المشاريع الصغيرة- انتاج المخلل ودبس البندورة واللبنة والمربيات في بلدة نمر في محافظة درعا

 تستمر معاناة النساء في درعا وخاصة الفاقدات المعيل، في ظل الغلاء المعيشي وصعوبات الحياة، مما دفع العديد منهن للعمل بجدٍ وكفاح من أجل توفير لقمة العيش، وعدم الاستسلام لظروف الحياة، فعملت البعض منهن على تأسيس مشاريع منزلية صغيرة خاصة بهن، تعينهن على تلبية الاحتياجات اليومية وإعالة أسرهن. وقد حافظن على استمرارها على الرغم من كافة الصعوبات التي واجهنها.

وقد كان تقرير ديموغرافي صادر في العام 2018 عن المكتب المركزي للإحصاء التابع للحكومة في سوريا، قد وثّق تسجيل  518 ألف أرملة في سوريا، مقابل 43 ألف رجل أرمل، ووفق التقرير فإن واحدة من بين كل 6 نساء متزوجات فقدت زوجها.

مشاريع ناجحة

(أم عبدالله 36 عاماً) واحدة من هؤلاء الأرامل، تقول : “لقد واجهتُ صعوبات كثيرة منذ وفاة زوجي، ولكن توجب علي أن أعمل من أجل أسرتي المكونة من ثلاثة أولاد، فخطر ببالي أن أتعلم طريقة تصنيع الأجبان ومشتقات الألبان، التي باتت مصدر رزقي لاحقاً، بالإضافة إلى أني أعتمد عليها في تأمين قوت عائلتي، فبدأت مشروعي الصغير ببيع ما أنتجه لجيراني والأشخاص المقربين مني، والذين شجعوني على تطوير الفكرة والتوسع بها “.

تتابع: “وازداد ‏الطلب على منتجاتي من الأجبان ومشتقات الألبان، بعد أن بدأت بتسويق تلك ‏المنتجات في عدد من المحال التجارية ضمن بلدتي، لقد غيّر هذا المشروع حياتي وأصبحت أكثر ثقة بنفسي، وتمكنت ‏من توفير دخل شهري لأسرتي تجاوز المئتي ألف ليرة، وأنا أتطلع في المستقبل القريب لتأسيس معمل لتصنيع الأجبان والألبان”.

 أما (أم ‏يوسف، 45 عاماً) التي تعمل في مجال الخياطة، فقد بدأتْ العمل بعد أن تعرّض زوجها لإصابة حرب ‏جعلته مقعداً في البيت، فقررت أن تتعلم مهنة الخياطة من أجل توفير احتياجات الأسرة التي باتت دون معيل بعد الحادث الذي أصاب زوجها.

 ‏تقول: “لقد حرصتُ على تعلّم هذه المهنة بكل ‏قوة وإرادة، فبدأت أعمل كمتدربة عند احدى الخياطات المعروفات في البلدة، وخلال عام واحد تعلمت كل أصول ‏الخياطة والحياكة، فقررت أن أبدأ مشروعي الخاص، بعد أن تمكنت من جمع مبلغ مالي بسيط لشراء ماكينة خياطة وبعض المعدات اللازمة، وقد بذلت مجهوداً كبيراً خلال السنوات الماضية لأثبت جدارتي في العمل، وتمكنت خلال هذه الفترة من تأسيس مشغل صغير في غرفة ضمن منزلي، وعملت على تطوير مشروعي شيئاً فشيئاً، وأنا الآن أعمل مع أكثر من سيدة بفضل الله، وتمكنت من  توفير عائد مالي جيد ساعدني ‏كثيراً في تلبية متطلبات أسرتي”.

 ‏ ‏وأوضحت أنها عازمة على توسيع نطاق أعمالها، وكذلك تتطلع الى تدريب النساء الأخريات ‏المحتاجات لذلك، للاعتماد على النفس والخروج من دائرة الحاجة والعوز.

 ‏الناشطة الاجتماعية “منال الزعبي” تقول في حديثها مع مراسلة درعا 24: “تُشكّل النساء اليوم عنصراً أساسياً في التنمية الاقتصادية في محافظة درعا، التي تمر بتحديات اقتصادية صعبة للغاية، فقد فرضت الحرب عليهن تحديات قاسية على ‏عدة مستويات، وأهم هذه التحديات هو الحصول على مصدر دخل ثابت، مما جعل العديد منهن يقتحمن ميدان العمل، ‏ويتحملن مسؤوليات متعددة  لتوفير لقمة العيش، وقد نجح الكثير منهن  في تحسين أوضاع أسرهن من خلال تنفيذ ‏مشاريع صغيرة، انطلقت من منازلهن بإمكانيات بسيطة جداً”.

