مخلفات الحرب: ظاهرة خطيرة ومعالجات خجولة

حصدت سنوات الحرب الطويلة في سوريا أرواح الآلاف من المدنيين وهجرت الملايين في أصقاع الأرض. لكن لم يقتصر الأمر عند ذلك، إذ تستمر مخلفات الحرب والألغام والذخائر غير المنفجرة في إزهاق أرواح الأبرياء والتسبب في إعاقات ترافق بعض الناجين طيلة حياتهم. كما تؤثر سلباً على الأعمال الزراعية وحرية التنقل. وعلى الرغم من الآثار المدمرة لهذه الظاهرة الخطيرة، إلا أن المعالجات والجهود المبذولة للتصدي لها ما تزال أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب.

سوريا الأسوأ في العالم بالنسبة للذخائر العنقودية

حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان – الذي يُعنى بتوثيق الانتهاكات في سوريا – فقد تسببّت مخلفات الحرب خلال الشهر الأول من العام 2023 في مقتل وإصابة 51 مدنياً بينهم 30 طفلاً. كذلك أكد مرصد الألغام الأرضية – وهو برنامج دولي يهتم بالبحث والرصد لحظر الألغام الأرضية والذخائر العنقودية – أن سوريا جاءت في المرتبة الأولى عالمياً، من حيث عدد ضحايا الألغام. حيث وثق هذا التقرير 2729 قتيلاً ومصاباً من جراء انفجار الألغام في سوريا.

أكد التقرير السنوي الثالث عشر للتحالف الدولي للقضاء على الذخائر العنقودية والحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية التقرير  بأن ربع ضحايا الذخائر العنقودية في العالم وقعت في سوريا والتي ما تزال الدولة الأسوأ في العالم بالنسبة لهذه الآفة وذلك منذ عام 2012، وقد سجلت أعلى حصيلة للضحايا في عام 2021، والتي بلغت 37 ضحية.

في حين نفت السطات السورية استخدام قنابل عنقودية ضد مسلحيّ المعارضة، حيث قال بيان للجيش إنه لم يستخدم القنابل العنقودية ضد من وصفهم بالإرهابيين، وأوضح البيان الذي أذاعته وسائل إعلام محلية رسمية أن الجيش السوري لا يمتلك هذا النوع من القنابل، معتبراً أنّ ما ذكر في هذا الأمر “يأتي في إطار التضليل الإعلامي”.

يؤكد المحامي احمد الزعبي في حديث لمراسل درعا 24، أن النظام في سوريا لم يُوقّع على اتفاقية حظر القنابل العنقودية، وأن الطيران السوري والروسي هما الوحيدان المسؤولان عن جميع المجازر وعمليات القتل التي سببتها القنابل العنقودية المحرمة دوليا، وفق تعبيره.

كذلك أشار الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) في تقرير له بأن جميع الذخائر غير المنفجرة بمختلف أنواعها خطرة، إلا أن القنابل العنقودية شكلت الخطر الأكبر بسبب استخدامها المكثف من قبل النظام وروسيا، وانخفاض نسبة انفجارها الفورية بعد وصولها إلى الأرض، مقارنةً بباقي أنواع الذخائر الأخرى وانتشارها الواسع.  

إقرأ أيضاً: مخلفات الحرب في درعا: من المسؤول عن نشرها أمس ومن يزيلها اليوم؟

معالجات خجولة

وثقت درعا 24 في العام 2022 أكثر من 25 قتيلاً في محافظة درعا، نتيجة انفجار مواد من مخلفات الحرب، جميعهم من المدنيين وبينهم من الأطفال، فيما أُصيب أكثر من 58 شخصاً آخرين. بينما بلغ عدد ضحايا مخلفات الحرب في محافظة درعا منذ بداية العام 2023 حتى أواخر شهر أيلول من العام الجاري، ما يزيد على  9مدنيين  بينهم سبعة أطفال، وإصابة 8 أطفال آخرين. ولا تحظى هذه المحافظة بأي جهود حقيقية لمواجهة خطر هذه الآفة التي تحصد أرواح العديد من أبناء المحافظة وتهدد ‏حياتهم، فالجهود المبذولة على مدار السنوات الماضية لا تكفي لمواجهة هذه المشكلة، التي تهدد حياة الأهالي ‏وثرواتهم الحيوانية.

