عمالة الأطفال في صيانة السيارات في محافظة السويداء جنوبي سوريا
عمالة الأطفال في صيانة السيارات في محافظة السويداء جنوبي سوريا

تنتشر ظاهرة عمالة الاطفال في منطقة جنوبي سوريا وتتوسع يوماً بعد يوم، نتيجة لمجموعة من الأسباب منها الموروث المجتمعي والعادات والتقاليد، إذ يُنظر في هذه المنطقة إلى عمل الطفل على أنه وسيلة، بل وضرورة لبناء شخصيته.

يتحدث أبو قاسم من إحدى قرى القنيطرة عن هذه النظرة بقوله: “إذا ما اندعك الولد بالشغل ما راح يصير رجل”. بينما أم وائل من الريف الغربي من محافظة السويداء فتنظر للأمر من زاوية اخرى تقول: “المصلحة أمان من الفقر والولد الذي لا يعمل في صغره، لن يكون لديه مهنة عندما يكبر”.

يرى كثير من أصحاب المهن أن الابن يجب أن يتعلم مهنة أبيه منذ الصغر، بالمقابل ترفض شريحة من المجتمع هذه الأفكار، حيث تقول السيدة فتحية وهي مرشدة اجتماعية في إحدى مدارس مدينة درعا في حديثها إلى مراسلة درعا 24: “نحتاج إلى تغيير العادات والتقاليد، فيما يخصّ عمالة أطفالنا والتركيز على تعليمهم وتربيتهم والمحافظة على صحتهم الجسدية والنفسية. لا بد أن يعيش أطفالنا طفولتهم وأن يستمتعوا بها”.

أما سالم الخطيب صاحب منجرة خشب في الريف الغربي في محافظة درعا، فيعتقد أنه يمكن أن يتابع الطفل تعليمه ويتعلم مصلحة، يشرح لمراسل درعا 24 تجربته بقوله: “كنت اصطحب ابني معي في العطل إلى الورشة منذ كان عمره 12 سنة، وقد أتقن مصلحة نجارة الخشب قبل دخول الجامعة، وهو الآن مهندس لديه الخبرة العلمية والعملية”.

كذلك إضافةً للعادات والتقاليد فقد لعبت الطروف المعيشية الصعبة والوضع الاقتصادي المتردي، الذي يعيشه السوريون هذه الأيام دوراً كبيراً في بروز ظاهرة عمالة الاطفال وانتشارها، ويسود في المجتمع نظرة تقوم على أن التعليم لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي المتردي. تقول أم أسعد للمراسلة: “لماذا ابعث ابني إلى المدرسة، وجارنا مدرس ويعمل على سيارة أجرة بعد الدوام، وحالته كثير تعبانة”.   

معاناة مستمرة أدت إلى ترك الأطفال للتعليم وتوجههم إلى العمل

يؤكد أحد اساتذة كلية التربية من أبناء الجنوب السوري للمراسل المعاناة المستمرة منذ العام 2011 أدت إلى تدهور قطاع التعليم وازدادت تكاليف المعيشة وارتفعت الأسعار. يوضح: “أدى ذلك إلى انخراط أعداد مخيفة من الأطفال في العمل، والأسوأ من ذلك أن الظروف الحالية ألجأت كثير من الأطفال إلى أشكال من العمالة عالية الخطورة، سواء على سلامتهم الجسدية أو صحتهم النفسية”.

فيما لعبت نتائج الحالة التي يعيشها المواطنون خلال السنوات العشر الأخيرة وتداعياتها دوراً كبيراً في انتشار وتمدد ظاهرة عمالة الأطفال، فغياب معيل الاسرة، قد يكون السبب الأساسي وراء انخراط الأطفال في العمل، إذ تسببت الأحداث في مقتل واعتقال وهجرة أعداد كبيرة جداً من الرجال والذين كان أكثرهم المعيل الوحيد لأسرته.

ويؤكد على كل ذلك معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل السوري محمد نبهان في تصريح لجريدة الوطن شبه الرسمية، أن تفشي ظاهرة عمالة الأطفال يعود إلى الفقر والحاجة وغياب المعيل. مشيراً إلى أن الآثار السلبية الجسدية والنفسية التي تلحق بالأطفال جراء تلك الأعمال.

كما ساهم الغياب شبه التام لتطبيق القوانين والأنظمة التي تمنع تشغيل الأطفال، وتنص على إلزامية التعليم إلى تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال. يؤكد أحد المحامين من مدينة درعا للمراسل بأن جميع الدوريات الخاصة بمراقبة عمالة الأطفال في محافظة درعا متوقفة، وأنه لم يسمع من وقت طويل عن أي دعوى أمام محاكم المحافظة تتعلق بتشغيل الأطفال.

