa24.org/?p=14230

Similar Posts