ثكنة الجزيرة العسكرية على أطراف قرية معرية في منطقة حوض اليرموك في الريف الغربي من محافظة درعا
ثكنة الجزيرة العسكرية على أطراف قرية معرية في منطقة حوض اليرموك في الريف الغربي من محافظة درعا

تمضي الأيام ثقيلةً على أهالي قرية معرية الواقعة في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي. هذه المنطقة التي لم تهدأ منذ سنوات، اكتوتْ كباقي الأراضي السورية بنار الحرب على مدار 14 عاماً، وكذلك عانى سكّانها من تنظيم داعش الذي سيطر هناك لسنوات، واليوم تعيش تحت وطأة الخوف ويتزايد اليأس بسبب وجود الاحتلال الإسرائيلي في ثكنة الجزيرة العسكرية، الواقعة على أطراف القرية منذ اليوم الثاني لسقوط النظام وحتى اليوم. وتبعد الثكنة أقل من كيلومتر واحد عن منازل السكان.

تتكرر الشكوى من الأهالي من إطلاق نار عشوائي والانتهاكات الأمنية لحياتهم. يقول أحد أبناء القرية في حديثه لشبكة درعا 24:

ــــــ “كل يوم هناك رصاص عشوائي على الأحياء الغربية من القرية، أحياناً نسمعه فوق البيوت، صوت الرصاص يوقظنا فجراً ويمنعنا من الحركة ليلاً. صارت هذه الحالة متكررة للمرة الثالثة خلال أيام قليلة، دون أي سبب واضح”.

يضيف:

ـــــــ “المشكلة ليس فقط الرصاص، في تحركات مسلحة لإسرائيليين من جهة الثكنة باتجاه أطراف القرية بعد المغرب وفي الليل، وبعدها يبدأ إطلاق النار. وكأن هناك رسالة ترهيب مستمرة. حتى الإنارة داخل الثكنة قوية جداً، الدنيا فيها نهار. والإضاءة تصل لأطراف القرية”.

ضمن ما وثقته درعا 24 سابقاً، للتحركات الإسرائيلية المتمركزة في ثكنة الجزيرة، كان شق طريق من الحدود إلى الثكنة وتركيب أعمدة كهرباء ومدّ أشرطة، وإنشاء بنى تحتية داخل الموقع.

الأطراف الغربية من قرية معرية وتظهر في الخلف ثكنة الجزيرة التي تبعد عن القرية أقل من 1 كم، والتي تتمركز فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
الأطراف الغربية من قرية معرية وتظهر في الخلف ثكنة الجزيرة التي تبعد عن القرية أقل من 1 كم، والتي تتمركز فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي.

الرعب الليلي، وشلل الحياة اليومية

يعيش السكان في قلق دائم، خصوصاً خلال ساعات الليل، حيث تُصبح الحركة شبه معدومة بعد الساعة العاشرة مساءً. لا توجد تعليمات رسمية تمنع الخروج، لكن الخوف وحده كافٍ لمنع الناس من مغادرة بيوتهم. حيث يقول أحد السكان: 

ــــــ “هم في الغالب لا يتحركون بسيارات، بل مشياً على الأقدام، لا يريدون لفت الانتباه. ونحن بدورنا نتجنبهم، خوفاً من أي صدام محتمل”. 

في أحد التوغلات التي باتت مألوفة لسكان قرية معرية، خاصّةً في الليل، دخلت قوة عسكرية إسرائيلية إلى الحي الغربي ليل 22 آذار 2025. كانت الحركة مفاجئة وسريعة للأهالي، وانتشر الجنود بأعداد كبيرة بين الأزقة والبيوت، قبل أن تبدأ عمليات التفتيش.

روى أحد أبناء القرية المشهد كما شاهده وعاشه، في رسالة صوتية عبر تطبيق وتساب:

ــــــ “توغلوا قبل شوي بالحي الغربي، وبلشوا يفتشوا البيوت، قالوا إنهم عم يدوروا على سلاح، هي الحجة الدائمة. عددهم كبير، وكان تعاملهم سيء جداً… دفش، صراخ، وطلبوا من رجال ونسوان، يوقفوا ووجوههم على الحيط”.