إقرأ أيضاً: عمالة الأطفال: واقع مرير وبيئات غير آمنة

ومن الاسباب غير المباشرة لانتشار ظاهرة عمالة الاطفال في درعا توفر فرص العمل للأطفال، حيث يفضل يعض أرباب العمل تشغيل الأطفال بدلاً من الكبار، وذلك بهدف دفع أجور أقل. 

في لقائه مع مراسل درعا 24 يقول السيد ابو طاهر من مدينة السويداء وهو صاحب منشأة صناعية ترفض تشغيل الأطفال: “من المؤسف ما نشاهده من إقبال أصحاب العمل على جذب الأطفال وتشغيلهم لتوفير فرق الأجرة التي تدفع للكبار… هذا التصرّف من أصحاب العمل غير انساني وغير أخلاقي”. 

أبو سليمان صناعي ونقابي سابق من الريف الشمالي في درعا، تحدث بحزن شديد عن استغلال أصحاب العمل للأطفال قائلاً: “بالإضافة إلى الاستغلال المادي للأطفال وأسرهم والمتمثل بدفع أجور زهيدة للطفل، يتم تشغيل الأطفال لساعات طويلة، وفي ظروف عمل لا تناسبهم، وبيئة العمل غالباً ما تكون غير آمنة، ويتسبب الأمر كذلك في انتشار البطالة وقلة فرص العمل المتاحة لفئة الشباب… ما يحدث هو فعلاً امتهان للطفولة وللمجتمع”.

نتائج كارثية على الأطفال والمجتمع

لعمالة الاطفال نتائج كارثية على الاطفال وبالنتيجة على المجتمع، ومنها حرمان الطفل من حقّه في الوصول إلى التعليم، الأمر الذي يسهم في زيادة الامية في المجتمع، ومن أن يعيش الطفل طفولته إذ غالباً ما يتم تشغيل الأطفال لساعات طويلة، وفي مهن شاقة، فلا يتبقى للطفل وقت أو متسع للدراسة أو اللعب وممارسة هواياته. وهذا ما أكدته طبيبة الأسرة هدى المحمد لمراسلة درعا 24 وأشارت لدور اللعب وممارسة الهوايات، التي يحبها الطفل في بناء شخصيته وتنمية مواهبه وقدراته الذهنية. 

ونظراً إلى أن بيئة العمل غالباً ما تكون غير آمنة للأطفال ولعدم إدراك الأطفال لخطورة الأعمال التي يمارسونها، فقد يتعرض الطفل إلى إصابات العمل وإلى الأمراض المهنية بوتيرة أكثر بكثير من الكبار.

 يؤكد الدكتور محمد من مدينة درعا أنه عالج في الاشهر السابقة العديد من الأطفال الذين أصيبوا أثناء قيامهم بالعمل. وفي إجابته على سؤال مراسلنا عن أكثر الإصابات والأمراض نتيجة ظروف العمل التي يتعرض لها الأطفال، ذكر الجروح والحروق والكسور والالتهابات وخاصة العينية، والتسممات نتيجة استنشاق المبيدات، وإصابات العمود الفقري بسبب حمل أوزان ثقيلة.

إصابة الطفل أيهم الشهاب أثناء عمله في تصليح المولدات

في العاشر من شهر اذار/ مارس الماضي أصيب الطفل أيهم شهاب من بلدة المزيريب في الريف الغربي من درعا بكسر في الجمجمة وحروق في جسمه أثناء عمله في صيانة المولدات الكهربائية.

وكذلك غالباً ما تكون بيئة العمل غير آمنة للطفل الامر الذي يترتب عليه تعرض الأطفال لشتى أنواع الاستغلال الإساءة، ومن ذلك الاستغلال الاقتصادي المتمثل في تدني الأجور التي يتقاضاها الطفل وعدم حصوله على أي تعويض عند إصابته، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى ما هو أخطر إذ كثيراً ما يتعرض الأطفال للضرب والأذى الجسدي من صاحب العمل أو من العمال الأكبر سناً، بالإضافة إلى الإساءة اللفظية من إهانات وشتائم.

تشرح المرشدة النفسية ريم خالد من أبناء الجنوب السوري لمراسلة درعا 24 أثر بيئة العمل غير الآمنة على الطفل بقولها: “تؤثر الاساءة اللفظية والعنف الجسدي الذي يتعرض له أبناؤنا في العمل على التكوين النفسي والاجتماعي للطفل، كما يؤثر سلباً على بناء شخصيته وطباعه، وتجعل منه عدوانياً يميل إلى العنف ضد المجتمع، نتيجة إحساسه بالقهر الاجتماعي وتحمله مسؤولية تفوق قدرته، إضافةً إلى تفشي بعض العادات والظواهر السيئة بين الأطفال، مثل التدخين وتعاطي المخدرات، والسرقة، وكل ذلك يؤدي إلى انعكاسات سلبية خطيرة على حياة الطفل مستقبلاً وعلى المجتمع أيضاً”. 