 ‏وتابعت الناشطة بأن النساء في محافظة درعا تعاني من عدم وجود مراكز ‏تدريب وتأهيل، وعدم اهتمام من قبل منظمات المجتمع المدني، ودعتْ الى أهمية التفات الجهات المعنية إلى المشاريع التي تخص تمكين المرأة لمساعدتها على تخطي العقبات المادية ومواجهة صعوبات الحياة. ‏

واقع معيشي سيء يدفع بالعديد من النساء للعمل

أعلنت منظمة العمل ضد الجوع في وقت سابق بأن ما يقدر بـِ 12.4 مليون شخص – حوالي 60٪ من سكان سوريا – يُعانون من انعدام الأمن الغذائي. وقالت المنظمة: “كل يوم، يستطيع السوريون شراء كميات أقل مما يحتاجون إليه للبقاء على قيد الحياة. فدخولهم ومدخراتهم آخذة في الانخفاض في القيمة مع تزايد تكاليف السلع الضرورية من المياه والغذاء والوقود والكهرباء وأصبحت بعيدة المنال، وفي المتوسط، تنفق الأسر الآن أكثر بنسبة 50٪ من دخولها”. وكانت قالت الأمم المتحدة في أحد تقاريرها بأن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

أم أحمد (32 عاماً) إحدى النساء التي فقدت عائلتها مصدر دخلها، مما اضطرها منذ ‏قرابة الأربع سنوات للعمل، حيث كان الوضع الاقتصادي صعباً للغاية ويزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بعد أن فقد زوجها عمله، تقول: “غدا زوجي عاطلاً عن العمل وأولادي مازالوا صغاراً، فقررت العمل بما أبرع به وبدأت بتصنيع المعجنات والحلويات في المنزل، ‏وكان زوجي يبيعها للمحلات، وقد تطور المشروع مع الوقت”.

 ‏وتؤكد أن المشروع لاقى نجاحاً أكبر بعد أن قامت ‏بالترويج لعملها عن طريق إنشاء صفحة على الفيس بوك تعرض من خلالها كافة منتجاتها الغذائية، وتمكنت بفضل ذلك ‏من الوصول إلى عدد جيد من الزبائن من القرى والبلدات المجاورة، وبدأت تتعامل مع عدد من المحال التجارية ‏لتسويق ما تقوم بصناعته من حلويات ومواد غذائية”. ‏وأكدت أن المشروع يدر عليها دخل أكثر من 250 ألف ليرة شهريا، وقد وفرت أيضا من خلاله ‏فرص عمل لنساء أخريات.

إقرأ أيضًا: المرأة الحورانية: إرادة لا تنكسر مهما تكالبت عليها الظروف

وكان رئيس مجلس الوزراء “حسين عرنوس” أشار في أول اجتماع لحكومة 2021 إلى ضرورة تقديم الدعم الحقيقي لبرنامج عمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لما تشكله من فرصة حقيقية للمشاركة في تحقيق الخطط التنموية.

 وقد أطلق المصرف التجاري السوري في شهر آب من العام الماضي برنامج تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وأوضح المصرف في بيان له أن برنامج التمويل يتكون من عدة منتجات مصرفية بفوائد مدعومة حيث يدعم هذا النوع من القروض بتخفيض معدلات الفائدة على كل القروض التي تمنح لهذه المشاريع ضمن هذا البرنامج بمعدل 2 بالمئة.

وعن هذا الموضوع تحدث (م.المصري) وهو موظف بالمصرف التجاري «أن هناك عقبات كثيرة أمام منح القروض لهذه الفئة كون أن ضمانات الحصول على مثل هذه القروض غالباً، لا تكون مُحققة عند أصحاب هذه المشاريع».

إقرأ أيضًا: المرأة الحورانية بين آثار الحرب والحالة المعيشية القاسية

وكانت منظمة الهلال الأحمر بدرعا قد أطلقت بالتعاون مع الأمم المتحدة برنامج سبل العيش بدرعا وقد صرّح  مدير البرنامج «سليم الأسعد » لوكالة سانا تم في العام الماضي إطلاق مشروع الصناعات المنزلية الذي شمل 100 امرأة، من النساء المعيلات. بينما بلغ عدد المستفيدين من مشروع منحة الحبوب 5000 مزارع من المتضررين نتيجة الأزمة كما استفادت 220 عائلة من مشروع الأعلاف المدعوم في حين بلغ عدد المستفيدين من مشروع تربية الأغنام 120 عائلة لافتاً إلى أهمية مشروع الحدائق المنزلية من حيث عدد الأسر المستفيدة والنتائج المتحققة حيث شمل المشروع 3000 عائلة.

تبقى المرأة من أكثر المتضررين من آثار الحرب وويلاتها في سوريا، حيث تحمّلت العديد من الأعباء الإضافية بعد ارتفاع معدلات الفقر وكثرة المصاعب الاقتصادية، الأمر الذي اضطرها لأن تكافح وحدها وليس فقط تعمل بل تؤسس مشاريعها الخاصة، على الرغم من قلة الدعم لمثل ذلك من قبل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة لانخفاض التشجيع من المجتمع المحلي أحياناً، حيث يعارض البعض عمل المرأة ويعتبر مكان المرأة هو بيتها، دون أن يقدم حلولا لطرق إعالة اسرتها، ولكن الأكثرية في درعا يدعمون عمل المرأة، خاصة وإن معظم هذه المشاريع تديرها النساء من البيت.

رابط التقرير: https://daraa24.org/?p=24305

Similar Posts