حول هذا السياق يتحدث محمد البردان – وهو ناشط حقوقي – لمراسل درعا 24 بإن: “الضحايا والآثار الناتجة عن المخلفات الحربية مخيفة، ومع ذلك، يتعامل النظام السوري وسلطات الأمر الواقع في مختلف المناطق السورية، والتي تعتبر المسؤولة عن هذه الآفات المدمرة أيضاً، مع الأمر كأنه لا يعنيها. فلا يوجد أي إحصاءات رسمية تصدر عن أي جهة أو سلطة، ناهيك عن التقاعس عن القيام بمسؤوليتهم تجاه هذه المخلفات”.

وفقًا لما نشرته وكالة سانا الرسمية ققد استفاد 4576 شخصاً في محافظة السويداء في نيسان (إبريل) الماضي من أنشطة توعوية نظمها متطوعو فرع الهلال الأحمر العربي السوري حول خطر مخلفات الحرب والألغام القابلة للانفجار. تعلّق المحامية س. الخطيب على هذه الأنشطة التي تصفها بالمحدودة: “في مناطق سيطرة الحكومة السورية، تقتصر الجهود المبذولة في التصدي لظاهرة مخلفات الحرب على الدور التدريبي والتوعوي الذي تقوم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري، ولا نرى أي دور للدولة أو المنظمات الإنسانية”.

إقرأ أيضاً: مخلفات الحرب في درعا: بكلمات مَنْ عاشوها

ماذا عن مناطق شمال غرب وشمال شرق سوريا؟

تأتي منطقة شمال شرق سوريا في المرتبة الثانية بعد المناطق التابعة لسيطرة السلطات السورية، من حيث عدد ضحايا مخلفات الحربية، وفقاً للأرقام الصادرة عن المؤسسات الحقوقية. ومن خلال رصد التقارير المنشورة هناك حول الجهود المبذولة للتصدي لمخلفات الحرب في هذه المنطقة، يتبين أن قوى الأمن الداخلي في الإدارة الذاتية، من خلال وحدات الهندسة التابعة لها، تقوم بإزالة كميات من الذخائر ومخلفات الحرب، والتي تزعم سلطة الأمر الواقع هناك أنها تعود للحرب ضد تنظيم داعش في عام 2017.

وأما منطقة شمال غرب سوريا، التي على الرغم من دخولها تحت اتفاقيات خفض التصعيد، ما تزال تعتبر من أكثر المناطق اشتعالاً في سوريا، ولا توجد منطقة آمنة تماماً فيها، لأن الطائرات المروحية والحربية السورية والروسية لا تزال تشن غارات جوية هناك، ويؤكد الناشطون هناك أنه يمكن لمنطقة تم تطهيرها اليوم أن تتعرض للقصف مرة أخرى غداً.

الأستاذ عماد الحريري، من أبناء محافظة درعا ومقيم في تركيا، يعمل حاليا في قطاع الحماية في المنظمات غير الحكومية، يقول في حديث مع المراسل : “في إطار الاستجابة الإنسانية في منطقة شمال غرب البلاد، تم تشكيل كتلة الحماية التي تتضمن أربع كتلاً فرعية: الحماية العامة، حماية الطفل، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ومخلفات الحرب. وفي الوقت الذي نلاحظ فيه أداءً مقبولاً وجهوداً كبيرة وتمويلاً ضخماً للكتل الفرعية الثلاثة الأولى، نشاهد ضعفاً كبيراً وواضحاً في أداء الكتلة الفرعية الخاصة بمخلفات الحرب، ويتجلى ذلك في غياب مشاريع متخصصة وضعف التمويل ومحدودية الأنشطة، التي تقتصر على جلسات أو حملات توعية حول هذه المخلفات”.

ويعتقد الحريري أن السبب الأساسي في ذلك يعود إلى إحجام الداعمين عن الاهتمام بهذه الظاهرة، وهناك رفض شبه مُجمع عليه على الابتعاد عن تمويل جهود وأنشطة تحديد مواقع هذه المخلفات وإزالتها.

 الأستاذة ريم أبازيد، الناشطة المدنية المقيمة في أوروبا، ترى في حديثها عبر الهاتف مع مراسل درعا 24 أن الدول المؤثرة في الأزمة السورية والمجتمع الدولي بشكل عام قد أخفقوا في أداء واجبهم في تخليص الشعب السوري من ظاهرة مخلفات الحرب. وقد ساهم تقاعسهم في تفاقمها، حيث لم يتم تخصيص الموارد والجهود الكافية لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة.

تشارك مخلفات الحرب والألغام والذخائر غير المنفجرة في مسلسل الألم والدم السوري، بينما يتقاعس الجميع: السلطات، المنظمات غير الحكومية، المجتمع الدولي، والدول التي شاركت بتدخلها العسكري في الأرض والسماء السورية، عن القيام بواجباتهم في التصدي لهذه الظاهرة.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=33969

Similar Posts