من بين الأطفال المنخرطين في سوق العمل في محافظة درعا، حسام، 12 عاماً، من ريف درعا الشرقي، الذي يعمل في ورشة حدادة لأكثر من تسع ساعات يومياً مقابل أجر يومي قدره 8 آلاف ليرة سورية، وذلك لإعالة أسرته بعد أن توفي والده منذ أكثر من سنة.

من خلال الحديث الذي دار بينه وبين مراسلة درعا 24 اتضح بأن حسام يعاني من صعوبة كبيرة في العمل الذي يقوم به، حيث يذكر أنه واجه مشاكل في البداية، لعدم قدرته على التأقلم مع العمل الذي أنهك جسده، بالإضافة إلى ذلك يقول الطفل: “تعرّضت للإهانة والشتم والكلام البذيء، وأحياناً للصفع من قبل صاحب العمل، ولم يكن بإمكاني عمل شيء أو ترك العمل لأنه إذا تركت الشغل اهلي بموتوا من الجوع”.

أحد العاملين (السابقين) ضمن صفوف إحدى المليشيات الأجنبية في سوريا خلال السنوات الماضية أكّد بأنه تم تجنيد أطفال بأعمار بين 12 و16 عاماً، على أسس طائفية، حيث يتم إخضاع هؤلاء الأطفال لدورات عقائدية وتدريب على استعمال السلاح.

تجنيد الأطفال

ويعد تجنيد الاطفال من أسوأ اشكال عمالة الاطفال لأن فيه تهديدا مباشر لحياتهم، حيث وقع العديد من الأطفال ضحايا في المعارك التي حصلت قي الفترة ما بين 2012 و2018 علماً أنه لا يوجد ارقام دقيقة لمن فقد حياته من الأطفال في هذه المعارك. 

وبالإضافة إلى الثمن الأكبر لتجنيد الاطفال وهو فقدان عدد منهم لحياته في المعارك واعتقال بعضهم، فإن بعضاً من الأطفال المجندين الذين نجوا من المعارك والاعتقال تعرضوا لاضطرابات نفسية، أثرت عميقاً في حياتهم. 

وفيما يخص عمالة الاطفال الإناث تحديداً فان السبب الاساسي يعود إلى الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة، وهو في حدود أدنى بكثير من عمالة الاطفال الذكور، وتلعب العادات والتقاليد التي تعارض عمل الإناث عموماً دوراً في ذلك.

في سياق محافظة درعا يصعب تقدير أثر العمالة على الاطفال الإناث المنخرطات في العمل لأسباب اجتماعية وخاصة وصمة العار إذ لا تتوفر بيانات أو ارقام عن هذا الاثر.

تقول طبيبة الاسرة الدكتورة هدى في حديثها للمراسلة: “تتعرض الفتيات أثناء عملهن خارج البيت لأشكال متنوعة من الإساءة والعنف من أصحاب العمل أو من زملائهن الرجال مثل الاساءة اللفظية والعاطفية والعنف الجسدي والاستغلال العاطفي، وأحياناً الجنسي والتحرش، وتحجم الطفلة وأهلها عن تقديم شكوى أو مجرد الحديث عن الأمر خوفاً من العار”. 

تقف مجموعة من الاسباب وراء ظاهرة عمالة الأطفال في درعا، تتنوع بين أسباب اجتماعية واقتصادية وظروف فرضتها الأحداث خلال السنوات الماضية. تهدد الطفولة والمجتمع لما ينتج عنها من آثار ونتائج خطيرة، من حرمان الطفل من طفولته إلى عدم استكمال تعليمه، وجعله فريسة سهلة للاستغلال وتعرضه للعنف والأذى الجسدي والنفسي.

كل ذلك يجعلنا نفكر ملياً كيف سيكون مستقبل الأطفال والمجتمع، ذلك المستقبل الذي عماده وبناته أطفال ابتلعهم سوق العمل وحال دون نشأتهم بطريقة تتناسب مع الدور المنتظر منهم في المستقبل، الذي يطمح الجميع أن يكون مختلفا عن الواقع المر الحالي.

الرابط: https://daraa24.org/?p=30593


إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًاً من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدّم/قدّمي شكوى

Similar Posts