وتابع في تسجيل آخر:

ــــــ “أنا سمعت صوت تعاملهم في بيتين من بيوت جيراني… الجو كان متوتر، والناس مرعوبة، ما حدا فاهم شو الهدف الحقيقي من كل هالتحركات”.

الواقع المعيشي: الفقر، وانعدام الزراعة

لا تقف المعاناة عند الجانب الأمني، بل تمتد إلى الأوضاع المعيشية الصعبة أساساً. فالفقر يطغى على غالبية السكّان الذين لديهم الزراعة هي الحرفة الأساسية لكسب معيشتهم، وهي شبه متوقفة بسبب التواجد الإسرائيلي، والنشاطات الاقتصادية محدودة للغاية.

يقول أحد السكان:

ـــــ “الناس يائسة، الحياة صعبة، ما في زراعة، ولا تربية نحل. كنت زارع كوسا، وعندي خلايا نحل بالوادي، اضطريت لنقلها، لكن لا هاي نفعت ولا هاي. حتى مع انهم سمحوا لنا نسحب الخلايا من الوادي، الوضع ظل تعبان. النحل بدو ربيع وافر والسنة المطر كان قليل”.

رصدت الشبكة سابقاً منع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم الزراعية في وادي اليرموك، ومنع الرعاة من التنقل بمواشيهم هناك، فضلاً عن منع الاقتراب من جميع النقاط القريبة من سرية الجزيرة.

سمحت القوات الإسرائيلية فيما بعد للأهالي بسحب معداتهم الزراعية وخلايا النحل من أسفل الوادي بعد سلسلة من المحاولات من السكان لاستعادتها، لأنها كانت متعرّضة للتلف بسبب الإهمال.

حتى أسعار الخضروات في محافظة درعا ارتفعت إلى الضِعف تقريباً، ويُرجع الأهالي ذلك إلى منع الزراعة في وادي اليرموك، حيث كانت خضروات الوادي تُطرح في السوق قبل بدء الموسم الأساسي، وتُساهم في كسر الأسعار. توقف هذا الإنتاج المبكر أثّر بشكل مباشر على وفرة المنتجات وأسعارها.

اقرأ أيضاً: الوجود الإسرائيلي يهدد المواسم الزراعية في حوض اليرموك غربي درعا

حالة سخط ورفض للتواجد الإسرائيلي

عبّر العديد من أهالي قرية معرية في عدة مناسبات عن سخطهم وخوفهم من هذا التواجد الإسرائيلي المستمر، ورفض هم له، ولدى دخولها نهاراً في بداية آذار الماضي، استجوبت القوات الإسرائيلية عدداً من الأهالي، وطرحت عليهم أسئلة حول أوضاعهم المعيشية ومردودهم الشهري، واستفسرت عن موقفهم من الإدارة الجديدة. وقد كانت في ردود السكان كلها تؤكد عىى التأييد لسوريا الجديدة والسلطة الحالية فيها. كما رشق الأطفال الجنود بالحجارة.

يعبّر اليوم العديد من السكان عن شعورهم بأنهم متروكون للمجهول في مواجهة مصيرهم، في ظل غياب أي جهة محلية أو دولية تحميهم من الانتهاكات أو تطمئنهم على ما يمكن أن يحدث قريباً، يناشدون الجهات المسؤولة في البلاد والأمم المتحدة ووسائل الإعلام لحمايتهم ونقل صوتهم ومعاناتهم، لعلّهم يجدون لذلك صدىً.

خوفٌ دائمٌ، وحياةٌ معيشيةٌ منهارةٌ، وواقعٌ أمنيٌّ غامضٌ، يبقى هكذا واقع الحياة في قرية معرية في منطقة حوض اليرموك غربي درعا، والّذي يستدعي تحرّكاً عاجلاً لوضع حدّ لمعاناتهم، ولكن صوتهم يبقى مكتوماً في أروقة الهمّ اليومي، وسط تساؤلات لا تجد جواباً واضحاً: إلى متى سيطل السكان على هذه الحال؟ ومن سيستمع حقاً صوتهم؟

الرابط: https://daraa24.org/?p=49571

موضوعات ذات صلة